اعتبرت مصادر ديبلوماسية في حديث لصحيفة ”الجمهورية” ان استقبال الرئيس السوري بشّار الأسد في موسكو يؤشّر إلى بداية المرحلة الانتقالية في مقايضةٍ تمنح الأسد ضمانة معنوية مقابل دخوله في التسوية السياسية المرحلية التي يتركّز البحث فيها على ثلاثة بنود أساسية:
الجدول الزمني لهذه المرحلة والذي ما زال نقطة خلافية.
حصّة الأسد وخصومه في السلطة، والصلاحيات التنفيذية لكلّ طرف، والذي ما زال بدوره نقطة خلافية.
والبند الثالث يتصل بالضمانات الضرورية العربية والدولية لرعاية ومواكبة المرحلة الانتقالية، لأنّ غياب تلك الرعاية يمهّد للانقلاب على التسوية.
وقالت المصادر إنّ دخول سوريا في المرحلة الانتقالية سيفتح الباب أمام مرحلة انتقالية في لبنان تنتج رئيساً وسطياً وحكومة انتخابات وظيفتُها إنجاز قانون إنتخابي جديد والدعوة إلى انتخابات فورية في مهلة أقصاها ستّة أشهر.
صحيفة “السفير” كتبت: “خمسة أعوام من العزلة خُتمت بلقاء قمة في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليلة أمس الأول. ومع ذلك يتجاوز الرئيس السوري بشار الأسد رمزية انتزاع اعتراف بشرعيته، بالعودة إلى لقاء قادة العالم في عواصمهم، برغم الحصار الذي تعرض له شخصياً، ويستعرض من ظهوره الإعلامي المفاجئ، والناجح تكتيكياً وأمنياً، إمساكه بمفاصل الدولة، وتماسك حلقاتها حول رئاسته، واستمرار تمثيله الشرعية السورية.
ولكن بوتين الذي دعا الأسد إلى الكرملين، وقطع عزلته الدمشقية، يذهب أبعد من مجرد التحدي للقوى الإقليمية التي فرضت تحريماً دولياً على لقاء الأسد، أو محضه دعماً يتجاوز التحالف إلى الشراكة في الحرب على الإرهاب..
إذ يحاول الرئيس الروسي أن يضع شريكه السوري في الحرب على خط إطلاق التسوية السياسية التي تحتاجها «عاصفة السوخوي» في سوريا لحمايتها وربطها بمخارج سياسية، واستعجال حصد النتائج الأولى لانخراطه في الصراع السوري، واختبار التفاوض مع السعودية وتركيا والولايات المتحدة، على حل ترعاه موسكو، من خارج مرجعية جنيف التي تجاهلها كلياً البيان الروسي – السوري المشترك، والبناء على مؤشرات ووعود ميدانية إيجابية.
وجاء العرض الروسي للرئيس السوري باختبار عملية سياسية جدية للمرة الأولى، بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق العمليات العسكرية، التي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لإحداث تغيير نوعي، لكنها أشاعت قدراً كبيراً من التفاؤل مع استعادة الجيش السوري المبادرة العسكرية، وتأمين المناطق التي يسيطر عليها، وانتقال وحداته إلى مرحلة الهجوم على أكثر الجبهات في أرياف حماه وحمص وحلب واللاذقية، والاستعداد لفتح جبهات إضافية في غوطة دمشق ومدينة حلب، للمرة الأولى منذ العام 2012.
وربط بوتين، خلال اللقاء بالأسد، العملية العسكرية واستعداده للمساهمة فيها بالعمل على تسوية سياسية للنزاع «تضم كل القوى السياسية والعرقية والدينية كافة قي سوريا، واستعداده للمساهمة ليس فقط بالأعمال العسكرية في مكافحة الإرهاب وإنما أيضاً في عملية سياسية»، معتبراً أن القرار الأخير يجب أن «يعود إلى الشعب السوري». وأعلن متحدث باسم الكرملين انه لم يتم التطرق إلى مسألة رحيل الأسد من السلطة.
وأضاف بوتين «استجابة لطلبكم نساعد الشعب السوري على مواجهة الإرهاب الدولي الذي شن الحرب الحقيقية على سوريا. إن محاولات الإرهاب الدولي السيطرة على أراض كبيرة في الشرق الأوسط تثير الخوف لدى الكثير من بلدان العالم، وتثير قلقنا في روسيا أيضاً، لا سيما أن حوالي 4 آلاف شخص من المتحدرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق على الأقل، يقاتلون القوات الحكومية في أراضي سوريا. ولا يمكننا أن نتركهم يظهرون في أراضي روسيا بعد أن يكتسبوا الخبرة القتالية ويتعرضوا إلى عملية غسيل الدماغ الأيديولوجية».
وأشار الأسد إلى أن «مشاركة القوى الجوية الروسية في العمليات ضد الإرهاب في سوريا ساهمت في وقف تمدد التنظيمات الإرهابية فيما تستمر دول أخرى بدعم الإرهاب»، مؤكداً «ضرورة وقف كل أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية وفتح المجال أمام الشعب السوري لتحقيق تطلعاته وتقرير مستقبله بنفسه»، موضحاً أن «هدف العملية العسكرية هو القضاء على الإرهاب الذي يعرقل الحل السياسي، وأي تحركات عسكرية لا بد أن تتبعها خطوات سياسية».
