رجّح رئيس برنامج السياسات العربية في “معهد واشنطن” ديفيد شنكر ان يتطور الوضع السوري في اتجاه حرب “بالواسطة”، متوقعا ان يؤثر ذلك سلباً على التوازن الدولي ولا سيما بين السعوديين والايرانيين بهدف إبقاء لبنان بعيداً من النزاع.
ورأى في حديث لصحيفة “النهار” على هامش مشاركته في مؤتمر “التداعيات الاستراتيجية للاتفاق النووي الايراني” الذي استضافه حزب “القوات اللبنانية” في معراب ان الاميركيين فوجئوا بالمبادرة الروسية على الارض السورية ، علما ان الادارة الاميركية لم تقم بأي عملية في سوريا منذ 2011. فهي تعتبر انها ارغمت على تسليح المعارضة، ولكنها لم تقتنع يوما بهذا البرنامج، ولديها اصول قليلة جدا على الارض. في المقابل، يبدو الروس كحلفاء ذي صدقية بالنسبة الى اصدقائهم، سواء كان الاسد أو غيره. ما يقومون به اليوم هو الدفاع البحت عن نظام الاسد واعتقد انهم بدّلوا الزخم على الأرض. ولكن أعتقد أيضاً ان (ما يقومون به) يبدو في مكان ما متهوراً جداً. نرى ان الروس لا يرفضون الانخراط فحسب مع الاميركيين في مناقشات جدية حول الحد من النزاع، بل اننا لاحظنا هذا الاسبوع ان الطائرات الاميركية والروسية كانت على مسافة كيلومترين، كما ان الاميركيين يبدلون برامج طلعاتهم عندما يرون الروس، في ظل انقطاع التواصل. لقد قصفوا صواريخ من (بحر) قزوين، علما ان هذه الصواريخ مرت عبر اراضي شرق سوريا حيث ينفذ الاميركيون طلعاتهم. ماذا كان سيحصل لو ضرب احد الصواريخ طائرة اميركية؟ كما ان الروس يخرقون الاجواء التركية”.
واضاف: عقد اجتماع واحد بين الجانبين الروسي و الاميركي، وبحسب شبكة “سي ان ان”، فقد نشر الروس فيديو اللقاء السري عبر “يوتيوب”. وهذا يظهر ازدراء في التحدّث الى الإميركيين. لماذا عليهم التحدث الى الاميركيين، ولا سيما ان الولايات المتحدة ليست لاعبا في سوريا اليوم؟ قد يتبدل الوضع، وقد تعقّد الولايات المتحدة الامور بالنسبة الى الروس. قد يوفر الاميركيون مزيدا من (صواريخ) “التاو” واسلحة للدبابات، اضافة الى اسلحة يمكن استخدامها ضد نظام الاسد. ولكن اذا تواجد الروس هناك، فإن هذه الاسلحة يمكن ان تستخدم ضدهم ايضا. لا ادعو باي طريقة الى قيام “افغانستان جديدة” ولكن قد يتطور الوضع في اتجاه حرب بالواسطة.
وتابع: لا اعتقد ان الادارة الاميركية اتخذت قرارات جدية حتى الآن للانخراط بطريقة تهدف الى مواجهة الدور الروسي. من الواضح جداً، ان الروس يدعمون نظام الاسد، فيما يبدو مستوى انخراط الادارة الأميركية الحالية مع المعارضة السورية غير واضح. هناك خيارات كثيرة قد تنجم (عن هذا الواقع). في ما يتعلق بمنطقة الحظر الجوي أو المناطق الآمنة، أشير الى أن الروس يحلّقون اليوم في الشمال، ولا سيما في إدلب وحمص، الأمر الذي يجعل اقامة منطقة حظر جوي أكثر صعوبة، لا بل مستحيلاً. علينا ان نعترف بوجود 4 ملايين لاجئ خارج سوريا حتى الآن، في ظل جيش لنظام الأسد غير فاعل، وفي ظل قوة جوية روسية، كما اننا قرأنا عن وجود 15000 عنصر اضافي من قوات “القدس” في سوريا. إذا بات العسكر أكثر فاعلية في محاربة المعارضة المعتدلة أو الاسلامية كـ”جبهة النصرة” و”جيش الفتح”، فإننا سنشهد تالياً تزايداً في عدد اللاجئين. واذا توجه السوريون والايرانيون والروس جنوبا، فيمكن ان نشهد مئات آلاف اضافية من اللاجئين يتوجهون نحو الاردن. بدأ الاردنيون يطبقون نوعاً من المنطقة الآمنة كأمر واقع، في الجنوب.
