ديفيد كرو
في أحد أيام الجمعة من شهر أيار (مايو) من العام الماضي حصل راندال ستيفينسون، الرئيس التنفيذي لشركة إيه تي آند تي، على إجازة في عطلة نهاية الأسبوع في بيبل بيتش، وهو منتجع في كاليفورنيا يشتهر بوجود لاعبي الجولف الأثرياء.
بعد استكمال إجراءات الحجز في الفندق، أجرى اتصالا هاتفيا مع المستشار القانوني للشركة لمناقشة قضية شركة دايركت تي في. فكرة شراء مجموعة التلفزيون الفضائية ظلت تراود ستيفينسون منذ عدة سنوات، على الرغم من أن الحكمة التقليدية تشير إلى أن التوصل إلى اتفاق قد لا يلقى موافقة المنظمين في الوقت الذي يكون فيه باراك أوباما في البيت الأبيض.
في نهاية المكالمة، اختتم ستيفينسون حديثه بالقول “إن هناك طريقه لإتمام عملية الاستحواذ”. في صباح يوم أحد، اتصل بنظيره في شركة دايركت تي في، مايك وايت، وسأله ما إذا كان بإمكانهما الاجتماع في لوس أنجلوس في وقت لاحق مساء ذلك اليوم.
بعد أن أمضى عطلة نهاية الأسبوع متحصنا في غرفته في الفندق وهو يناقش الصفقة، لعب ستيفينسون جولة جولف قصيرة قبل أن يستقل طائرته النفاثة إلى لوس أنجلوس. مع نهاية اجتماعه مع وايت – بعد مضي 12 ساعة فقط على مكالمتهما الهاتفية الأولى – وافق الطرفان على الإطار العام للصفقة البالغة قيمتها 49 مليار دولار.
عندما وافق المنظمون، بعد مراجعة مطوَلة، على الصفقة هذا الصيف، انتقلت شركة إيه تي آند تي من ثاني أكبر شركة اتصالات في الولايات المتحدة إلى أكبر مجموعة تلفزيون مدفوع في العالم.
تم إبرام الصفقة وسط موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع صناعة الإعلام، في الوقت الذي كان فيه كثير من أكبر الشركات يسعى إلى إبرام صفقات استعدادا للتحول الكبير في الطريقة التي يشاهد بها المستهلكون التلفزيون. فقد حاولت شركة فوكس للقرن الحادي والعشرين، التابعة لروبرت ميردوك، شراء تايم وورنر مقابل 75 مليار دولار، لكنها سحبت عرضها غير المرغوب فيه عندما لم تجد استجابة، بينما قوبل استحواذ كومكاست على تايم وورنر كابل مقابل 45 مليار دولار باستياء المنظمين. وعندما استقر الوضع، كانت الصفقة الوحيدة التي لم تكتمل بعد هي استيلاء شركة إيه تي آند تي على “دايركت تي في”، بعد أن قال المنظمون إن دمج مجموعة اتصالات مع شركة تلفزيون مدفوع لن يضر بمصالح المستهلكين.
مع ذلك، في الوقت الذي تستعد فيه الشركة إلى إصدار بيان الأرباح للمرة الأولى عقب إبرام الصفقة، يتساءل بعض المحللين والمستثمرين عما إذا كانت “إيه تي آند تي” قد وسعت حجمها من خلال شركة التلفزيون المدفوع في اللحظة الخاطئة بالضبط – تماما في الوقت الذي بدأ فيه عملاء “قطع الاتصال” التخلي عن اشتراكاتهم لمصلحة البدائل الرقمية المتاحة، مثل نيتفليكس وهولو.
يقول تيم نولين، المحلل لدى بنك ماكواري “انقطاع الزبائن عن الاتصالات اللاسلكية في الولايات المتحدة وعن النظام الإيكولوجي لشركات التلفزيون المدفوع هو الآن في المراحل الأولى من تحول عميق”.
كانت “إيه تي آند تي” تمتلك فعليا أعمالا تجارية كبيرة في مجال التلفزيون المدفوع، مع وجود نحو ستة ملايين زبون، لكن بالاندماج مع “دايركت تي في” تمتلك الآن ما يقارب 45 مليون مشترك في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية – أكثر من ضعف الرقم الخاص بشركة كومكاست، منافستها الأقرب.
