IMLebanon

خريطة طريق لدمج الشركات متعددة الجنسية في أميركا اللاتينية

LatinAmericaBusiness

جون بول راثبون

غالباً ما يتم تصوّر أمريكا اللاتينية كمكان مُتجانس ثقافياً، منطقة مُبتذلة من الود الدقيق والرجال ذوي الشوراب. إلا أنها ليست كذلك – كما هو واضح في اجتماع عُقد في البرازيل، عندما رأيت رجل أعمال أمريكيا من أصل لاتيني يقفز على الطاولة احتجاجاً على زلة لسان، من قِبل نظيره الناطق باللغة البرتغالية.

يغضب ألفارو سايح، الملياردير الشيلي الكولومبي، أثناء جلوسه مرة أخرى على كرسيه، قائلاً “لماذا لا تزال تفكّر في العملة البرازيلية وليس في الدولار الأمريكي”؟

كان رد نظيره البرازيلي، ريكاردو فيليلا مارينو “نحن لا نزال نُحدّد ميزانيتنا العمومية الشاملة بالعملة المحلية؛ إنها عادة، كما افترض”.

مارينو وسايح، وليس لدى أيّ منهما شوارب، يظهران مُهذّبين بتصنّع مع بعضهما البعض أكثر من كونهما يتعاملان بمودة – ربما علامة على الاختلاف الوطني أو ثقافة الشركات لكل منهما، وربما كلا الاختلافين. الصلابة هي أمر غريب للغاية، بما أنهما في ساوباولو للاحتفال بعملية دمج مصرفيهما – “هما” هي الكلمة الرئيسية.

إتاو، أكبر مصرف خاص في البرازيل، بل أكبر مصرف في أمريكا اللاتينية، بقيمة سوقية تبلغ 41 مليار دولار، هو مصرف تُسيطر عليه عائلة، ومارينو ينحدر من واحدة من العائلات المؤسسة لمصرف أتاو.

أما بنك كوربانكا التابع لسايح، البنك التشيلي الكولومبي الذي يندمج مع الفرع التشيلي لبنك أتاو، فهو أيضاً مصرف تُسيطر عليه عائلة.

في الواقع، جورج أندريس، ابن سايح حليق الذقن، الموجود أيضاً في الغرفة، سيُصبح رئيس مجلس إدارة المصرف الجديد – الذي هو أحدث إضافة إلى القائمة المُتزايدة “لشركات مُتعددة من أمريكا اللاتينية”.

هذا المُصطلح يُشير إلى شركات أمريكا اللاتينية التي تجاوزت أسواقها الداخلية وأصبحت متعددة الجنسيات. طموحها لعموم أمريكا اللاتينية يجعلها أيضاً كلمة محبوبة جداً من قِبل الاستشاريين في مجال الإدارة، على الرغم من السجل المتباين لكلمة (شركات مُتعددة من أمريكا اللاتينية) حتى الآن.

شركة موفيل، شركة الهاتف المكسيكية التي يُسيطر عليها كارلوس سليم، أو آيه بي إنبيف، شركة صناعة الجعة الكبيرة بقيادة برازيلية التي تسعى إلى ابتلاع شركة سابميلر، هناك شركة لاتام. هذه لفترة وجيزة كانت شركة الطيران الأكثر قيمة في العالم من حيث الرسملة السوقية، عندما أعلنت شركة لان الشيلية في عام 2010 أنها ستندمج مع شركة تام البرازيلية. منذ ذلك الحين، انخفض سعر أسهمها بأكثر من 80 في المائة.

أو هناك شركة سيميكس البرازيلية، في أوجها كانت واحدة من أكبر ثلاث شركات أسمنت في العالم، التي كانت على وشك الإفلاس بعد أن شرعت في فورة شراء أمريكية وأوروبية تماماً قبل انهيار أسواق الإسكان في عام 2008.

غالباً ما يُلقى اللوم على الطموح المُفرط، والديون المُفرطة، والتوقيت السيئ – المشكلات المُعتادة التي تُربك كثيرا من الصفقات عبر الحدود، لكن من المُدهش بالنسبة إلى البعض، الشركات المُتعددة من أمريكا اللاتينية يُمكن أن تعاني أيضاً عدم تطابق ثقافي.

في الواقع، تمت الإشارة إلى أن الاختلافات الثقافية بين شركة آيه بي إنبيف والمُساهم الكولومبي الرئيسي في شركة سابميلر، عائلة سانتو دومينجو، كانت بمثابة عقبة بالنسبة إلى عملية الدمج بين شركات صناعة البيرة البالغة 68 مليار جنيه التي تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ هذا الأسبوع. (عائلة سانتو دومينجو تملك أيضاً 3 في المائة من حصة كوربانكا).

على الرغم من أن لغة بورتونول، وهي اختلاط مُخصّص من الإسبانية والبرتغالية، تتغلّب على معظم حواجز اللغة الأمريكية اللاتينية، إلا أن عديدا من البرازيليين لا يعترفون حتى بالمصطلح “أمريكا اللاتينية”.

ميل البرازيل لتنظر إلى الداخل وشعورها المستمر من التفاؤل بشأن المستقبل، مقارنة بالولايات المتحدة، وهي بلاد كبيرة بالمثل، يُمكن أن يجعل البرازيل تشعر بأنها بعيدة للغاية عن البلدان الأمريكية الإسبانية، التي غالباً ما تجد نفسها مُحاصرة بشعور أكثر مأساوية من الماضي.

يقول سايح الشاب “نحن أقل اختلافاً مما قد تعتقد. شركتانا كبيرتان، وتريدان أن تفعلا الأمور بطريقة صحيحة. هناك أوجه شبه أكثر من أوجه الاختلاف ومعظم هذه الاختلافات، على أي حال، هي الأفكار المُسبقة”.

