عادل مهدي
انتقد خبراء بنوداً تضمنتها الموازنة العراقية لعام 2016، ووصفوها بالموازنة الحسابية لا الاقتصادية، فضلاً عن احتوائها المشاكل ذاتها الواردة في الموازنات السابقة. وأعربوا عن خشيتهم من عدم وصول سعر برميل النفط إلى المستوى المحدّد في الموازنة وعدم بلوغ كمية الإنتاج المستهدفة، ما سيتسبّب بأعباء جديدة على الموازنة المقبلة. ولفت رئيس «معهد التقدّم للسياسات الإنمائية» مهدي الحافظ في مداخلة خلال ندوة حضرتها «الحياة»، إلى أن إعداد الموازنة كان دائماً يُعدّ مشكلة معقدة في العراق، إذ يمثل صورة صادقة عن هيمنة الفكر التقليدي البيروقراطي على الشؤون المالية في البلد، والصحيح أن تأتي الموازنة برؤية اقتصادية عادلة للفعاليات الحكومية والأهلية في سياق متماسك ورصين».
وشخّص الحافظ ثغرات في الموازنة، منها ضعف الموارد المالية، إذ لم يعد النفط قادراً على تلبية الحاجات الأساس للعراق، مع تراجع أسعاره وغموض مستقبل أسواق النفط في العالم، محذراً من أن تحديد سعر البرميل في موازنة العام المقبل بـ45 دولاراً أمر غير واقعي، إذ يُتوقع أن يهبط إلى دون 40 دولاراً. وأشار إلى أن مشكلة أخرى تواجه الموازنة، تتمثل في طبيعة العلاقة مع إقليم كردستان، داعياً إلى توفير الظروف الملائمة لحل الخلافات مع الإقليم ووضع صيغة عادلة لتوزيع الموارد.
ودعا الحافظ الحكومة إلى توضيح موقفها من القروض الواردة في الموازنة، وتحديد ما إذا كان هناك ضمانات لتقبل هذه القروض بشروط مالية معقولة، كما توجد تفاصيل كثيرة تتعلق بالتخصيصات للقطاعات الاقتصادية، ومنها ما يتعلق بحياة الناس ورفاهيتهم وتوفير الخدمات الضرورية للمجتمع، ولكن الموازنة جاءت استثنائية ومخفضة بسبب الأزمة المالية والحرب ضد تنظيم «داعش» وتبعاتها المالية والإنسانية والسياسية. واقترح في هذا المجال تحديد سعرين للصرف لمراعاة الحاجة الوطنية التي تتميّز بوجود أكثر من فئة اجتماعية واقتصادية، ما يُبرّر وجود سعر صرف خاص بالسلع الأساس، مثل الحبوب واللحوم والأدوية، وآخر يغطي السلع غير الأساس.
بدوره قال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن ظروفاً غير عادية تحيط بالموازنة، فمعدل النمو هبط إلى أقل من اثنين في المئة، والتضخم لا يتجاوز اثنين في المئة، مشيراً إلى السعر المتوقع لبرميل النفط يبلغ 45 دولاراً وبسقف تصديري يصل إلى 3.6 مليون برميل يومياً، فيما يبلغ الإنتاج 4.2 مليون. وأضاف أن «الموازنة لا تعالج الوضع الاقتصادي، وهذه السلبية ستتحول إلى جانب إيجابي من خلال تقليص النفقات ونسبة العجز، فخفضت بمقدار 6 تريليونات دينار (5.05 بليون دولار) مقارنة بموازنة عام 2015، من 119 تريليون دينار إلى 113 تريليوناً، بعجز نسبته 26 في المئة بعدما حدّدت الموازنة العجز بـ29 تريليون دينار، وهي نسبة مطابقة للموازنة الاستثمارية. وتبلغ حصة الإقليم 17 في المئة تستقطع منها النفقات السيادية، ليتسلّم الإقليم شهرياً 1.2 تريليون دينار.