من المعتاد أن يكون مصدر غالبية إيرادات “إيه تي آند تي” هو مبيعات برامج الهاتف اللاسلكي، لكن مع الأنموذج الجديد ستمثل هذه الجزئية “الجوالة” فقط ربع المبيعات. بدلا من ذلك سيكون أكبر مصدر للإيرادات، تقريبا ثلاثة أرباع، من الشعبتين الجديدتين: الأولى تبيع التلفزيون وشبكات التغطية الواسعة للمستهلكين، والأخرى تقدم خدمات الاتصالات للشركات.
يقول الرؤساء التنفيذيون “إن الصفقة ستؤدي إلى وفورات كبيرة في التكاليف وستضع شركة إيه تي آند تي في مكانة تنافسية مميزة أمام منافسيها، لأنها الآن الشركة الوحيدة في الولايات المتحدة التي يمكنها تقديم “خدمات التشغيل الرباعي”- أي التلفزيون، والإنترنت السريع، وهاتف الخط الثابت، والخدمات اللاسلكية”. لكن كثيرا من المحللين يعتقدون أن الصفقة التي أبرمت مقابل 49 مليار دولار كان أساسها ضرورة مالية وليس رغبة راسخة في مزيد من التقدم في مجال التلفزيون. عدم القيام بأي شيء لم يكن خيارا واردا، لأن “إيه تي آند تي” كانت تواجه أزمة مؤلمة من حيث السيولة، كما يقولون.
المنفق الكبير
تعتبر شركة إيه تي آند تي منفقا كبيرا. فقد استثمرت مزيدا في البنية التحتية خلال النصف الأول من هذا العام، أكثر من أي شركة أخرى في الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استثمرت تقريبا 140 مليار دولار في شبكتها، وتخطط لإنفاق 21 مليار دولار أخرى هذا العام والمزيد في عام 2016.
وقال ستيفينسون أخيرا للمحللين “أعتقد أساسا أنه إذا لم تحتل المرتبة الأولى، أو الثانية في هذه الصناعة فستكون متخلفا عن الركب”.
وتدفع الشركة عائدا ربع سنوي مقداره 47 سنتا – واحد من أعلى النسب في مؤشر داو جونز الصناعي – وقد أعادت أكثر من 85 مليار دولار للمستثمرين على شكل أرباح وعمليات إعادة شراء أسهم خلال السنوات الخمس الماضية.
لكن مع انجرار أعمالها التجارية اللاسلكية إلى حرب أسعار وحشية بسبب منافسيها الأصغر، “تي موبايل يو إس” و”سبرينت”، بدأ المساهمون يشعرون بالخوف من أن شركة إيه تي آند تي قد تعاني من أجل توليد ما يكفي من السيولة لتغطية استثماراتها وعوائد حملة الأسهم لديها. وفي وقت سابق من هذا العام حذرت وكالة موديز التقييم الائتماني من أن توزيعات الأرباح غير قابلة للاستدامة.
وعمل الاستحواذ على شركة دايركت تي في، الذي نتج عنه تدفقات نقدية حرة بلغت 3.1 مليار دولار العام الماضي على حل المشكلة، على الأقل حتى الآن. وبحسب فيفيك ستالام، المحلل لدى نيو ستريت للأبحاث، ستنخفض نسبة التدفق النقدي الحر التي تذهب إلى توزيعات الأرباح من 100 في المائة تقريبا قبل إبرام الصفقة، إلى نحو 75 في المائة بعدها.
مع ذلك، يقول المحللون المتشائمون “إن كل ما فعلته “إيه تي آند تي” هو أنها كسبت بعض الوقت، وربما ليس كثيرا”. في الربع الأخير الذي كانت فيه شركة مستقلة، خسرت “دايركت تي في” 133 ألفا من عملائها، ما جعلها واحدة من الشركات ذات الأداء الأسوأ في مجال صناعة التلفزيون المدفوع. وكانت تلك الخسائر جزءا صغيرا من عدد مشتركي الشركة البالغ 20 مليونا تقريبا، لكن المساهمين فسروها على أنها نقطة تحول بعد سنوات من النمو غير المتواصل لهذه الصناعة.
يقول كريج موفيت، المحلل لدى موفيت-ناثانسون، المعروف بنظرته المتشائمة حيال شركة إيه تي آند تي، إن الشركة ستكون الآن “محصورة في خوض حرب الأمس بشكل دائم”.
