حفل الأسبوع المنصرم بتطورات بالغة الأهمية، إن لم نقل بتحولات جذرية ستترك آثاراً مباشرة على مجريات الحياة السياسية في الأيام والأسابيع المقبلة، وربما تطال حتى الاستقرار في لبنان. وهذا ما ظهر بوضوح في كلام الأمين العام لـ”حزب الله” الأحد 18 تشرين الأول، وخلاصته أن واقع الميدان في سوريا وفي المنطقة ككل سيحسم المعارك السياسية.
وعناصر المواجهة باتت مكتملة. فالتسوية التي جهد السفير الأميركي في لبنان دايفيد هيل و”حزب الله” على حدّ سواء، لتأمين التوافق حولها في موضوع الترقيات العسكرية وحلّ عقدة إبقاء العميد شامل روكز في الخدمة العسكرية، سقطت بشكل كامل. وبسقوطها أعلن العماد ميشال عون الحرب الشاملة على الحكومة معلناً أن “لا حكومة بعد اليوم قبل تعيين قائد جديد للجيش”، وتاركاً الأبواب مشرّعة على كل الاحتمالات. و”حزب الله” أيّد عون في توجّهه لشلّ الحكومة مع استثناء موضوع النفايات.
في المقابل أتى الردّ صاعقاً من حيث لم ينتظره فريق 8 آذار، وتحديداً من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في الذكرى الثالثة لاستشهاد اللواء وسام الحسن ومرافقه. فلوّح المشنوق باستقالة تيار المستقبل من الحكومة الحالية، وبالانسحاب من الحوار في حال استمر التعطيل قائماً، كما أنه توجّه الى عون برسالة واضحة مفادها أن لا تعيين لقائد الجيش قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا يعني عملياً أن تيار المستقبل مستعدّ أن يقلب الطاولة رأساً على عقب. فبعد ما كان التيار الأزرق متمسكاً بالحكومة السلامية الى أقصى حد، وبعدما اعتبر مستشار الرئيس سعد الحريري الدكتور غطاس خوري أن إسقاط الحكومة هو استهداف للحريري، وبعدما كان “التيار الوطني الحر” يمارس الابتزاز السياسي اليومي تحت عنوان التهديد بالإطاحة بهذه الحكومة للضغط للحصول على مطالبه، أظهر “المستقبل” عدم اهتمامه ببقاء الحكومة، والاستعداد للذهاب حتى للإطاحة بالحوار الثنائي مع “حزب الله”!
هكذا تغيّرت المعادلات، وتحديداً بعد التدخل الروسي في سوريا. فبحسب المعلومات أن السعودية أبلغت من يعنيهم الأمر أنها ليست مستعدة لأي اتصال مع الإيرانيين قبل إتمام السيطرة على العاصمة صنعاء وحسم المعركة في اليمن. والمعلومات عن اجتماع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي تشي بأنه كان اجتماعاً سيئاً جداً. وبالتالي فإن التصعيد سيكون عنوان المرحلة المقبلة التي لن يكون لبنان بمعزل عنها.
وفي هذا السياق فإن تيار “المستقبل” الذي دخل الى الحكومة “مرغماً”، وبشكل مفاجئ، وذهب الى الحوار الثنائي مع “حزب الله” في عين التينة من دون اقتناع، يبدو أنه تحرّر من القيود التي أسرت حركته منذ اغتيال الوزير السابق محمد شطح. وهذا ما تجلّى بوضوح في الخطاب المرتفع النبرة لنهاد المشنوق الجمعة الماضي. فهل يتأكد للجميع أن أسلوب وزير العدل أشرف ريفي وسقفه العالي هو الأنجع في مواجهة “حزب الله”؟
وختام المواجهات العنيفة كلامياً أتى من السيد نصرالله الذي هدّد “المستقبل” صراحة تحت شعار “من يرد الحوار والحكومة فأهلا به ومن لا يريد فالله معه”، رافضاً أن “يمنّنه” أحد سواء بالجلوس معه الى طاولة الحوار أو الحكومة.
هكذا يكون أعلن الجميع استعدادهم للتخلي عن الحكومة، ولو قال نصرالله إنه لا يجب إسقاطها لأن بديلها الانهيار. إلى أين تتجه المواجهة الجديدة بين تيار المستقبل من جهة و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” من جهة ثانية؟ وهل تعود المواجهة الى سياقها التقليدي منذ 10 سنوات بين قوى 14 آذار من جهة وقوى 8 آذار من جهة ثانية، وخصوصا بعد الدور الذي لعبه حزب الكتائب في إسقاط تسوية الترقيات؟ وماذا سيكون موقف “القوات اللبنانية” في هكذا مواجهة، وخصوصا في ظل ورقة “إعلان النوايا” التي تجمعها مع “التيار الوطني الحر”؟
الثابت الوحيد في كل ما يجري هو أن مرحلة التهدئة الداخلية قد تكون ولّت، ما قد يفتح الباب واسعاً أمام كل الاحتمالات…