ولفت صالح إلى «الدَين العام الذي ارتفعت نسبته في الموازنة إلى 14 في المئة من 8 في المئة في الموازنة السابقة»، موضحاً أن «الدَين الخارجي ليس كبيراً إذ يبلغ 15.5 بليون دولار ويتضمن ديوناً لـ52 بلداً من خارج نادي باريس، منها الأردن وتركيا وبعض دول الخليج ومصر وهولندا والبرازيل، وهو أمر لا يدعو للقلق كما يتحدث بعضهم لأن المعيار العالمي للدَين العام يعتبر أن تشكيل الدَين 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي يعد أمراً طبيعياً، وفي العراق تبلغ نسبته 36 في المئة فقط ويمثل الديون الداخلية والخارجية والتي تصل إلى 37 بليون دولار».
وأكد أن «لا استحقاقات مالية متأخرة للشركات النفطية»، مشيداً بسياسة البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية التي وصفها بالصحيحة والواقعية للسيطرة على الانكماش وتوفير السيولة المطلوبة من خلال اعتماد ما يعرف بمدرسة الصيرفة».
وعن أسعار النفط والتحديات التي تواجه الموازنة من خلال تحديدها سقفي السعر والتصدير، لم يخف الخبير النفطي فؤاد قاسم الأمير في مداخلة، قلقه من طبيعة العلاقة النفطية مع إقليم كردستان بعدما أثبتت التجربة أن الإقليم لم ولن يلتزم بالاتفاقات مع بغداد. وأوضح أن «معدلات بيع النفط العراقي ليست ثابتة، ففي أيار (مايو) وحزيران (يونيو) الماضيين، كان سعر البيع 55 دولاراً للبرميل، وانخفض في آب (أغسطس) إلى 40.60 دولار». وأضاف: «التوقعات تشير إلى وجود فائض مقداره 3.5 مليون برميل يومياً، ما يعادل حجم التصدير العراقي المقدر في موازنة 2016»، لافتاً إلى أن دخول إيران السوق النفطية العام المقبل بعد رفع العقوبات عنها سيساهم في زيادة مليون برميل يومياً إلى السوق العالمية، وبالتالي لن تكون قادرة على استيعاب الزيادات النفطية في سوق العرض حتى نهاية عام 2019 أو مطلع عام 2020، ما يعني أن الأسعار ستواصل تراجعها.
وأضاف الأمير: «بموجب معطيات السوق النفطية العالمية، علينا توقع سعر واقعي لبرميل النفط، بخلاف الذي وضع في موازنة 2016 والبالغ 45 دولاراً للبرميل، وسنكون محظوظين لو وضعنا سعر 40 دولاراً للبرميل واستطعنا بيع النفط بهذا السعر في ظل احتمال انخفاض الأسعار أكثر».
واقترح محافظ البنك المركزي علي العلاق «وضع ملاحق محددة في الموازنة تعطي صورة واضحة للواقع، فمثلاً شركات القطاع العام تظهر جميعها وعددها أكثر من 80 شركة برقم واحد فقط هو صافي الربح أو الخسارة، وغالباً ما يكون الصافي ربحاً لأن من ضمنها شركات وزارة النفط في حين أن 80 في المئة منها خاسرة». ولفت إلى «وجود فقرة غريبة في الموازنة وهي إضافة 5.9 تريليون دينار لتمويل المشاريع بالأجل، وهذه عملية تشويهية فالمشاريع لا تنجز بسنة واحدة»، موضحاً أن «من حلول سد العجز إصدار سندات داخلية بكلفة 7 تريليونات دينار من قبل البنك المركزي، وهو مبلغ كبير جداً في بيئة لم تعتد على مثل هذه الإجراءات وفي ظل غياب سوق تتداول مثل هذه السندات وبالتالي يمكن تسويق ترليوني دينار فقط وليس 7 تريليونات».
وعن الحلول والمعالجات، أوضح العلاق أنها «تكمن في مزيد من تقليص النفقات، باستثناء الرواتب وإعادة النظر بالإيرادات، فهناك قصور في عملية الضرائب والرسوم وبحاجة إلى إصلاح حقيقي وتصحيح من خلال السيطرة على الرسوم الجمركية».
وشكا العلاق حالة «عدم الاكتراث من قبل المصارف المتخصصة في التعامل مع مبادرة البنك المركزي المتضمنة إقراض القطاع الخاص 6 تريليونات دينار على رغم المرونة الكبيرة التي أبداها البنك وانخفاض نسب الفائدة المفروضة التي لا تتجاوز اثنين في المئة».