أما الآخرون فهم أكثر تسامحا، إذ يرى والتر بيسيك، من شركة بي تي آي جي، أن شركة إيه تي آند تي كانت واقعية بشكل مستمر حيال التهديد الناجم عن قطع الاتصال منذ الاستحواذ على دايركت تي في. ويقول “كثير من الشركات، لو كانت هي الأكبر، لسمعتها تقول إنها ستدوم إلى الأبد – لكن للحفاظ على صدقيتهم، اعترفوا بالخطر الذي يهددهم”.
التنفيذي المكلف بقيادة وحدة التلفزيون الجديدة في شركة إيه تي آند تي هو جون ستانكي، الرجل المخضرم في الشركة. وهو يعترف بأن “دايركت تي في” شركة ذات آفاق نمو ضئيلة، لكنه يقول إن “تلك المنتجات الناضجة، لا تسقط من عليائها فجأة – يغلب عليها أن تكون حول محاولة إدارة الانخفاض”.
على المدى القصير، يقول ستانكي إنه سيركز على “أهم الأمور”، مستخدما مكانة “إيه تي آند تي” الجديدة بوصفها أكبر مشتر للمحتوى التلفزيوني في الولايات المتحدة، لتخفيض قيمة فاتورتها الإجمالية من شركات البث، أمثال “سي بي إس” و”فوكس”. وهذا هو أكبر عامل في وفورات التكاليف البالغة 2.5 مليار دولار، التي تأمل في استخلاصها من الأعمال التجارية بحلول عام 2018.
ويضيف ستانكي “على المدى الأطول، لم نقم بشراء “دايركت تي في” لأننا نحب تكنولوجيا توزيع الأقمار الصناعية”. بدلا من ذلك، ترغب “إيه تي آند تي” في استخدام حجمها لصناعة منتجات “يرغب المستهلكون في استخدامها على مدى ثلاث أو خمس سنوات من الآن، مثل منصات الفيديو عند الطلب، مع أحدث العروض التي يمكن الوصول إليها أساسا من خلال الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية”.
ويشير ستانكي إلى أن شركات البث قد تضطر إلى قبول الصفقة الجديدة، حيث يكون مكسبهم أقل من حزم التلفزيون المدفوع التقليدية المستخدمة في غرفة المعيشة، لكن يتم تعويض خسائرهم عن طريق الإيرادات الرقمية وإيرادات الهواتف المحمولة. وتدفع معظم الأسر الأمريكية أكثر من ألف دولار سنويا مقابل حزمة مكونة من 500 قناة، الغالبية العظمى منها جديدة عليهم ولم يشاهدوها من قبل، وهذا عامل ساعد على دفع عملية الشراء الحادة لـ “نيتفليكس” وغيرها من خدمات الفيديو عند الطلب.
الجهود المبذولة سابقا لإرغام شركات البث على “تفكيك الحزمة” والسماح للمستهلكين بدفع مبلغ أقل مقابل عدد أقل من القنوات لم تكلل بالنجاح إلى حد كبير، والناس الذين عملوا في الصفقات المتعلقة بالمحتوى يسألون بشكل خاص عما إذا كان بإمكان ستانكي النجاح حيث فشل الآخرون.
ويشير هؤلاء إلى أن شركات البث تثير الصعوبات عندما يحين موعد تجديد العقود – أحيانا فصل قنواتهم عن البث المباشر لتحظى باهتمام مشغلي القنوات السلكية – ويكسبون نفوذا خلال المفاوضات.
يقول بيسيك “السؤال الحاسم هو ما إذا كان بإمكان “إيه تي آند تي” استخدام سلطتها بوصفها أكبر مستهلك للمحتوى في الولايات المتحدة لفك الحزمة والتفاوض بشأن حقوق الهواتف المحمولة الجديدة – وهذا سيكون أهم شيء تحققه في المرحلة المقبلة”.
أنموذج العام
بالنسبة إلى المراقبين على المدى الطويل، يعتبر الاستحواذ على “دايركت تي في” نقطة انطلاق أخرى في عملية إعادة الصياغة المستمرة لشركة إيه تي آند تي. خلال فترة خدمته التي امتدت لعقدين من الزمن، أنهى إد ويتاكر، الرئيس التنفيذي السابق، سلسلة من عمليات الاستحواذ الكبيرة غيرت وجه المجموعة. وبحلول الوقت الذي سلم فيه زمام السلطة لستيفينسون في عام 2007، كان قد عمل على نقلها من شركة إقليمية صغيرة تشكلت من انهيار احتكار شركات الاتصالات السابقة في الولايات المتحدة عام 1984، وتحويلها إلى مشغل وطني. وكانت النصيحة التي أسداها إلى الشخص الذي حل مكانه هي “الاستمرار ومواصلة التقدم”.
