ابراهيم محمد
ادعاءات تفيد بأن جماعات إرهابية كتنظيم داعش تمول نفسها بنفسها من بيع محدود للنفط والآثار، لكن عبء السيطرة على مساحات واسعة وخوض حروب فيها أكبر من أن يموّله بيع كهذا، فيما يلي نظرة تحليلية في اقتصاد الإرهاب وتشابكاته.
في واقعة ملفتة طلب مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون مؤخرا من شركة تويوتا اليابانية توضيحات حول حصول تنظيم داعش الإرهابي على الآلاف من سياراتها الجيب والبيك آب الحديثة ذات الدفع الرباعي. ويلفت الأنظار استخدام التنظيم للسيارات التي تنتجها الشركة من طرازي “لاندكروزر” و “هيلوكس” في استعراضاته وأنشطته العسكرية على الأراضي السورية والعراقية والليبية. وتظهر المئات من هذه السيارات عبر فيديوهات دعائية بأرتال موحدة اللون ومجهزة بالألواح المصفّحة وأنواع مختلفة من الأسلحة. السفير الأمريكي الأسبق لدى الأمم المتحدة، مارك ولاس علق على ذلك بالقول: “للأسف أصبحت سيارات تويوتا جزءا من ماركة داعش”. ويدل استمرار حصول تنظيم داعش على هذه السيارات بكميات كبيرة على فشل الجهود المبذولة لتجفيف مصادر تمويل التنظيم الذي يقدر عدد مقاتليه بما لايقل عن 40 ألف حسب مصادر أمريكية. وتذهب مصادر أخرى إلى القول إن العدد يصل إلى أضعاف الرقم المذكور. ويستخدم التنظيم بالدرجة الأولى سيارات تويوتا في المناطق التي استولى عليها. السؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يحصل التنظيم على تمويله لشراء السيارات وغير ذلك، وأي اقتصاد يرتكز عليه هذا التمويل؟
الإرهاب والتمويل الذاتي
تذهب تحاليل وأراء عديدة تناولت مصادر التمويل مؤخرا إلى القول إن تنظيم داعش أصبح يمول نفسه بنفسه بعد سيطرته على نصف مساحة سوريا وأكثر من ثلث مساحة العراق حيث هناك آبار نفطية يستغلها التنظيم إلى جانب فرض الزكاة والضرائب وتجارة الآثار. غير أن الأعباء المالية المترتبة على التنظيم من شراء وسائط نقل واتصالات وأسلحة ودفع أجور عشرات آلاف المسلحين وتوفير الدعم اللوجستي وإقامة معسكرات التدريب وخدمات مختلفة أخرى أكبر بكثير من أن تغطيها هذه المصادر على مدى السنوات الماضية من عمر الأزمتين السورية والعراقية. فإيرادات تنظيم داعش على سبيل المثال من مبيعات النفط تقدر يوميا بين 1.5 مليون دولار حسب صحيفة فايننشل تايمز البريطانية. ولا تبدو الإيرادات الأخرى أكبر من ذلك بكثير بسبب شلل الحياة الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها وتراجع تجارة الآثار مؤخرا. كما أن التنظيم يسيطر على مساحة حوالي 250 ألف كيلو متر مربع، أي أكبر من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلو متر مربع، وهي مساحة يتطلب التواجد العسكري وخوض المعارك فيها عشرات الملايين من الدولارت يوميا. وإذا كان الجيش العراقي على سبيل المثال بحاجة إلى عشرة ملايين دولار يوميا لمواجهة تنظيم داعش في غرب العراق، فإن الأخير يحتاج يوميا إلى أضعاف هذا المبلغ في عشرات الهجمات والمعارك التي يخوضها يوميا ضد الجيشين السوري والعراقي وضد قوات كردية وأخرى تابعة للمعارضة السورية. السؤال إذن، من أين يحصل تنظيم داعش وأخواته على الأموال الإضافية اللازمة لحروبهم، لاسيما وأن تنظيمات إرهابية أخرى مثل “جبهة النصرة” في سوريا و “بوكو حرام” في نيجيريا لا تنشط في مناطق نفطية أو أثرية؟
تبرعات في خدمة الإرهاب
في كلمة له بجامعة هارفارد في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 اتهم جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي قطر والسعودية وتركيا بتمويل تنظيمات تابعة للقاعدة وتنظيم داعش بهدف إسقاط النظام في سوريا. وجاء في وثائق نشرتها ويكيليكس أن السعودية تشكل “المصدر الرئيسي لتمويل القاعدة وطالبان وجماعات إرهابية أخرى”.
