كتبت منال شعيا في صحيفة “النهار”:
اليوم، يفتتح التشريع دستوريا في مجلس النواب مع بداية العقد العادي الثاني. فبعد التجديد لهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية، يصبح المجلس في حكم الانعقاد بغية اقرار اقتراحات القوانين والمشاريع التي تنتظر ضمن سلّة طويلة امام باب الهيئة العامة.
ولكن، ما دمنا نعيش في ظرف استثنائي وفي بلد قلّ نظيره في العالم، فان لكل قاعدة اجتهادها في لبنان، وبالتالي هل ستكون هناك استثناءات في ظل العقد العادي للتشريع، ام ان التشريع يصبح حكما مفتوحا؟. اولا، ووفق الدستور، ثمة رأيان ايضا. البعض يعتبر انه بحكم الشغور الرئاسي، فان مجلس النواب تحوّل بعد 25 ايار هيئة ناخبة، وليس امامه سوى مهمة اكمال انتخاب رئيس الجمهورية المنتظر.
والبعض الاخر يرى انه لا بد من تشريع الضروري من الاقتراحات والمشاريع التي لا تحتمل التأجيل، لا سيما اذا كان لها طابع حياتي ومعيشي ملح، كموضوع سلامة الغذاء والايجارات، او اذا كانت مرتبطة بعلاقات لبنان بدول اخرى، كاتفاقات القروض والهبات. من هنا، اتى مصطلح “تشريع الضرورة”.
وبين هذين الموقفين رأي ثالث يشدد على ان التشريع يصبح حكما مفتوحا اليوم، لكون المجلس ضمن العقد العادي ويحق له التشريع، وبالتالي لا يحتاج الى مرسوم فتح دورة استثنائية، بعدما طارت هي الاخرى، بسبب عجز الحكومة وعدم اتفاق الافرقاء السياسيين حولها.
هذا في الدستور. اما في السياسة، فالآراء تتعدّد. من المعلوم ان الكتل النيابية المسيحية ترفض التشريع في ظل الفراغ. وهذا الموقف تبنته اولاً كتلة نواب الكتائب التي رفضت التشريع في المطلق. هذا كان في بادىء الامر، اما لاحقا، فعادت ولانت قليلا، الا انها بقيت مصرّة على حصر التشريع بما هو ضروري فقط، واكثر من ذلك، حصرته باقتراحين لا ثالث لهما: قانون الموازنة العامة وقانون الانتخاب. وليس هناك اليوم ما يدفع الكتائب الى تغيير موقفها.
بالنسبة الى الكتلة المسيحية الاخرى، كتلة “القوات اللبنانية”، فهي تصرّ على “تشريع الضرورة”، حتى لو كان المجلس ضمن العقد العادي. ويذكر النائب انطوان زهرا، العضو في هيئة مكتب المجلس، بان موقف “القوات” الرافض للتشريع بسبب الفراغ الرئاسي اتخذ حين كان المجلس بحكم الانعقاد العادي، وبالتالي ليس هناك من جديد يغيّر المعادلة. ويشدد على ان تشريع الضرورة يعني فقط قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية، ما دام مشروع الموازنة لم ينجز بعد، وبات مصيره هو الآخر في مهب الريح.
وفي موقف متقارب، يبدو ان “تكتل التغيير والاصلاح” ليس ببعيد عن “القوات”، بعدما اتفق الجانبان على اولوية استعادة الجنسية وقانون الانتخاب لتصحيح الخلل القائم والمتمادي.
امام هذه الخريطة، تبدو مهمة رئيس مجلس النواب نبيه بري صعبة. اذ كيف يمكن الجمع اصلا بين موقف بري الداعي الى فتح المجلس والموقف المسيحي “القواتي – العوني” المؤيد “لتشريع الضرورة” فقط، وموقف الكتائب الرافض للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي؟.
هي مهمة صعبة قد يعمل بري على ايجاد توليفة لها، وخصوصا انه لا يزال مكبا على انجاح طاولة الحوار، ولو في الشكل، على رغم العراقيل والحواجز.
33 اقتراحاً تنتظر
وسط هذا الجمود، ثمة 33 اقتراح قانون ومشروع تنتظر اقرارها اليوم.
“النهار” حصلت على لائحة هذه المشاريع، التي تتوزع ما بين 19 مشروع قانون و14 اقتراح قانون.
ومن ضمن المشاريع، عدد من الاتفاقات بين الدولة اللبنانية والحكومة الكويتية تتعلق بالتعاون التجاري، الى جانب ابرام تعديل اتفاق تمويل برنامج التعاون عبر الحدود لدول منطقة البحر الابيض المتوسط مع المجموعة الاوروبية ممثلة بمفوضية المجموعات الاوروبية، واتفاق آخر هو عبارة عن عقد تمويل بين لبنان والبنك الاوروبي للتثمير، (اي مشروع اوتوسترادات لبنان- المرحلة الثانية)، فضلا عن طلب الموافقة على ابرام عقد تمويل بين لبنان والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الاسكان، واخر لتمويل مشروع استكمال منشآت الصرف الصحي في لبنان.
ومن بين مشاريع القوانين اللافتة، طلب الموافقة على الانضمام الى تعديل اتفاق “بازل” بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وهو اتفاق يرعى طريقة تصدير النفايات بين الدول. وربما هذا ما نحتاج اليه اليوم وسط “غرقنا” في اكوام الزبالة.
وثمة مشروع اخر مهم يتعلق بالاجازة للحكومة عقد نفقات من اجل تحقيق عتاد وبنى تحتية ملحة لمصلحة الجيش. هذا الجيش الذي يرمى وحيدا على الجبهات ولا يزال عدد من جنوده مخطوفين.
ومن بين اقتراحات القوانين المنتظرة، اقتراح القانون المتعلق بسلامة الغذاء، والاقتراح المتعلق باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان، (اي قانون تملك الاجانب، وسط الهجمة الشرسة والمستمرة في مجال بيع الاراضي) واقتراح قانون الحق في الوصول الى المعلومات.
هكذا، ينطلق التشريع في المجلس اليوم … دستوريا، انما متى البدء بالتطبيق؟ هذا ما ينتظر اعلانه في السياسة.