IMLebanon

«باركليز» يتجه إلى خلع رداء التقشف

BarclaysBank1
مارتن آرنولد وباتريك جنكينز

هي كلمات مهمة، إلا أنها ليست كالنقش في الحجر. لكن بالنسبة إلى الوقت الحالي، على الأقل تبقى العبارات الطنانة لإعادة التجديد الثقافي لـ “باركليز”، التي امتدت على مدى ثلاث سنوات، معروضة بشكل بارز في مقر المصرف في كاناري وارف. لوحات يبلغ طولها سبع أقدام تحث الموظفين على إظهار الاحترام والنزاهة والخدمة والتميز وحسن الإدارة (التي يضمها جميعا الاختصار RISES).

وضع هذه اللوحات أنتوني جنكينز، الرئيس التنفيذي الذي تم طرده بهدوء وبدون مراسم من قبل رئيس مجلس الإدارة الجديد، جون ماكفارلين، خلال فصل الصيف، وهي تبدو الآن مثل شواهد القبور التي تحيي ذكرى إرث الرئيس السابق الذي تلاشى سريعا الذي كثيرا ما يتعرض للسخرية.

ولأن بنك باركليز في سبيله إلى تعيين المصرفي الاستثماري الأمريكي المخضرم، جيس ستيلي، ليكون الرئيس التنفيذي المقبل – إن سمح المنظمون بذلك – يقول النقاد “إن ذلك يبدو وكأن السنوات الثلاث الماضية لم تحدث”. يقول أحد الأصدقاء “عندما غادر، كان الأمر يبدو وكأنه قد تم شطبه نهائيا من تاريخ الشركة”.

بدأ عصر جنكينز في تموز (يوليو) 2012 عندما غرق “باركليز” في أزمة، بسبب قرار اتخذه محافظ بنك إنجلترا قضى بإخراج بوب دياموند عنوة من منصبه رئيسا تنفيذيا وسط ضجة حول دور البنك في فضيحة تزوير في أسعار الليبور.

في اجتماع يخص الأزمة لاتخاذ قرار حول من ينبغي أن يحل مكان دياموند، اتفق معظم أعضاء المجلس مع شركات توظيف الخبرات على أن أفضل المرشحين حتى ذلك الحين كان ستيلي، رئيس المصرف الاستثماري لبنك جيه بي مورجان تشيس آنذاك. لكن مستشار العلاقات العامة، السير ألان باركر، حذر من رد فعل عنيف من جانب المنظمين والسياسيين ووسائل الإعلام إذا وظف “باركليز” مصرفيا استثماريا أمريكيا آخر – خصوصا أن شراء عقده كان سيكلف نحو 30 مليون دولار.

بدلا من ذلك فضل المجلس الخيار الأكثر أمانا وهو جنكينز الذي كان يدير عمليات التجزئة البريطانية للبنك. يقول شخص على علاقة بعملية اختيار جنكينز وستيلي “لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لندرك أن هذا كان أمرا خاطئا. لكن في ذلك الوقت كان هنالك قدر كبير من الهستيريا حول “باركليز”، بحيث شعرنا أنه لم يكن لدينا أي خيار”.

وتأتي محاولة “باركليز” لطَيِّ صفحة اعتماد استراتيجية “التقشف” خلال التعاملات التصالحية مع صناع السياسة العدائيين، في الوقت الذي تحول فيه المزاج العام في الحي المالي في لندن ليصبح أكثر إشراقا بكثير بعد فوز المحافظين في انتخابات أيار (مايو). فقد أشار وزير المالية، جورج أوزبورن، إلى أن الحكومة ستتخذ موقفا أكثر صداقة تجاه الصناعة. يقول أنتوني براون، الرئيس التنفيذي لرابطة المصرفيين البريطانيين “تغير الوضع من موقف عقابي إلى شيء من قبيل (دعونا نعمل على تشغيل الاقتصاد). إنها مجرد خطة بناءة بشكل أكبر”.

خلال الأسبوع الماضي فقط، كان هناك مثالان مهمان يدلان على اتباع منهج أكثر واقعية: يوم الأربعاء أسقطت وزارة المالية قواعد أرغمت مديري شركات الخدمات المالية على الامتثال لما يسمى العبء العكسي للإثبات، للإفلات من العقوبات المفروضة على الجنح التي يرتكبها الموظفون. ويوم الخميس تم تخفيف حدة نظام التسوير المرتقب، الذي يفصل عمليات المصارف التجارية عن الأنشطة المصرفية الاستثمارية بحيث تكون شركات التجزئة المستقلة قادرة على توزيع رأس المال على الشركات الأم.