وبرغم أن شيئاً لم يرشح مباشرة عن اللقاء، إلا أن الاتصالات التي بدأها بوتين مع أعداء الأسد، من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، فالملك الأردني عبد الله الثاني، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تعكس وجود خطة روسية، جرى إعدادها قبل دعوة الأسد والتشاور معه حولها، والأرجح أن يكون الرئيس الروسي قد قام بإبلاغهم الجواب الرئاسي السوري، واحتمالات الحل.
وانتقد البيت الأبيض روسيا لاستقبالها الرسمي للأسد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض اريك شولتز «نعتبر الاستقبال الرسمي للأسد الذي استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه متعارضاً مع الهدف المعلن من جانب الروس من أجل انتقال سياسي في سوريا».
وتشير التصريحات التي صدرت عن وزير خارجية السعودية عادل الجبير ورئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو إلى إعادة الحديث مجدداً عن مرحلة انتقالية، يكون الرئيس السوري شريكاً فيها إلى حين، قد تكون جزءاً من لقاء الكرملين. وكان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير ميدفيديف قد عاد إلى ملاقاة هذه المواقف من خلال تصريحه «بأنه لا بد من مناقشة القضايا السياسية بين روسيا والولايات المتحدة تحديداً، وبين جميع الدول المعنية بإحلال السلام في المنطقة وفي سوريا، بما يخدم بروز سلطة طبيعية هناك. ليس من الأهمية من سيكون على رأس هذه السلطة. لا نريد أن يحكم تنظيم داعش في سوريا، والسلطة هناك يجب أن تكون حضارية وشرعية».
ويتجه الروس إلى الكشف عن معالم عرضهم الجديد وآلياته، من خلال اللقاء الذي دعا وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى عقده غداً الجمعة في فيينا، ويضم وزراء خارجية تركيا فريدون سينيرلي اوغلو والسعودية عادل الجبير والولايات المتحدة جون كيري. وجرى اتصال هاتفي بين لافروف وكيري لبحث الصراع في سوريا. ولإنجاح اجتماع الغد، يبدو أن الروس قد أحجموا عن دعوة شريكهم الإيراني، لتسهيل انعقاد الاجتماع وطرح تصورهم للحل في سوريا، تماشياً مع «الفيتو» السعودي على أي اجتماع حول سوريا تشارك فيه إيران.
وكانت محاولات لإنشاء مجموعة اتصال تضم هؤلاء إلى إيران، وجمعها نهاية الشهر الماضي في نيويورك قد باءت بالفشل، بسبب الاعتراض السعودي على التحدث إلى الإيرانيين بشأن سوريا. وكانت المحاولات الروسية الماضية بالتقارب مع الرياض في الملف السوري قد فشلت في إحداث أي اختراق، سواء في فتح قنوات التواصل بين دمشق والرياض، واقتصاره على زيارة يتيمة لرئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك إلى الرياض، أو في إقناع السعوديين بوقف دعمهم المجموعات المسلحة.
وليس واضحاً إلى أي حد يمكن أن يذهب الروس في «إخفاء» حليفهم الإيراني تحت الطاولة، بانتظار أن تتقدم عملية تحييد السعوديين وغيرهم، وإنضاج حل في سوريا لا يكون على حسابهم، خصوصاً أن الروس والسعوديين لا يثقون ببعضهم كما بينت اللقاءات الماضية بين بوتين وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
كما أن معادلة الذهاب نحو التسوية كما يتحدث عنها، لن تستطيع الفكاك مما أمكن تحقيقه ميدانياً مع الجيش السوري، وحلفائه الإيرانيين الذين يظلون قوة أساسية في العملية العسكرية، خصوصاً أن الإيرانيين أعلنوا على لسان مساعد وزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان أنهم سيرسلون المزيد من المستشارين العسكريين إلى الجبهات السورية لمعاضدة العملية العسكرية. كما أن السعوديين وغيرهم من القوى الإقليمية، تضع مسألة بقاء الأسد في العملية الانتقالية، في مرتبة ثانية يمكن التفاهم عليها وعلى مدتها كما يبدو من التصريحات المتداولة، ولكن الهدف الحقيقي لهذه القوى هو الذي لا نقاش حوله وهو تدمير الموقع الإيراني في سوريا.
وهكذا تولى بوتين، بعد مغادرة الأسد، التسويق لعملية سياسية من جهة أولى في سوريا قد تتقاطع مع بعض شروط هذه القوى للحل. لكن استعادة الروس للبحث بالعملية السياسية تكشف الدور المركزي الذي انتقلت إليه موسكو في إدارة الأزمة السورية بكل وجوهها، الميدانية والسياسية، ورغبتها في لعب هذا الدور. كما تستجيب أيضاً لحاجة بوتين لمواصلة حماية العملية الروسية في سوريا، التي قد تكون بلغت أوجها، وذروة إمكانيات الانتشار الروسي الجوي حتى الآن. وتحتاج تلك الحماية إلى مواصلة انتزاع الأوراق الإقليمية التي بدأها قبل إرسال طائراته إلى مطار حميميم وتحييدها، ما أمكن في سوريا، وتجنب مواجهة اكبر محتملة، إذا ما قررت السعودية وتركيا رفع وتيرة ونوعية تسليحها المجموعات المسلحة، ودفع «داعش» و «جبهة النصرة» إلى الوحدة ضد الجيش السوري، على ما تقول وزارة الدفاع الروسية.