كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
أكثر من خمس ساعات متواصلة (بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة والنصف بعد الظهر)، قضاها عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” سلطان أبو العينين في قصر العدل في بيروت، أمس. ربّما لم يتمكن المستشار السابق للرئيس الفلسطيني أنّ يوضب حقائبه، وهو العائد منذ أيّام قليلة إلى لبنان بعدما سحبت منه سلطات الاحتلال امتياز الدخول إلى الأراضي المحتلّة.
ومع ذلك مثل المسؤول الفلسطيني، بكامل أناقته ومن دون أن ينسى ساعته الذهبيّة، أمام قاضي التحقيق في بيروت بلال وزنة مع وكيلة الدفاع عنه، في الدعوى المقدّمة من نجل المسؤول في “فتح” و”منظمة التحرير” سابقاً اللواء الدكتور كمال ناجي، بلال ناجي، ضدّ أبو العينين وضدّ القيادي السابق في “فتح” محمّد دحلان وكلّ من يظهره التحقيق فاعلاً.
ويعتبر الادعاء أن الرجلين قاما بالتخلّص من ناجي ليتسلّما مكانه كونه كان أحد أبرز الكوادر الفتحاوية العاملة على الأراضي اللبنانيّة منذ سبعينيات القرن الماضي، متنقلاً في مراكز سياسية ومخابراتية، بالإضافة إلى خلافات بينهما وبين المغدور.
هي المرّة الأولى التي يمثل فيها أبو العينين أمام وزنة، إذ ما زال يلاحقه ملفّ اغتيال مساعد ممثل “منظمة التحرير الفلسطينية”في لبنان ومسؤول استخبارات “فتح” سابقاً، كمال ناجي، المعروف بـ “كمال مدحت”، مع اثنين من رفاقه في آذار 2009 عبر عبوة ناسفة استهدفت موكبه في مخيّم الميّة وميّة.
وبرغم أن التحقيقات التي قامت بها مخابرات الجيش اللبناني في حينه وأخرى قامت بها السلطة الفلسطينيّة وإفادات لعدد من «الفتحاويين» (أبرزهم نبيل شعث ومنير المقدح) وزوجة ناجي، أشارت في متنها بطريقة مباشرة في بعضها أو غير مباشرة في أخرى، إلى تورّط دحلان وأبو العينين في عمليّة الاغتيال، إلا أنّ الأخير أنكر أمس وأمام قاضي التحقيق هذا الأمر، مؤكداً أنّ لا علاقة له بهذه الجريمة لا من قريب ولا من بعيد.
ولم يكتفِ عضو اللجنة المركزيّة لـ “فتح”، الذي أصدرت المحكمة العسكريّة قبل أكثر من 15 عاماً حكماً بإعدامه قبل أن يتمّ إعلان براءته، بالنفي. وإنّما ذهب أبو العينين أبعد من ذلك، ليشير إلى أنّ عمليّة الاغتيال كانت تستهدفه بدلاً من ناجي على اعتبار أنّ سيارات موكب المغدور تتشابه وسياراته.
وخلال التحقيق معه والمواجهة مع الادعاء بحضور وكيلهم المحامي طلال أديب، كشف أبو العينين عن بعض ما في جعبته من معلومات من دون أن يزيح النقاب عن مصدرها. فروى أن العبوة التي استهدفت الموكب كانت معدّة لاستهداف سيارات مصفحة، كالتي كان يملكها، بالإضافة إلى أنّه تم وضع العبوة خلال الليلة التي سبقت عمليّة الاغتيال.
ونفى أبو العينين أنه كان على خصومة مع أحد أهم الكوادر الفلسطينيّة، فيما إفادة زوجة ناجي تشير إلى عكس ذلك، إذ إنّها روت خلال الاستماع إلى إفادتها أثناء التحقيق في ملابسات اغتيال ناجي والذي أجري في حينه، أنّ مستشار «أبو مازن» حاول اغتيال زوجها ثلاث مرات.
بقي أبو العينين على إنكاره، برغم من أنّه فقد أعصابه بعد حصول مشادة كلامية بينه وبين فريق الإدعاء داخل غرفة الاستجواب، عندما سأله المحامي أديب أنّه “لو كان ناجي ما زال على قيد الحياة هل كنتَ أنت في المنصب الذي أنت فيه الآن؟”، ليردّ أبو العينين غاضباً: “أنا لا أسمح لك بهذا الكلام». وهنا تدخّل القاضي وزنة الذي أمر الجميع بالتزام الصّمت وأن لا يحاول أحد من الحاضرين مقاضاة الآخر لأنّه هو القاضي هنا وليس أحد سواه.
وبعد التحقيق الذي أجري على ثلاث مراحل (استمع فيه لإفادة نجل المغدور فاستجواب المدعى عليه ثمّ المواجهة التي حصلت بين الادعاء والدّفاع)، أرجأ وزنة الجلسة إلى 21 كانون الثاني المقبل، على اعتبار أن أبو العينين قبل هذا التاريخ سيكون خارج لبنان. كما وافق قاضي التحقيق على طلب الادعاء بالاستماع إلى عدد من الشهود خلال الجلسة المقبلة، بعدما قرّر ضمّ التحقيق الذي أجرته السلطة الفلسطينيّة بشأن اغتيال ناجي إلى الملفّ.