وفي مقابلة مع DW قال غونتر ماير، مدير معهد البحوث للعالم العربي في جامعة ماينز الألمانية بأنه “لا يوجد شك في أن مصدر التمويل الأساسي لتنظيم داعش جاء من دول الخليج وفي مقدمتها السعودية فقطر ثم الكويت فالإمارات”. وتفيد الكثير من الوقائع والتحقيقات بأن رجال أعمال وشخصيات دينية وأغنياء يميلون إلى التطرف وجمعيات تتستر بالعمل الخيري تجمع شهريا في دول الخليج عشرات الملايين من الدولارات عن طريق تبرعات حملت شعارت تدعو إلى دعم “الجهاد في سبيل الله” ضد “الكفار” في أرض “الله الواسعة”. وذكرت صحيفة “ديلي تلغراف” خلال الشهر المذكور أيضا نقلا عن أحد مراكز الأبحاث الأمريكية عن “وجود ما لايقل عن 20 شخصية قطرية تمول الجماعات الإرهابية بشكل بارز”. وبدرها ذكرت جريدة واشنطن بوست عن أعضاء في الكونغرس الأمريكي قولهم إن قطر على علاقة وطيدة بجبهة النصرة الإرهابية.
وقد دفع انتشار حملات التبرعات كالنار في الهشيم بدول خليجية وفي مقدمتها السعودية إلى منع ما اسمته “التبرعات العشوائية” أو “التبرعات دون موافقات رسمية من أجل سوريا والعراق واليمن”. وشددت هذه الدول إجراءاتها الأخرى ضد جمع التبرعات مجددا بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل ونهبه أكثر من 400 مليون دولار من فرع البنك المركزي العراقي هناك. ويتم نقل الأموال التي يتم جمعها إلى الجماعات الإرهابية عبر العالم بطرق لا تثير الشبهات. ولعل أبرزها قيام رجال أعمال على ارتباط بالجهات المتبرعة بتأسيس شركات بحساب بنكي وعنوان بريدي. ويمكن إقامة هذه الشركات بشكل شرعي أو عبر صفقات فساد في الكثير من الدول وفي “الجنات الضريبية” بمختلف القارات بعيدا عن الشكوك وأعين المراقبة. ثم يأتي دور الجمعيات التي تدعي العمل الخيري، لكنها تنفق قسما هاما من أموالها على دعم متطرفين ينتمون للجمعيات الإرهابية أو يدعمونها.
اقتصاد الإرهاب جزء من الاقتصاد العالمي
تمكن اقتصاد الإرهاب الذي يعتمد أيضا على مصادر تمويل أخرى كزراعة المخدرات والتهريب وتجارة البشر من التغلغل عبر شبكات عديدة في الاقتصاد العالمي بشكل يجعل عملية الكشف عنه في غاية الصعوبة. في كتابها “اقتصاد الإرهاب” تذكر عالمة الاقتصاد الإيطالية لوريتا نابوليوني أن الاقتصاد المذكور أضحى جزءا من الاقتصاد العالمي عبر صفقات مالية وتجارية ذكية ومربحة يتم ترتيبها مع تجار ورجال أعمال يشكلون واجهة لغسيل أموال الجماعات الإرهابية التي يتم ضخها وكأنها أموال شرعية في النظام المالي العالمي. وتقدّر نابوليوني حجم اقتصاد الإرهاب بنحو 10 بالمائة من حجم التجارة العالمية المقدرة بحوالي 18 بليون دولار أمريكي عام 2013. ولا يستفيد من هذا الاقتصاد الإرهابيين وحسب، بل أيضا تجار الحروب ورجال أعمال وشركات تقدم خدمات مختلفة، إضافة إلى فاسدين في الإدارات الحكومية والخاصة عبر العالم. ومن شأن هذا التشابك في المصالح أن يجعل مكافحة صفقات الإرهابيين التجارية صعبة، وفي حالات كثيرة شبه مستحيلة. مقابل ذلك لا يمكن القضاء على الإرهاب دون تجفيف مصادر تمويله. وهو الأمر الذي يُعتبر التحدي الأبرز للقوى التي تكافحه.