أيّاً كان الأمر، فإن إنشاء عملية الدمج هذه بين عدة شركات من أمريكا اللاتينية يبدو منطقياً على الورق. شركة إتاو، مثل عديد من الشركات البرازيلية، تريد تنويع سوقها المحلية لتدخل إلى اقتصادات أسرع نمواً، مثل شركات تشيلي وكولومبيا. لذلك فقد قامت بدمج جميع عملياتها غير البرازيلية في أمريكا الجنوبية ضمن الصفقة البالغة ثمانية مليارات دولار، مقابل حصة أقلية مُسيطرة في المجموعة الجديدة.

في الوقت نفسه، “كوربانكا” تحتاج إلى وزن مالي إضافي لمواصلة توسّعها الإقليمي: عمليات الخدمات المصرفية للأفراد في بنك إتاو، على سبيل المثال، تُنفّذ 31 مليار معاملة سنوياً.

يقول سايح “إن البرازيل هي سوق مختلفة تماماً. ما لم يكُن هناك شريك جيد، فمن الصعب القيام بعمل جيد”. يرد مارينو بسرعة “نحن نرى تشيلي بنفس الطريقة”.

هذه التعليقات تُعتبر بمثابة انتقادات ومرة أخرى توضّح الخلفيات الوطنية المختلفة جداً. مارينو، البالغ من العمر 41 عاماً، الذي أشرف على عملية دمج مصرفي إتاو ويونيبانكو بعد عملية الدمج الداخلية البالغة 60 مليار دولار في عام 2009، لديه العيون الزرقاء، والبشرة التي لوّحتها الشمس والمظهر الرياضي الأنيق للنماذج البرازيلية.

بينما سايح، البالغ من العمر 66 عاماً، يملك أصولا أكثر تنوّعاً، وريادة المشاريع.

هو مواطن من أصل فلسطيني ويحمل الجنسيتين الكولومبية والتشيلية، نشأ على الساحل الكاريبي في كولومبيا في فالدوبار – بلدة تربية المواشي المشهورة بموسيقى فاليناتو الحزينة.

باعتبارها جزءا من “ماكوندو” شبه الأسطورية، بلدة جابرييل جارسيا ماركيز، هي أيضاً المكان الوحيد الذي رأي فيه مُراسل “فاينانشيال تايمز” رجلا في حالة سُكر يُلقى خارج الحانة، إلى شارع ترابي، تبعته قبعة رعاة البقر.

ذلك كان قبل 25 عاماً، كما يقول سايح، الذي يحمل درجة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، وقام ببناء إمبراطورية خدمات مصرفية ومحال سوبر ماركت كبيرة بمليارات الدولارات. يُعلّق باقتضاب “نعم، بلدة فالدوبار مكان مُمتع للغاية”. بالتأكيد، لا يوجد شك في الفطنة التجارية لكلا الجانبين، التي يتم حشدها، لهذه الصفقة على الأقل، في اتفاق مُساهمين كثيف مكوّن من 52 صفحة. قد يُضيف الساخرون أن إتاو، الذي سيقوم بتعيين الرئيس التنفيذي للمصرف الجديد مقابل حصته البالغة 34 في المائة، يحصل على ثُلث الأرباح لكن جميع مشكلات المصرف التشغيلية. وربما عديد من المشكلات في الانتظار.

دعوى قضائية أقامها أحد صناديق التحوّط المُعترضين، الذي احتج بأن الصفقة قد احتالت على المساهمين الأقلية في “كوربانكا”، رفضتها المحاكم.

البيئة الاقتصادية تتدهور بسرعة. البرازيل، التي دمّرتها فضحية الفساد في شركة بيتروبراس التي تُسيطر عليها الدولة، تُعاني أسوأ فترة ركود منذ الكساد العظيم، في حين إن اقتصاد تشيلي الذي يُهيمن عليه النحاس يُعاني الانخفاض في أسعار السلع الأساسية. في كلا البلدين، الاحتجاجات الاجتماعية في تزايُد مع انخفاض شعبية الحكومة.

يتنهّد سايح قائلاً “جميع بلادنا لديها عديد من المشكلات، لكن هذا لا يعني أنها لا تملك شركات ممتازة بإمكانها جني الأموال”. وهذا صحيح بشكل خاص، كما يجزم، للمجموعات التي تُسيطر عليها عائلة مثل مجموعته.

يقول سايح “في المصارف الأمريكية والأوروبية، الجميع يقوم بالتغيير كل خمسة أعوام. هذا الأمر ليس جيداً للشركات المُضطربة: لن تعرف أي شخص من الموجودين لفترة طويلة.

في المقابل، في مصرفنا، لدينا عضو في مجلس الإدارة الذي في بعض الأحيان يرفض القروض، لأن هناك أشخاصا يعرفهم قد عجزوا فيما مضى عن السداد في عام 1965. نحن نأخذ الرؤية الطويلة”.

هنا، أخيراً، شيء يُمكن أن يتفق عليه الشريكان، بشكل غريزي: كيف يمُكن لملكية العائلة أن تُساعد على نمو ثروتهما الخاصة من خلال دورات مُنتظمة من الصعود والهبوط في أمريكا الجنوبية.

يعترف مارينو “نعم، نحن في مرحلة سيئة من الدورة الاقتصادية، لكن الانتعاش سيأتي يوماً ما، ولو كان فقط لأطفالنا”.

يجلس الأشخاص الثلاثة أصحاب المليارات حول الطاولة يضحكون على هذه الفكرة المُريحة؛ إنها أول ضحكة حقيقية في الاجتماع.