من عمالقة النفط العالميين مثل شل وتوتال إلى صغار اللاعبين البولنديين بقطاع الطاقة تقلص شركات التكرير في أوروبا اعتمادها القائم منذ أمد طويل على الخام الروسي لصالح الخامات السعودية وسط معركة على الحصة السوقية بين أكبر بلدين مصدرين في العالم.
وتحاول روسيا منذ سنوات أن تحل محل السعودية في الأسواق الآسيوية التي كانت المملكة يوما المورد المهيمن فيها بلا منازع. لكن الرياض ترد الآن بتخفيضات أسعار جريئة في أوروبا الفناء الخلفي لموسكو.
ولا علاقة للأمر بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية والتي تسري على معدات قطاع الطاقة وليس على إمدادات النفط والغاز ذاتها. بل هي معركة تجارية على الزبائن مع قيام كلا البلدين المصدرين بزيادة الإنتاج رغم أسعار النفط العالمية الضعيفة.
ومن المرجح أن يضفي هذا مزيدا من التعقيد على الحوار بين موسكو ومنظمة أوبك بشأن معالجة تخمة المعروض النفطي العالمية حيث تبدو تخفيضات الإنتاج المشتركة بعيدة المنال بالفعل.
وأبلغت مصادر تجارية رويترز أن شركات النفط الرئيسية مثل إكسون وشل وتوتال وإيني اشترت مزيدا من النفط السعودي لمصافيها بغرب أوروبا والمتوسط في الأشهر القليلة الماضية وعلى حساب النفط الروسي.
وقال مصدر تجاري بإحدى الشركات الكبرى طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام “أشتري كميات أقل أقل من الخام الروسي للمصافي التابعة لي في أوروبا ببساطة لأن الإمدادات السعودية تبدو أكثر إغراء. إنه أمر بديهي بالنسبة لي فالخام السعودي أرخص.”
وركزت الرياض تقليديا على الأسواق الأمريكية والآسيوية لتصبح موسكو المورد الرئيسي إلى أوروبا وبخاصة دول شرق القارة التي كانت ذات يوم جزءا من الكتلة السوفيتية.
لكن المسؤول التنفيذي الأكثر نفوذا بقطاع النفط الروسي إيجور سيتشين رئيس روسنفت قال يوم الثلاثاء إن السعودية بدأت تزويد بولندا البلد الشيوعي سابقا بأسعار “إغراق”. ثم يوم الأربعاء وصف وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الدخول السعودي في أسواق شرق أوروبا بأنه “المنافسة الأشد”.
وقالت المصادر التجارية إن شحنة واحدة على الأقل وصلت ميناء جدانسك البولندي في سبتمبر أيلول وإن شحنتين أخريين قد تصلان في أكتوبر تشرين الأول لتتولى معالجتهما شركتا التكرير بيه.كيه.ان أورلن ولوتوس.
وقال مصدران تجاريان إن السعودية تدرس تخزين الخام في جدانسك لتستطيع تزويد العملاء في شرق أوروبا بسرعة أكبر كما فعلت لسنوات مع عملاء غرب أوروبا من موانئ في هولندا أو بلجيكا.
وقال متعامل إن إمدادات جدانسك قد ترسل إلى ألمانيا لمنافسة الخام الروسي القادم عبر خط الأنابيب دروجبا الذي شيده الاتحاد السوفيتي السابق.
وتطمح ليتوانيا إحدى دول البلطيق والجمهورية السوفيتية سابقا إلى تنويع مصادر إمدادات الطاقة. كان وزير الطاقة الليتواني روكاس ماسيوليس أبلغ رويترز يوم الأربعاء أن بلاده تجري محادثات مع شركة الغاز الطبيعي المسال الأمريكية تشينيير إنرجي بشأن واردات محتملة مع محاولتها الحد من اعتمادها على جازبروم الروسية.
* حجز الحصة السوقية
وقد تثير المعركة شكوكا في موسكو بأن الرياض تحاول معاقبة الكرملين على دعمه عدو المملكة الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن بدأ سلاح الجو الروسي شن غارات على مواقع المعارضة المسلحة في روسيا.
وفي الحقيقة تخوض موسكو والرياض بالفعل معركة أخرى على الحصة السوقية في آسيا قبل فترة طويلة من الحرب السورية التي اندلعت بعد 2011 وقبل أن يفرض الغرب العقوبات على روسيا العام الماضي.
وعلى مدى العشر سنوات الأخيرة حولت روسيا اتجاه ما يصل إلى ثلث صادراتها النفطية إلى آسيا عن طريق بناء خطوط أنابيب عملاقة تصل إلى بر الصين وساحلها على المحيط الهادي.
وقال سيث كلاينمان مدير أبحاث الطاقة في سيتي جروب “يوجد افتراض بأن روسيا تلتفت إلى الشرق لأنها تلقى تضييقا من الغرب. في الحقيقة تعمل روسيا على حجز حصة سوقية في آسيا منذ فترة طويلة.”
وقال كلاينمان إن المنافسة احتدمت في الأسواق الآسيوية في الأشهر الأخيرة على النحو الذي دفع السعودية إلى تقليل الإمدادات هناك في مواجهة التسليمات المتنامية من منافسين مثل روسيا والكويت وأنجولا.
وفي غضون ذلك تحفز أسعار النفط المنخفضة الطلب في أوروبا بعد سنوات من الأداء الضعيف.
وقال مصدر نفطي عراقي كبير لرويترز “للمرة الأولى في سنوات عديدة تبدو السوق الأوروبية أكثر إثارة للاهتمام من السوق الآسيوية. لذا يتطلع منتجو الشرق الأوسط إلى اغتنام تلك الفرصة.”
ومن المرجح أن تحتدم المنافسة في الأشهر القليلة القادمة حيث من المنتظر أن تعود إيران – التي كانت تزود أوروبا بما بين خمسة وعشرة بالمئة من الخام قبل 2012 – بأحجام كبيرة عند رفع العقوبات الغربية المفروضة على طهران.
وقال مصدر تجاري بشركة نفط كبرى “يريد السعوديون تأمين الحصة السوقية قبل عودة إيران.”