فرانسيسكو فيريرا
يحاول باحثو البنك الدولي تقدير المدى الذي بلغه الفقر المدقع في مختلف أنحاء العالم منذ عام 1979، وبمنهجية أكثر منذ تقرير التنمية في العالم عام 1990 الذي قدر خط الفقر العالمي بدولار في اليوم. كانت الفكرة منذ البداية هي قياس فقر الدخل مقابل خط يتطلب جهدا ويعكس، أولا، معايير الفقر المطلق في أشد بلدان العالم فقرا، وثانيا يعادل المستوى الحقيقي للرفاهة في جميع البلدان. المطلب الأول قاد الباحثين إلى احتساب خط الفقر العالمي على أساس خطوط الفقر الوطنية لكل بلد نام شديد الفقر. وقادهم المطلب الثاني إلى استخدام أسعار صرف لتعادلات القوة الشرائية ـــ بدلا من التعادلات الاسمية ـــ لتحويل هذا الخط إلى دولار أمريكي، والأهم، إلى عملة كل بلد من البلدان النامية.
ورغم منطقية كلا المطلبين، فإنهما ينطويان على بعض المدلولات المزعجة .. فقد أسفرا بشكل خاص عن تعديل خط الفقر في كل مرة يتم فيها طرح مجموعة جديدة “ونأمل أن تكون أفضل” من أسعار صرف تعادلات القوة الشرائية. ويقوم على وضع هذه التعادلات حاليا شراكة مستقلة تسمى برنامج المقارنة الدولي ICP، الذي ينقح تقديراته دوريا ـــ مما يعكس التغيرات التي تطرأ على المستويات النسبية للأسعار في مختلف البلدان، فضلا عن التغيرات المنهجية. واستخدم خط الفقر البالغ دولارا واحدا في اليوم، الذي حددته دراسة لرافاليون وآخرين (1991) تعادلات القوة الشرائية لعام 1985. وعندما نُشرت مجموعة جديدة من تعادلات القوة الشرائية عام 1993، تغير الخط إلى 1.08 دولار في اليوم. وتم تعديل تعادلات القوة الشرائية مرة أخرى عام 2005، وبناء عليه رفع خط الفقر إلى 1.25 دولار في اليوم. في كل مرة كان يحدث فيها ذلك، كانت هناك تحديات حقيقية في المقارنة، وعدلت خطوط الفقر لكل بلد على حدة وللعالم إجمالا.
في العام الماضي، نشر برنامج المقارنة الدولي مجموعة أخرى من تعادلات القوة الشرائية للأسعار التي جمعت عام 2011. ورغم وجود بعض الاختلافات بين الباحثين، فإن النظرة السائدة هي أن هذه التعادلات الجديدة للقوة الشرائية تمثل تحسنا عن المجموعة التي تم جمعها عام 2005، مما استوجب الحاجة إلى تعديل آخر لخط الفقر الذي وضعه البنك الدولي. وتجلى التحدي فيما يلي: مع مرور الزمن، بدأ خط الفقر الذي يحدده البنك الدولي يمثل مستوى مرجعيا لتعريف الأهداف الرفيعة لسياسات المجتمع الدولي، مثل الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة. وأخيرا، تم وضع الهدف الرئيس الأول للبنك الدولي نفسه ـــ المتمثل في تخفيض الفقر المدقع عالميا إلى 3 في المائة بحلول عام 2030 ـــ بناء على “أولئك الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم للشخص الواحد، وفقا لتعادلات القوة الشرائية عام 2005”. ويصدق القول نفسه على الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة التي أقرها قادة العالم في الأمم المتحدة قبل أسبوع تقريبا.
إذن علينا اتباع ثلاثة مبادئ أساسية لوضع خط جديد للفقر:
1 ــ استخدام أدق وأحدث مجموعة أسعار متاحة للمقارنة بين مستويات المعيشة الحقيقية فيما بين البلدان.
2 ــ تقليص التغيرات التي تطرأ على المعالم الرئيسة للهدفين إلى أدنى حد ممكن: وإبقاء تعريف خط الفقر دون تغيير، وتثبيت قيمته الجديدة لتقترب بقدر الإمكان من 1.25 دولار في اليوم بالأسعار الحقيقية.
3 ـ عند تعريف “الأسعار الحقيقية”، فإن مستويات الأسعار الأكثر أهمية لقياس معدل الفقر العالمي هي تلك التي يدفعها أشد سكان العالم فقرا.
