Site icon IMLebanon

غيوم في أجواء تمويل قطاع الطاقة


جيليان تيت

قبل بضعة أسابيع سأل مدير أحد صناديق التحوط الكبيرة في نيويورك مصرفا كبيرا في وول ستريت عما يجري لقروض قطاع الطاقة. كان الجواب يبعث على اليقظة والتبصر.

قال المستثمر: “قالوا تم في الفترة الأخيرة تعديل العقود على 72 من أصل 74 قرضا إلى قطاع النفط والغاز”. باللغة العادية هذا يعني أن المصرف المذكور يدرك الآن أن معظم المقترضين في قطاع الطاقة يعانون مشاكل – وبالتالي فهو يعمل بهدوء على تخفيف شروط الاقتراض، من أجل أن يتجنب الإحراج الناتج عن الإعسار على القروض التي صرفها لتلك الشركات.

من المستحيل أن نعرف بالضبط مدى انتشار هذه الظاهرة، فالمصرفيون متكتمون إلى حد مرض على تعديلات القروض. لكن إذا حكمنا من نغمة بيانات الأرباح الربعية الأسبوع الماضي، يغلب على ظني أن النمط واسع الانتشار – ويشير إلى قضية يحتاج المستثمرون إلى مراقبتها عن كثب خلال الشتاء المقبل.

على مدى السنة الماضية تراجع سعر النفط أكثر من 40 في المائة، ليصل إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. عند هذا المستوى كثير من شركات الطاقة تكاد تصبح غير قادرة على الاستمرار – خصوصا شركات الاستكشاف والإنتاج الأمريكية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي ركبت طفرة النفط الصخري.

لكن الغريب أن هذا التراجع لم يُحدث هزة على نطاق واسع في العالم المالي الأرحب. صحيح أن سعر معظم سندات قطاع الطاقة تراجع، وأن كثيرا من السندات الخطرة يتم تداولها الآن دون قيمتها الاسمية. لكن كان هناك عدد قليل من حالات الإعسار الصريحة، والمصارف نفسها لم تكن تطالب بالقروض. بدلا من ذلك يبدو أن معظم المصارف كانت “تعمل على تعديل” هذه العقود – وتدعو من أجل انتعاش سعر النفط.

لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير سريعا. أحد الأسباب هو أن المصرفيين بدأوا بقبول أن أسعار النفط التي تقل عن 50 دولارا للبرميل ربما تكون هي الوضع الطبيعي الجديد.

مثلا، في وقت مبكر من هذا الشهر حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن النمط الحالي من الإفراط في العرض والطلب الضعيف سيستمر خلال 2016. والمصارف التي من قبيل جولدمان ساكس تطلب من عملائها الآن أن يستعدوا لعالم يمكن فيه حتى لأسعار النفط أن تلامس 20 دولارا للبرميل.

هناك عامل آخر، وهو موقف السلطات. حتى فترة قريبة للغاية، كان يبدو أن المنظمين في الولايات المتحدة وأوروبا راغبون في أن يجعلوا المصارف تتسامح مع العملاء. لكنهم الآن حريصون على أن يبينوا أنهم تعلموا الدروس الصحيحة من أزمة العقد الماضي – بأن يسبقوا المنحنى ويفرضوا على المصارف أن تكون متشددة.

من ذلك أن بنك إنجلترا حذَّر في الآونة الأخيرة من أنه يعتزم تمحيص مدى انكشاف المصارف أمام عالم السلع والطاقة. ومن جانبهم، المنظمون الأمريكيون استدعوا في الآونة الأخيرة المصارف الكبيرة إلى قمة خاصة متكتمة في هيوستن، حضوها على أن تصبح أكثر “واقعية” (المقصود أقل تسامحا) مع قروضها إلى قطاع الطاقة وأن يضعوا بعض المخصصات، كما دعوا إلى الواقعية بالنسبة للقروض التي ليست لديها آجال استحقاق محددة.

أثار هذا التكتيك مشاعر سخط لدى بعض المصرفيين الذين يقولون إنهم لا يرغبون في الهروب من العملاء. ووراء الستار كانت هناك مساجلات مريرة تجري بين المصرفيين والأجهزة التنظيمية. أحد الأسئلة الشائكة على وجه الخصوص هو كيف ينبغي للممولين تقييم ما يعرف باسم “قواعد الاحتياط” لدى العملاء – أي الاحتياطيات غير المستغَلة من الوقود الأحفوري التي بموجبها تصدر المصارف القروض.

في الأسبوع الماضي اعترفت معظم المصارف الأمريكية في تقارير الأرباح الأخيرة أنها تخصص أموالا لتغطية مزيد من الخسائر في قروضها إلى شركات الوقود الأحفوري – مع الإصرار في الوقت نفسه على أن بإمكانها التكيف مع الوضع.

مثلا، جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لمصرف جيه بي مورجان، كشف عن أن مصرفه يُجري الآن اختبارات إجهاد ليرى كيف سيكون الوضع في دفتر قروضه إذا هبط سعر النفط إلى ما دون 30 دولارا للبرميل. لكنه جادل بأنه حتى هذا السيناريو لن يتطلب سوى مبلغ آخر في حدود “500 مليون أو 750 مليون دولار من الاحتياطيات، وهو مبلغ لا يستدعي أن نقلق بشأنه”.

لعله على حق. بالتأكيد يبدو أن المصارف الكبيرة تتمتع بوقاية جيدة. لكن حتى لو استطاعت أكبر المصارف مثل جيه بي مورجان امتصاص الضربة، ستظل هناك بعض الجيوب من الألم الموضعي، لأن علينا ألا ننسى أن إجمالي ديون قطاع الطاقة العالمي يزيد الآن على 2.5 تريليون دولار، وفقا لمصرف التسويات الدولية.

الأمر الآخر الذي في غاية الوضوح هو أن من غير المرجح أن تقدم المصارف مزيدا من القروض إلى قطاع الطاقة خلال فترة قريبة.

لكن هذا لا يعني أن صنبور المال من وول ستريت سيُغلَق تماما: بدلا من ذلك، هناك مؤسسات إقراض من خارج المصارف تُعد العدة الآن بهدوء للقفز في هذا الفراغ، وتقديم المال إلى مجموعات الطاقة المتعطشة للنقدية.

لكن أي تمويل جديد من خارج المصارف سيكون مكلفا بالنسبة للمقترضين. ما يؤكد ذلك هو أن بعض شركات الأسهم الخاصة تتوقع أن يكون هذا هو أكبر مورد لأرباحها خلال فصل الشتاء الحالي. بإمكانك أن تطلق عليه، إن شئت، عبقرية الرأسمالية؛ أو أن تعتبر أنه علامة على غرائز الافتراس لدى وول ستريت.

بصرف النظر عن التعبير، يشهد جو التمويل في الوقت الحاضر تغيرا بالنسبة إلى عالم الطاقة، إلا إذا كانت هناك تقلبات كبيرة أخرى – غير متوقعة – في أسعار النفط.