موريس متى
يُعاني القطاع العقاري ركوداً شبه مستمر منذ العام 2010. لكن رغم تراجع العمليات استمرت الأسعار شبه ثابتة، إلا أن الجديد هو التراجع الكبير في أرقام 2015 ، ما يعني زعزعة لهيكلية الأسعار التي لن تتأخر في الانخفاض تجنبا لانهيارات محتملة.
إلى متى يستطيع القطاع العقاري الصمود؟ خمس سنوات من الركود المُستمر متزامنة مع تردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية. لكن الأسوأ هو أرقام هذه السنة التي شهدت تراجعاً ملحوظاً على صعيدي البناء والشراء، اذ تراجع تسليم الإسمنت بنسبة 16.7% في الأشهر السبعة الأولى من السنة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كذلك تراجعت رخص البناء (المساحات) بنسبة 15.9% وعدد العمليات 12% في الأشهر الثمانية الأولى. وإذا كان اللافت من الأرقام الصادرة، زيادة عدد عمليات الشراء من الأجانب (+37.4% في آب 2015)، إلا أن عمليات البيع للبنانيين تراجعت 12.7% في الفترة نفسها. وهذا الأمر يعود إلى تراجع النشاط الاقتصادي بالدرجة الأولى والذي تراجع معه الاستهلاك بنسبة 18%، وانعكس الأمر تالياً على القطاع العقاري الذي يأتي في المراتب التي تلي استهلاك المواد الأساسية والطبابة والتعليم.
وبحسب نقابة المهندسين في الشمال، انخفضت المساحة المرخصة على الأراضي اللبنانية بنسبة 29.3% في آذار 2015، 12.8% في نيسان، 9.4% في تموز و19.1% في أيلول. وإرتفعت هذه المساحة في شباط 2015 بنسبة 10.3% وأيار بـ10.3% وآب بـ 3.7% نتيجة لارتفاع المساحات المرخص لها في الشمال.
من المنطقي القول إن سوق العقارات في لبنان لا تخضع لأحكام السوق الحرّة، والدليل أنه رغم كل أعوام الركود، لم تنخفض الأسعار. مع الاخذ في الاعتبار ان السوق العقارية منحازة لكون القاعدة الأساسية للعرض والطلب غير مُحترمة بالشكل المطلوب، وتالياً فإن العمليات العقارية، اي البيع والشراء، تتمّ بأسعار تستند الى ما هو مُتوقع للمستقبل، وليس على أساس الواقع الحالي. ومن أهم العوامل التي تجعل السوق منحازة الى حد ما: التوزيع الطائفي، ندرة الأراضي الصالحة للبناء، تزايد عدد السكان، استخدام بعض المقاولين لهذا القطاع كواجهة، وغيرها. والانحياز يُؤكده فعليا وجود أكثر من 100 ألف شقة شاغرة على كامل الأرض اللبنانية. ومع غياب أي سياسة ضريبية تُلزم صاحب الشقة على تأجيرها، او بيعها، سيستمر الطلب على الشقق في مواجهة عقبة التمويل بشكل أساسي.
وفي سياق متصل، يمكن ملاحظة تحول المصارف التجارية اللبنانية الى الموقع المتشدد في إعطاء القروض السكنية، وذلك من منطلق زيادة عدد حالات عدم القدرة على دفع المُستحقات، اي التعثر. وإذا ما نظرنا إلى الهيكلية الديناميّة للسوق، نلاحظ أن تمويل شراء الشقق يتمّ على النحو الآتي: توفير الدفعة الأولى للشقة من تحاويل المغتربين اللبنانيين أو بيع الشقة القديمة أو من الأجر، على أن يتمّ إقتراض المبلغ المتبقي من مؤسسة الإسكان أو من المصارف التجارية مباشرة. لكن الأوضاع الاقتصادية ضربت مصادر التمويل مع تراجع تدفق الرساميل بنسبة 28.4% في الأشهر الثمانية الأولى من السنة، كما أن الوضع الاقتصادي وتراجع الإستهلاك أدّيا إلى تراجع المداخيل. أما في ما يخص بيع شقة قديمة لتمويل شراء شقة أخرى، فإن صعوبة البيع تجعل إتمام العملية امرا شبه مُستحيل. اما في حال تمّ توفير الدفعة الأولى، فإن المديونية العالية للبناني لا تسمح له باحترام إستحقاقاته المالية تجاه المصرف. ومع التوقعات بتردي الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر في الفترة المقبلة، وإزدياد الاخطار الأمنية إقليمياً، من المُتوقع أن تعمد المصارف التجارية في لبنان إلى تشديد سياستها في الاقراض (Credit Crunch)، في ظل وجود المزيد من التوقعات بخفض تصنيفها الائتماني ومع زيادة تعرضها للقطاع الخاص، والدين العام، ما يؤدي حتما إلى تراجع عدد عمليات البيع والشراء في القطاع.
أمام هذا الواقع، يبقى المطلوب فرض ضريبة على الشقق الشاغرة ما يحرر أكثر من 100 ألف شقة ويسهم في تخفيف الضغوط التي تعانيها السوق حاليا، ويؤدي الى زيادة الشقق المعروضة للإيجار وللبيع.