هذه المبادئ أدت إلى وضع قاعدة بسيطة للغاية لقرار تحديث خط الفقر:
1 ـ كان الخط الذي قدر عند 1.25 دولار في اليوم قد تحدد في الأصل باعتباره المتوسط البسيط لخطوط الفقر الوطنية في 15 بلدا شديد الفقر (انظر رافاليون وآخرين، 2009). ونأخذ هذه الخطوط نفسها بالضبط (التي يعبر عنها بالعملات المحلية وفقا لأسعار 2005)، ونرفعها إلى مستويات 2011 باستخدام مؤشر أسعار المستهلكين الخاص بكل بلد.
2 ــ ثم، بعد أن تصبح بأسعار 2011، فإننا نحولها إلى الدولار الأمريكي باستخدام تعادلات القوة الشرائية لعام 2011، ونحصل على المتوسط البسيط “مثلما حدث من قبل”. جاءت نتيجة هاتين العمليتين البسيطتين للغاية 1.88 دولار للشخص في اليوم، وهو ما نقربه إلى 1.90 دولار ـــ وهذا هو خط الفقر العالمي الجديد للبنك الدولي. هناك بالطبع عدد من التفاصيل المنهجية: فهناك بعض البلدان لديها أكثر من برنامج للمقارنة الدولية متاح لاستخدامها ـــ فأيها ينبغي اختياره؟ ثمة اختلافات في تكاليف المعيشة داخل كل بلد ـــ وهو ما لا ترصده المسوح التي تجريها برامج المقارنة الدولية بالكامل. فكيف ينبغي التعامل مع هذه الاختلافات؟ كيف يمكننا التعامل مع بلدان يشير تعادل القوة الشرائية فيها ومؤشر أسعار المستهلكين إلى اختلافات كبيرة في الأسعار بين عامي 2005 و2011؟
الآن، بمجرد مقارنة توزيع الدخل والاستهلاك (الذي نجريه لنحو 132 بلدا باستخدام برنامج PovcalNet ) بالخط الجديد للفقر (بالطبع باستخدام تعادل القوة الشرائية لعام 2011)، يعاد تقدير الفقر العالمي. وتتناول تقارير البنك الصادرة في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) معدلات الفقر العالمية والإقليمية لعامي 2011 و2012، فضلا عن التوقعات لعام 2015. ومن أجل قياس أثر التغير في معدلات تعادل القوة الشرائية “وما يترتب عليه من تحديث لخط الفقر”، من الأفضل التركيز على عام 2011، وهو عام لدينا له تقديرات باستخدام خط الفقر 1.90 دولار (قياسا بتعادلات القوة الشرائية لعام 2011) و1.25 دولار (قياسا بتعادلات عام 2005). بالنسبة إلى ذلك العام، انخفضت تقديراتنا لمعدل الفقر العالمي من 14.5 في المائة من سكان العالم (أو 1011 مليون شخص) بالطريقة القديمة، إلى 14.2 في المائة (أو 987 مليون شخص) بالطريقة الجديدة.
لكن انتظر لحظة. ألم يصعد خط الفقر إلى 1.90 دولار ـــ أي بزيادة اسمية بنسبة 52 في المائة بالمقارنة بخط 1.25 دولار، وبما يزيد كثيرا عن نسبة التضخم في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2011؟ كيف يتسق ذلك مع الحفاظ على ثبات الخط “بالأسعار الحقيقية” وبدون تغيير ـــ أو حتى بتراجع ضئيل ـــ في معدل الفقر؟ تكمن الإجابة ـــ كما هو الحال في كثير من الأحيان في ألغاز الفقر العالمي- في تعادلات القوة الشرائية الجديدة.. فقد كشفت مسوح الأسعار التي أجراها برنامج المقارنات العالمي عام 2011 أن مستويات الأسعار في البلدان الفقيرة كانت أقل كثيرا ـــ بالمقارنة بما كانت عليه في الولايات المتحدة ـــ من تلك المستخدمة من أجل تعادلات القوة الشرائية لعام 2005. تذكر أن أسعار الصرف لتعادلات القوة الشرائية تُحسب بحيث تعوض الفروق في المستوى المطلق للأسعار: فالدولار الواحد من تعادلات القوة الشرائية يجب أن يشتري السلعة نفسها من السلع في كينيا والهند والولايات المتحدة. وإذا كانت الأسعار في البلدان الفقيرة أقل، فإن عملاتها تكون أقوى من حيث القوة الشرائية: وهذا هو السبب في أن خط الفقر الثابت بالأسعار الحقيقية في البلدان الفقيرة هو أعلى الآن بالدولار الأمريكي. وفي عام 2011، كان 1.90 دولار يشتري تقريبا السلع نفسها التي كان يشتريها 1.25 دولار عام 2005 في البلدان الفقيرة، وهذا هو السبب في أن الفقر لم يتغير إلا قليلا. إن ارتفاع القيمة مقدرة بالدولار الأمريكي ليس سوى انعكاس “لضعف” قيمة الدولار مقدرة بتعادلات القوة الشرائية!