وجاء أوضح تغيير في اللهجة في حزيران (يونيو)، عندما أشار أوزبورن إلى “تسوية جديدة” مع الحي المالي. وبعد أسابيع من ذلك تم إقصاء مارتن ويتلي، رئيس سلطة السلوك المالي الذي كان شديد الانتقاد للمصارف، من عمله. ومن المتوقع مجيء خلف أقل تشددا.

يقول شخص رفيع المستوى مشارك عن كثب في المحادثات الأخيرة بين “باركليز” ووزارة المالية “كالضفدع في ماء يغلي، هناك خطر أن ينتهي المطاف بالمصارف الاستثمارية الأمريكية في المملكة المتحدة، وهذا سيكون كارثة حقيقية بالنسبة إلى الحي المالي”. ويضيف “وزير المالية ووزارة المالية يدركان ذلك”.

أصبح تخفيف الضغط على الحي المالي أيضا أولوية اقتصادية بالنسبة إلى وزير المالية، في الوقت الذي تزداد فيه الأدلة على أن مستويات الإنتاجية الواهنة في المملكة المتحدة – انخفضت 16 نقطة مئوية مقارنة باتجاهها ما قبل الأزمة – يمكن أن تعزى إلى حد كبير إلى عدم الكفاءة المتزايد لشركات الخدمات المالية.

في الأسبوع الماضي قالت جماعة الضغط الخاصة بالحي المالي TheCityUK “إن فرص العمل في لندن في مجال الخدمات المالية وغيرها من قطاعات الخدمات المهنية ذات الصلة حققت مستوى قياسيا مرتفعا وصل تقريبا إلى 730 ألف وظيفة”. مع ذلك، جاء الجزء الأكبر من النمو في مجالات مرتبطة بالبيئة التنظيمية المتشددة – المسائل القانونية والامتثال – ما يوحي بأن تشديد القبضة ألحق ضررا بإنتاجية المصارف.

وتشكل تلك الأدوار “غير المنتجة” جزءا كبيرا من المشكلة، بحسب جوناثان هاسكيل، أستاذ الاقتصاد في كلية إمبريال في لندن، الذي يقول “ذلك الرقم المتمثل في 16 نقطة مئوية ربما يكون أقل بمقدار الربع لو لم نحتسب شركات الخدمات المالية”.

سيكون تحسين الإنتاجية هدفا مهما لستيلي الذي فسر مستثمرون وسياسيون وصوله، المعلق، إلى “باركليز” على أنه إشارة قوية إلى أنه سيتم ضخ الأموال إلى الخدمات المصرفية الاستثمارية وعكس التخفيضات التي شهدتها السنوات الأخيرة.

على أي حال، يقول أشخاص مطلعون “إن المدير الجديد الذي يتوقع أن يبدأ عمله مطلع العام المقبل، من المرجح أن يقلص بنك الاستثمار أكثر حتى من قبل، على الأقل مبدئيا”. وبحسب شخص بارز مطلع على استراتيجية البنك “إذا كان هناك أي اختلاف، فإن هذا المدير أكثر جرأة مما كنا عليه”.

اتبع جنكينز مسارين في إعادة تشكيل المصرف الاستثماري، واعدا بخفض ربع عدد موظفي الوحدة البالغ عددهم 28 ألفا والضغط عليها لتخفض استخدامها لنصف رأسمال المجموعة إلى الثلث. وفي الوقت الذي تحسن فيه أداؤها هذا العام، لا تزال الشعبة تكافح للاستمرار في كسب عائد على الأسهم يفوق تكلفة رأسمالها بنسبة تبلغ نحو 10 في المائة.

ولا يتوقع المطلعون في فرع الاستثمار أن يحميهم ستيلي من التخفيضات، أو إعطاءهم تفويضا لاستخدام مزيد من رأس المال، لكنهم يرون فعليا ميزة جيدة من تعيينه. يقول أحد التنفيذيين “من الإيجابي دائما أن يكون لديكم شخص يتفهم مجال الاستثمار المصرفي”.

وعملت المصارف المنافسة خلال العامين الماضيين، على اقتناص كثير من كبار المصرفيين الاستثماريين من “باركليز”، ولا سيما من كوادر بنك ليمان براذرز السابق، الذي استحوذ عليه “باركليز” عقب انهيار المجموعة الأمريكية خلال فترة الأزمة المالية. وكان هذا مصدر قلق لمديري “باركليز” الذين يدركون تماما كيف يتفحص مصرفيو الاستثمار كل كلمة حول أي نقص في الالتزام، ويأملون في أن يعمل قدوم ستيلي على طمأنة الموظفين.

