جاءت الاحتجاجات على أولى الخطوات العملية التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإصلاح الاقتصاد وتقليص الإنفاق أمس، من الدائرة المحيطة به من موظفي الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وتظاهر العشرات من أولئك الموظفين أمس في المنطقة الخضراء وسط بغداد، احتجاجاً على خفض رواتبهم، وفقا لسلم الرواتب الجديد الذي أقرته الحكومة الأسبوع الماضي.
وقال محللون إن خفض عدد العاملين في الدولة والمتعاقدين، يعد من أهم الإجراءات التي يحتاجها العبادي لإصلاح الاقتصاد، في وقت يطالب فيه المحتجون بالوظائف، وهو ما يقذف تناقضات مستحيلة في وجه العبادي. وأضافوا أن رئيس الوزراء محاصر بين ترشيق جهاز الدولة الذي يدفع رواتب لنحو 7 ملايين موظف ومتقاعد، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من الشلل التام بسبب توقف جميع الأنشطة الاقتصادية وارتفاع تكلفة الحرب ضد تنظيم داعش في ظل تراجع إيرادات الدولة من صادرات النفط.
وطالب موظفو الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإعادة النظر بسلم الرواتب الجديد، الذي ألغى جميع المخصّصات والامتيازات وخفّض الرواتب إلى أدنى مستوياتها ضمن خطة الحكومة التقشفية.
وتركزت مطالبهم على ضرورة إعادة النظر بتعديل سلم الرواتب الجديد للعاملين في مجلس الوزراء، وإعادة المخصصات المالية التي كانت تدفع طيلة السنوات الماضية.
ووفقا لسلم الرواتب الجديد الذي صادق عليه مجلس الوزراء، فإنه حدد أعلى راتب عند 8 ملايين دينار (نحو 7 الاف دولار)، للمناصب العليا رؤساء الوزارة والبرلمان والجمهورية، ورفع نسبة الرواتب للشرائح قليلة الدخل، التي تتقاضى أقل من 400 ألف دينار (نحو 350 دولار). وألغى التعديل الجديد لسلم الرواتب غالبية الامتيازات والمخصصات التي كانت تمنح للمسؤولين في الرئاسات الثلاث وموظفي الرئاسات الثلاث كمخصصات الخطورة.
وأقر مجلس الوزراء العراقي يوم الأحد، مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2016، التي بلغ حجمها 106 تريليون دينار عراقي (91 مليار دولار) وبعجز يصل إلى 20 مليار دولار.
ولجأت الحكومة العراقية، إلى رفع ضرائب المبيعات على السلع المستوردة، بهدف تعزيز الإيرادات المالية، لتقليل حجم الأزمة المالية التي تتعرض لها البلاد، نتيجة تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وقال سعد الحديثي المتحدث باسم المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي إن الموازنة استندت إلى سعر 45 دولارا لبرميل النفط، وبسقف تصدير من حقول العراق 3.6 مليون برميل يوميا.
وأشار إلى أن الموازنة سترسل للبرلمان خلال أيام للقراءة والتصويت عليها قبل أن يصادق عليها رئيس الجمهورية.
وأعلنت وزارة المالية الشهر الماضي مسودة الموازنة بحجم إنقاق يصل إلى 100 مليار دولار، لكن مكتب رئيس الوزراء أجراى تعديلات عليها لخفض الإنفاق والعجز فيها.
وتكمن أكبر مشاكل العراق المالية في الموازنة التشغيلية الهائلة التي فجرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إلى مستويات غير مسبوقة في أي دولة في العالم، والتي يفوق حجمها حاليا على جميع إيرادات العراق النفطية. فقد أمعن المالكي خلال طفرة أسعار النفط، في الهروب إلى الأمام بتشغييل الملايين في وظائف حكومية، دون أي عمل يذكر، إضافة لمئات آلاف “الفضائيين” أي الأسماء الوهمية والأشخاص الذين يتقاضون جزءا من رواتبهم مقابل عدم الحضور للعمل، ليذهب الجزء الآخر للمسؤولين الفاسدين مقابل السكوت عن ذلك.
وهناك مؤسسات ومصانع عراقية تضاعف عدد موظفيها عشرات المرات منذ عام 2003 رغم أنها متوقفة عن العمل منذ ذلك الحين.
ويعد ترشيق الدولة العراقية، أكثر الإصلاحات إلحاحا في ظل الأزمة المالية الخانقة، في وقت يطالب فيه معظم المتظاهرين، بتوفير وظائف حكومية، أي أن الإصلاح الأكثر إلحاحا سوف يغضب المطالبين بالإصلاحات، وهي معضلة قد يستحيل الخروج منها.
ويقول محللون إن ان العبادي إذا أراد إخراج الاقتصاد من الشلل التام، فعليه تقليص الوظائف الحكومية، ووضع قوانين وحوافز للاستثمار المحلي والأجنبي، كي يتمكن من يتم إخراجهم من الوظائف الحكومية من العثور على وظائف في القطاع الخاص.
لكن تطبيق ذلك في غاية الصعوبة، إذ أن الملايين الذين تعيلهم الدولة سينقلبون عليها وقد يترحمون على عهد المالكي، الذي منحهم تلك الوظائف الوهمية، وأدخل البلاد في طريق مسدود. ويستبعد المراقبون أن تسفر الاصلاحات المعلنة عن أي نتائج ملموسة في واقع الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات، بل إنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج معاكسة لرغبات المتظاهرين، الذين يطالبون بالوظائف. ويبدو تقليص عدد الوزارات وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين، إجراء ضروريا لإنقاذ الاقتصاد العراقي على المدى البعيد، لكنه يمكن أن يزيد من حدة الاحتجاجات في المدى القريب بعد انضمام العاطلين الجدد إلى جيوش المحتجين.
ويبدو أن رئيس الوزراء حيدر العبادي سيبقى محاصرا بين فكي خفض الموازنة التشغيلية وتلبية مطالب المحتجين، إلى أن يتمكن من محاربة الفساد، ووضع قوانين شفافة للاستثمار، تتمكن من خلق فرص عمل يمكن أن تستوعب بعض العاطلين عن العمل ومن سيتم تسريحهم عند ترشيق مؤسسات الدولة المترهلة.