حنان حمدان
وجّه البنك الدولي تحذيراً الى لبنان في الآونة الأخيرة، بأنه سيتم رفع إسم لبنان من قائمة المساعدات الدولية، بسبب عدم القدرة على إقرار قانون قبول القروض من البنك الدولي والتي قد تلغى مع نهاية العام الحالي، ما يحرم لبنان من قروض ومشاريع جديدة خلال السنوات المقبلة، بسبب الشلل الحاصل في المؤسسات الدستورية. ووسط المؤشرات الإقتصادية غير المشجعة في ظل التجاذبات السياسية، ناهيك عن إرتفاع الدين العام، وهدر الأموال العامة، يصبح التساؤل مشروعاً حول الجهات التي سيشملها برنامج تعزيز القدرات المالية الذي تسعى جمعية المصارف بالتعاون مع وزارتي المال والتربية لإطلاقه من خلال نشر “التثقيف المالي”.
نشر “التثقيف المالي”، من أجل تعزيز القدرات المالية في لبنان شكّل محور المؤتمر الذي عقد اليوم الأربعاء، في فندق فينيسيا، بعنوان “المؤتمر الوطني حول تعزيز القدرات المالية” بدعوة من جمعية المصارف. وتناول المؤتمر الآليات التي يمكن إتباعها من أجل نشر الوعي والتثقيف المالي، منطلقاً من أهمية ترشيد الإستهلاك وتشجيع الإدخار من أجل تكثيف الإستثمار، إذ أن المستهلكين والمستثمرين مدعوون لاتخاذ قرارات مالية، في إدارة الشؤون الحالية والمستقبلية. ومن هنا يأتي دور التثقيف والتوعية في خلق فئة من المستهلكين أكثر مسؤولية ووعياً والتزاماً مالياً.
بداية، إنطلق المجتمعون من “ثالوث” التثقيف المالي: الأسرة، المدرسة والمصارف. فالأسرة هي التي تقوم بالدور الإرشادي الأهم من خلال ترشيد الإستهلاك المالي والسعي نحو الإدخار. وتلعب المدارس والمناهج التربوية والدراسية، دوراً مهماً في تثقيف كوادر المجتمع وتنشئة شبابه. فيما يقع على عاتق المصارف دور تثقيف العملاء وتزويدهم بالمعلومات الدقيقة والوافية حول شروط المنتجات والخدمات ومنافعها والمخاطر المتأتية منها قبل إتمام العملية.
من جهة أخرى، خلص المجتمعون إلى أن التثقيف المالي يسهم في عقلنة التصرف الإقتصادي، وينظم الإنفاق ويسهم في التخطيط للمستقبل، ويعطي الفرد القدرة على التحكم بمصروفه وإدخاره، والتخطيط من أجل تقاعده، ويجعله أكثر دراية في كيفية التعاطي مع الشأن المالي، كالقروض المصرفية مثلاً.
وعليه، فإن المؤتمر يربط بين تعزيز القدرات المالية ونشر الوعي المالي. ولكن هل لدى لبنان القدرة على نشر هذا الفكر؟ وإن استطاع ذلك على المدى البعيد، فهل نستطيع تحت وطأة ظروفنا الإجتماعية والمعيشية أن نتحدث عن وعي تثقيفي في حين يعيش قسم كبير من اللبنانيين تحت خط الفقر؟ ثم ماذا بالنسبة الى الحد الأدنى للأجور، وسلسلة الرتب والرواتب التي لم ينل أصحابها حتى اللحظة أدنى حقوقهم المعيشية؟ فهل يستطيع المواطن الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور أن يدخر بعضاً من أمواله؟ وماذا عن إرتفاع أسعار المنتجات الإستهلاكية في لبنان والتي تعتبر الأغلى في العالم؟ على ما يبدو أن هناك صعوبة في تحقيق نتائج مبهرة من خلال التثقيف المالي لتعزيز قدراتنا المالية إذ أننا نعيش في بلد ترتفع فيه أسعار المواد الإستهلاكية وينخفض فيه دخل الفرد.
وفي السياق، أظهرت نتائج المسح الوطني، الذي قام به معهد باسل فليحان المالي والإقتصادي في العام 2012، بإشراف البنك الدولي، أن 47 في المئة من اللبنانيين لا يخططون لنفقاتهم، وفق ما أكدته رئيسة المعهد لمياء المبيض بساط خلال المؤتمر. ما يعني أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين ينشغل في كيفية تأمين الإحتياجات الأساسية دون أن يتمكن من الإدخار، لاسيما أن 58 في المئة من الأسر ذات الدخل المحدود لا تتمكن من تأمين حاجاتها الأساسية حتى نهاية الشهر، وفق الإحصاءات نفسها.
أيضاً، أظهر المؤتمر مدى الترابط بين التعليم والنمو الإقتصادي والإستقرار الإجتماعي، ما يطرح التساؤلات حول المناهج الدراسية الموجودة في لبنان والتي لا تتماشى مع متطلبات العصر. هذا ما أكده مدير عام وزارة التربية فادي يرق خلال المؤتمر، إذ تطرق الى “أهمية تطوير مناهج الإقتصاد والرياضيات”، مشيراً إلى الدورات التي أنجزتها الوزارة مؤخراً وشملت أساتذة الإقتصاد والطلاب في المرحلة الثانوية والجامعية. وأكد ضرورة الخروج من هذا المؤتمر بتوصيات من شأنها أن تكون الخطوة الأولى في موضوع التثقيف المالي عبر المؤسسات التعليمية.
وعليه، يبدو جلياً من خلال البحث في شأن تعزيز القدرات المالية للأفراد، أن الأمر لا يقتصر فقط على المستهلك، إنما يتعداه ليطال العاملين في المؤسسات الحكومية. الخطوة التي من شأنها التخفيف من هدر المال العام، والتي يتحمل مسؤوليتها الموظفون في الإدارات العامة من جهة وأصحاب السلطة من جهة أخرى. وعليه يجب أن ننطلق من تثقيف الموظفين داخل الإدارات العامة كي “تخضع إدارة المال العام لأعلى درجات الشفافية”، وفق ما أكده وزير المال علي حسن خليل، والذي تطرق خلال المؤتمر إلى تداخل السياسة بالإقتصاد إذ “لا يمكن الفصل بين السياسة والسعي إلى تعزيز إدارة الشأن المالي”، ذلك لأن “الشق السياسي أداة أساسية في إنجاز الخطط في الإدارة”.
في المحصلة، فإن كلّ ما تم التطرق اليه، يحتاج الى خطة وطنية لتعزيز القدرات المالية في لبنان. إلا إن أي حديث لا يلتفت إلى واقع وظروف المواطن اللبناني للخروج بتوصيات ترفع من قدرته المالية، يبقى بعيداً كل البعد عن حقيقة وواقع الأمور.