بعد حقبة الانتظار التي أمْلت تسيير الشؤون السياسية بالحد الأدنى من المرونة ريثما ينقشع غبار المواجهة الإقليمية الشرسة في المنطقة، يلاقي لبنان مرحلة عوْلمة الأزمة السورية وارتقاء الصراع في المنطقة الى مستوى الدول الكبرى، برفْع منسوب التأزُّم الداخلي الى حدود جديدة تعزّز المخاوف من ان تكون البلاد امام محاولات من فريق “8 آذار” لتنفيذ عملية إعادة انتشار سياسي تحاكي قواعد الاشتباك الجديد التي أملاها الدخول الروسي على الحرب السورية، مقابل سعي قوى “14 آذار” الى رسْم خطوط دفاع تمْنع خصومها من الفوز بنقاط تحكّم بالوضع اللبناني، انطلاقاً مما يعتبره هؤلاء أرجحية، يمنحهم اياها انخراط موسكو العسكري في سورية.
ومن هنا، ترى أوساط سياسية مطلعة في بيروت لصحيفة “الراي” الكويتية ان “مجمل ما رافق وأعقب انهيار التسوية التي كان يجري العمل عليها لإبقاء صهر العماد ميشال عون العميد شامل روكز في الجيش بعد إحالته على التقاعد (حصلت الخميس)، يؤشر الى ان البلاد دخلتْ مرحلة من التنويم على وقع تعطيل المؤسسات، من الرئاسة الاولى الشاغرة منذ 25 ايار 2014 الى البرلمان الذي يرجّح ان تتمدد استراحته عن التشريع رغم بدء دورته العادية الثلاثاء المقبل. اما الحكومة التي دفعت ثمن سقوط تسوية روكز، فدخلت في موت سريري، قد تخرج منه لمرة واحدة، لإقرار آخر التعديلات على خطة النفايات، لتعود الى تصريف الأعمال المقنّع الذي يمليه عدم قدرتها على الاجتماع، في ظلّ مقاطعة عون وحليفه (حزب الله)، وسط صعوبات في تصوُّر إمكان أن يبادر رئيس البرلمان نبيه بري الى تغطية اي جلسات بغياب الحزب و(التيار الوطني الحر)”.
واذا كان إمكان ان يبادر رئيس الحكومة تمام سلام الى سحب ورقة التعطيل من يد “8 آذار” عبر الاستقالة دونه تعقيدات دستورية تتصل بغياب رئيس الجمهورية، الذي تُقدّم اليه مثل هذه الاستقالة لقبولها، ثم المخاوف من ان تؤدي مثل هذه الخطوة الى تكريس حال الفراغ الكامل، فإن الأوساط السياسية ترى ان “الجرعة الجديدة من التعطيل، التي أطلق عون إشارتها، من خلال ربْط اي مشاركة بجلسات الحكومة بتعيين قائد جديد للجيش يختاره هو، الأمر الذي لاقاه فيه (حزب الله)، تعني نقل الواقع اللبناني الى مرحلة أشدّ تعقيداً، ولكن تحت سقف عدم انهيار الستاتيكو بالكامل، بدليل ان السيد حسن نصر الله في كلمته قبل ثلاثة ايام اكد على اهمية الاستقرار والحوار”.
وبحسب هذه الأوساط، فإن “(حزب الله) الذي وضع كل بيْضه في سلّة الحرب السورية، التي رفع من مستوى انخراطه العسكري فيها بملاقاة الدخول الروسي والايراني المباشر، لا يرى مصلحة في فرْط الوضع اللبناني في هذا التوقيت البالغ الأهمية في المنطقة، لأن كل تركيزه منصبّ على المعركة الإستراتيجية في سورية، ولكنه في الوقت نفسه لا يمانع رفْع وتيرة التأزّم الداخلي، حرصاً على مجاراة غضبة حليفه عون، الذي خرج مهزوماً من المواجهة التي خاضها لترقية صهره”.
وتعتبر الأوساط نفسها، ان “(حزب الله) الذي يُمسك بمفاصل الشدّ والترخية في الواقع اللبناني، لا يرى ضيراً في جعْل (14آذار) يتحمّل مسؤوليةً باستقالة الحكومة – اذا اختار رئيسها ذلك – امام المجتمع الدولي، كما انه بتعطيل الحكومة سيجعل الحوار الذي يرعاه الرئيس بري بمثابة العوّامة الوحيدة التي تقي الواقع اللبناني الغرق في الفوضى الشاملة، ولا سيّما وسط المعلومات عن ان الملف الرئاسي ما زال رهينة التحولات في المنطقة، ولن يكون بحث فيه قبل بدء حوار سعودي – ايراني، لن يكون ممكناً من جانب الرياض إلا بعد ان تحسم الأخيرة معركة صنعاء، ناهيك عن ارتباط الرئاسة اللبنانية في جانب أساسي آخر منها بآفاق الحرب السورية”.