واعتبر شنكر ان الادارة الاميركية بدت مترددة كثيرا حيال نظام الاسد. فهم يعتبرون ان تنظيم “داعش” يمثل خطرا استراتيجيا. ما لا يفهمونه هو ان “داعش” وشعبيته هي في شكل كبير، نتيجة نظام الاسد ونظام المالكي، وظاهرة الطائفية الشيعية الشريرة التي نشهدها. بدّلت الادارة موقفها من مقولة ان على الاسد ان يرحل، الى ان الاسد يمكن ان يبقى لمدة اضافية، قدرها عام ونصف عام. لكن كلما بقي الاسد في السلطة يمكن ان تزداد المعارضة. سيبدو الامر اكثر فوضوية (…) نقصف الآن “داعش” في الشرق، ويقصف الروس المعارضة المعتدلة و”جبهة النصرة” في مناطق أقرب الى نظام الاسد. والنتيجة هو ان كل المعارضة باتت مستهدفة من الروس بالتعاون مع الغرب. وهذا يمكن ان يؤدي الى الحفاظ على نظام الاسد.
الايرانيون كما الروس، ينظرون الى مصالحهم في شكل واضح وأساسها الحفاظ على نظام الأسد وموطئ قدمهم في المشرق وسيحاربون من أجل ذلك. خسارتهم لنظام الأسد تعني ان الروس سيخسرون مرفأهم في طرطوس، كما ان “حزب الله” سيفقد علاقته بايران. انها خسارة استراتيجية.
واوضح: نشر الايرانيون 15 ألف عنصر اضافي هذا الأسبوع في سوريا، كما أنهم اختبروا الصاروخ الجديد “عماد”. الاتفاق مع ايران محصور بالمسألة النووية، علماً ان كل ما يقوم عليه الاتفاق هو ان الايرانيين لن يبنوا سلاحاً نووياً لعشرة أعوام، ويمكن ان يواصلوا التطوير والتخصيب وأموراً أخرى ضمن اطار الاتفاق، اضافة الى حصولهم على 50 الى 200 مليار دولار كجائزة وفتح اقتصادهم ورفع العقوبات. اذا رأينا هذا (الواقع) اليوم وأعني صاروخاً جديداً و15 ألف عنصر اضافي يسيطرون على 4 عواصم هي صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت، وهذا قبل حصولهم على 50 مليار دولار، فماذا سيفعلون عندما يتلقون مبالغ اضافية؟ اذا رفعت العقوبات في شكل كامل، يمكن ان نتوقع – لا بل هذا أمر مضمون – ان تصرف عدم الاستقرار سيزداد.
وعن التداعيات على الساحة اللبنانية، قال: اذا اتجهت سوريا نحو الاسوأ، فإن ذلك قد يؤثّر سلباً على التوازن الدولي ولا سيما بين السعوديين والايرانيين، والذي يهدف الى إبقاء لبنان خارج النزاع السوري. الامور لم تكن تسير أساساً في شكل جيد جداً، لكن لاحظنا فترة هدوء منذ 2014 عندما شهدنا تفجيرات مذهبية. لكن هذا السلام او الهدوء قد ينتهيان. لا يجب استباق الأمور والقول ان الوضع قد يبقى كذلك، ولا سيما اذا شهدنا تردياً اضافياً في سوريا أو اذا تولى الايرانيون تصعيد الأمور.
ثمة أزمة أساساً هنا. لا انتخابات في المدى المنظور، كما اننا نلاحظ ان التشنج يزداد، فيما يضع “حزب الله” اصولا اضافية في سوريا. لا أعتقد ما إذا كان السنة في لبنان سيبلغون نقطة يقولون فيها “خلص”! لقد توافقوا حتى الآن مع “حزب الله” على أن التكفيريين يمثلون المشكلة الحقيقية. لكن ثمة سؤالاً مفاده الى متى سيتحملون الانتظار والنظر الى “حزب الله” يشارك في قتل 300 ألف سنّي مسلم في سوريا؟ أعتقد ان صبر السنّة كان استثنائياً الا انه قد لا يدوم الى ما لا نهاية.