يقول أحد كبار التنفيذيين في البنك “إنه أمر محزن: خسرنا كثيرا من الأرض. ما اتضح من خلال تجربة أنتوني جنكينز هو أن خطر توظيف شخص ما لا يفهم الاستثمار المصرفي أعظم من توظيف شخص لا يفهم التجزئة المصرفية، التي يمكنك تعلمها وفهمها بسرعة كبيرة”.

يقول رونيت جوز، محلل المصارف في “سيتي جروب”، “إن تجربة ستيلي تجعل منه شخصا مؤهلا للغاية لتنفيذ تخفيضات في الوقت الذي يحافظ فيه على الروح المعنوية”، مضيفا “تحتاج إلى مصرفي استثماري موثوق لإعادة هيكلة مصرف استثماري. الأمر يشبه وقف تشغيل مفاعل نووي – تحتاج إلى عالم فيزياء نووية للقيام بذلك”.

وانخفضت أسهم “باركليز” عندما تسربت أنباء حول اعتزام البنك تعيين ستيلي. مع ذلك، يبدو بعض المساهمين متفائلين بإمكانية تحقيق بعض الاتساق في استراتيجية البنك. يقول أحد أبرز عشرة مستثمرين في “باركليز”، “ينبغي للبنك عدم هدر خبرته في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، لذلك إحضار مصرفي استثماري خدم لدى رئيس بنك جيه بي مورجان (جيمي دايمون) يعتبر أمرا منطقيا”.

صحيح أن ستيلي أمضى 34 عاما وهو يساعد على رفع مكانة بنك جيه بي مورجان ويمتلك يختا طوله 90 قدما، إلا أنه ليس مصرفيا أنموذجيا، وفقا لعدة أشخاص على علاقة بعملية توظيفه.

يقول أحدهم “لم يعمل أبدا في جانب التداول من قبل. فهو شخص مختلف تماما عن بوب دياموند”. كلاهما ولد في بوسطن، وهما من المختصين الماليين ذوي المكانة العالية، لكن هنا تنتهي معظم أوجه التشابه.

دياموند كان في السابق متداول سندات متباهيا ومتهورا وذا شخصية آسرة. ستيلي، من الناحية الثانية، شخصية أقل بروزا وانضم لبنك جيه بي مورجان في مكتبه في البرازيل، عندما كان لدى المجموعة الأمريكية قليل من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. يقول مصرفي رفيع المستوى “إنه شخص أكثر توازنا”.

ويصف زميل سابق ستيلي بأنه شخص “دولي جدا” و”جيد جدا في تعامله مع الزبائن”، مستشهدا بعلاقاته القوية مع صناديق الثروات السيادية وصناديق الأوقاف. وتولى ستيلي البالغ من العمر 58 عاما بناء الأعمال التجارية لأسواق رأس المال لبنك جيه بي مورجان قبل إدارة وحداته الخاصة بالأصول المصرفية. وقاد البنك الاستثماري لمدة أربع سنوات قبل الانضمام إلى صندوق التحوط الأمريكي “بلو ماونتين كابيتال” في عام 2013.

مصدر القلق بالنسبة إلى العاملين داخل “باركليز” هو نقص الخبرة لديه في كل من المملكة المتحدة وقطاع التجزئة المصرفية. لكنهم يقولون “إن البنك قوي في تلك المجالات، مع وجود آشوك فاسواني الذي يدير مصرف التجزئة وماكفارلين الذي يعرف طريقه داخل ممرات السلطة في بريطانيا”.

سيراقب المستثمرون عن كثب لرؤية آلية عمل ستيلي مع ماكفارلين، الاسكتلندي الخشن المعروف بتسلطه. حدد هذا الرئيس، الذي أصبح معتادا على امتلاك سلطة تامة على البنك منذ الإطاحة بجينكينز في تموز (يوليو)، هدفا داخليا لمضاعفة أسعار أسهم البنك خلال ثلاث سنوات. ولا بد أن ستيلي يعرف منذ الآن أنه إذا فشل، فستكون العواقب قاسية من رجل يطلق عليه اسم “ماك السكين” بسبب عادته المتمثلة في طرد الرؤساء التنفيذيين.

الإشارة المبكرة التي تبين مقدار التحول الثقافي المتوقع في “باركليز” هي ما إذا كانت شعارات RISES ستبقى مرفوعة في بهو المصرف. يقول عاملون فيه “إنها أدوات بدائية وغير فعالة ولا تكفي لإحداث تغيير حقيقي في مواقف الموظفين واتجاهاتهم”. لكنهم يعرفون، أيضا، أن إزالة رموز الالتزام الأخلاقي – بغض النظر عن مدى سطحيتها – قد ترسل الإشارة الخطأ.

يعترف أحد المطلعين المصابين بالإحباط “إذا أزلنا هذه الشعارات فسيبدو الأمر كأنه لن تعود لها أهمية بعد الآن”.