بدأت مصر في تطبيق استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد تمتد لنحو أربعة أعوام، وأعلنت أن 87 جهة حكومية ومستقلة ستشارك فيها، بغرض تعزيز مناخ الاستثمار والقضاء على البيروقراطية الإدارية، التي يعاني منها المستثمرون.
وكان تقرير التنافسية العالمية، الذي أصدره منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس، قد وضع مصر في المرتبة 89 في تطوير مناخ الاستثمار ضمن القائمة التي تضم 140 دولة وهو مركز متأخر، يؤكد انتشار الفساد.
وقال خالد سعيد رئيس الأمانة الفنية للجنة الوطنية التنسيقية للوقاية من الفساد ومكافحته بهيئة الرقابة الإدارية لـ”العرب” إن مكافحة الفساد لا تقتصر على الحكومة فقط، بل يجب أن يكون هناك ترابط تام بين ثلاث جهات، هي الحكومة والشعب ومنظمات المجتمع المدني.
وأوضح أن الرقابة الإدارية أعدت نموذجا لمكافحة الفساد تم تسليمه لأجهزة الدولة المختلفة، يؤكد ضرورة تفعيل الشباك الواحد والفصل بين مقدم وطالب الخدمة وتعديل التشريعات واللوائح، إلى جانب آلية تفعيل وتحديث كافة القرارات الوزارية.
وأضاف أنه تمت الاستعانة بأعضاء هيئة الرقابة الإدارية، لمتابعة تنفيذ المقترحات من قبل الجهات المعنية، وهي جميع الوزارات والأجهزة الحكومية بكل المحافظات المصرية.
وأكد أن اللجنة، التي تضم ممثلين عن كافة تلك الجهات، نجحت في المرحلة الأولى من تطبيق الاستراتيجية في استعادة أراض تم التجاوز عليها تصل إلى 140 ألف فدان للدولة في 3 أشهر، وقدر قيمتها بنحو 19.5 مليار دولار.
وقالت الدكتورة ياسمين فؤاد مديرة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لـ”العرب” إن الفساد يبدأ بالمحاباة والمجاملات. وأشارت إلى انتشار تقديم الهدايا في السابق، في حين أن الدول المتقدمة تحظر قبولها، إلا بشكل رمزي، وأن تذهب للمؤسسة وليس للأشخاص.
وأوضحت أن وزارة المالية حددت سقف قيمة الهدايا الرمزية بقيمة 40 دولارا تقريبا، وفرضت رفض ما تزيد قيمته عن ذلك.
وأشارت إلى أن المركز، يقوم بالتعاون مع كل الجهات التي تشملها لجنة الوقاية من الفساد ومكافحته بهيئة الرقابة الإدارية، بتدريب الموظفين على سبل مكافحة الفساد.
وأكدت إعداد دراسات خاصة بالفساد، تستوحي تجارب الدول التي نجحت في مكافحته، والتي تلزم الجميع بإعلان كافة الأحداث على المواقع الإلكترونية، وهي تطبق لمفهوم الشفافية، التي هي جوهر مكافحة الفساد.
وأضافت أن المركز يقوم بإرسال بعثات لحضور المؤتمرات الخاصة بمكافحة الفساد في الدول المتقدمة في مكافحته، مثل ألمانيا والدنمارك ونيوزيلندا وسنغافورة وماليزيا، مشيرة إلى أن مصر تحتل المركز الـ94 من بين 175 دولة، في مكافحة الفساد وهو مركز متأخر.
وشددت على أن ذلك الترتيب الذي تحتله مصر في مؤشر الفساد، يؤثر سلبا على الاستثمار، لأنه يزيد تكلفة الاستثمار على المستثمرين، ويعطيهم دليلا على أنهم سيضطرون لتقديم الرشاوى، لتسهيل أعمالهم.
وأكدت أنه كلما تقدمت الأنظمة الديمقراطية، كلما تراجعت معدلات الفساد، بعد انتشار تطبيق الشفافية في جميع التعاملات، الأمر الذي يعزز من مناخ الاستثمار.
وقال حسام هيبة عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للاستثمار المباشر لـ”العرب” إن الفساد الإداري موجود في معظم دول العالم، إلا أنه مستشر في مصر في الأجهزة الإدارية الصغيرة للدولة، ويصل إلى صغار الموظفين، وأصبح ثقافة في المجتمع، لأن الفاسد لم يعد يرى نفسه فاسدا.
وأوضح أن القضاء على الفساد، يتطلب نشر التعليم بين أفراد المجتمع وهو حل على المدى الطويل، وليس بإلقاء القبض على الناس فقط، أما حل مشكلة الفساد على الأجل المتوسط، فإنه يتطلب تغييرا جذريا للقوانين التي تسمح بوجود الفساد.
أما في الأجل القصير، فأكد هيبة أنه ينبغي إعادة هيكلة المرتبات لأصحاب السلطة ومن بيدهم اتخاذ القرارات في مختلف جهات الدولة، حتى لا يكونوا عرضة للرشاوى.
وأضاف أن تحديد حد أقصى لأجور المسؤولين، يفتح الباب للمحسوبيات والرشاوى، كما أن سعي الرقابة الإدارية من أجل مكافحة الفساد، ليس مجديا، إذا لم يتم تغيير منظومة القوانين الحالية التي تسهل الفساد.
وقال صلاح حيدر عضو الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار لـ”العرب” إن بيئة الأعمال في مصر تواجه عقبات خطيرة، لأن انتشار الفساد على نطاق واسع، يؤثر سلبا على عمليات تخصيص الموارد وكيفية توزيعها بين الأطراف المختلفة في الدولة.
وقال إن الفساد أصبح يهدد إقبال المستثمرين على ضخ استثماراتهم في مصر، وخاصة الاستثمار الأجنبي.
يذكر أن التقارير التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية، تشير إلى تراجع ترتيب مصر الدولي في مجال مكافحة الفساد، وهو من أهم التحديات التي تواجهها مصر في المستقبل.
وطالب الحكومة بضرورة تعديل التشريعات الاقتصادية وأسلوب إدارة الاقتصاد لمكافحة الفساد، الذي يعد طاردا للاستثمار، بسبب تأثيراته الممتدة من أعباء البيروقراطية والروتين إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تتصاعد بدون حدود وتجاوز التقديرات الأولية للمستثمرين.