مقارنة بسلفه، كان ستيفينسون حذرا من الصفقات الكبيرة، ربما لسبب يمكن تفهمه وهو فشل محاولته الأولى: عملية الاستيلاء البالغة قيمتها 39 مليار دولار على “تي موبايل يو إس” في عام 2011، التي تمت عرقلتها من قبل المنظمين. ولأن التوسع المحلي لم يكن واردا، تطلع لشراء “فودافون”، شركة الهواتف المحمولة التي يوجد مقرها في المملكة المتحدة، لكنه قرر أن البيئة التنظيمية في أوروبا كانت خطيرة جدا.
بعد وقت قصير من الاتفاق على صفقة “دايركت تي في”، تابعت شركة إيه تي آند تي صفقة أخرى تمثلت في عملية استحواذ أصغر حجما يمكن أن تقدم تلميحا عن وجهة الأعمال التجارية. وفي وقت سابق من هذا العام اشترت اثنتين من مجموعات الاتصالات المكسيكية، “إيوساسيل” و”نيكستيل”، مقابل 4.5 مليار دولار تقريبا وقالت “إنها قد تنفق مبلغا إضافيا مقداره ثلاثة مليارات دولار بحلول نهاية عام 2018 لتحسين شبكاتها”. هذا التحرك أنهى علاقة الشركة التي استمرت 20 عاما مع الملياردير المكسيكي كارلوس سليم، جمعت خلالها حصة بلغت 5.6 مليار دولار في إمبراطورية الاتصالات خاصته، “أمريكا موفيل”.
كانت تلك الشراكة بالفعل تتعرض للضغط، لأن كلتا الشركتين تطلعت إلى خطط توسع عالمي متنافسة. وبحسب ستانكي “بدأتا بنطح رأس بعضهما بعضا”. وعمل الاستحواذ على “دايركت تي في” التي تحظى بوجود كبير في المكسيك، على إثارة تضارب محتمل في المصالح، وقدم فرصة لشركة إيه تي آند تي لبيع حصتها في شركة أمريكا موفيل.
في المكسيك وجدت “إيه تي آند تي” ما يصفه المسؤولون التنفيذيون بأنه لحظة “الأداء الإيجابي المناسب”. فقد أدخلت السلطات قواعد اضطرت سليم إلى تخفيض حصته في سوق الاتصالات اللاسلكية من 70 في المائة إلى 50 في المائة. وحقيقة إن شركة أمريكا موفيل عليها الاستغناء عن كثير من العملاء، جنبا إلى جنب مع الطبقة الوسطى المتنامية، ينبغي أن تجعل الأمر سهلا على شركة إيه تي آند تي لاكتساب الملايين من المشتركين الجدد.
وبأخذها كل هذه الأمور في الحسبان، تعمل “دايركت تي في” وصفقات المكسيك على سحب شركة إيه تي آند تي نحو أسواق مختلفة تماما، في الوقت الذي تتعرض فيه أعمالها التجارية اللاسلكية التي لا تزال تستأثر بمعظم القيمة في الشركة، للضغط في موطنها.
وبالنسبة إلى شركة تتعرض لأضرار ناجمة عن تغيرات كثيرة، يكون موظفوها العاملون في مقرها في دالاس فرحين دائما، مع اختيار عديد منهم إنفاق أموالهم أثناء عمليات إعادة التدريب للوظائف التي سيحصلون عليها فيما يسميه الجميع شركة إيه تي آند تي الجديدة.
في ردهة المبنى الرئيسي للشركة، برج ويتاكر، يقف “روح الاتصالات” – وهو تمثال ذهبي متألق بارتفاع 24 قدما يعرف وسط الموظفين بـ “الفتى الذهبي”. بكشف النقاب عنه لأول مرة في عام 1914، يعتبر بمثابة تذكير بتاريخ الشركة، لكنه يشير أيضا إلى التحديات الضخمة التي سيواجهها في المستقبل فيما لو بقي موجودا لعشر سنوات أخرى، ناهيك عن قرن آخر.