Site icon IMLebanon

جثامين آل صفوان في رحلتهم الأخيرة: “يا ريت رحنا معك يا بابا”

 

كتبت ناتالي اقليموس في “الجمهورية”:

كالطيور التي ترقُص مذبوحة من شدّة الألم، رقصَت نسوة آل صفوان مع صوَر الضحايا وبكَين حتى عانَق نحيبُهم زرقة السماء، وجرَّح الدمع جفونَهنّ. أمس كانت العائلة على موعد مع استقبال جثامين العائلة، لا بل كانت على موعد مع وداعهم الأخير قبل مواراتهم الثرى اليوم.”راحوا شباب عادوا جثامين، معقول؟” تُناجي مايزة صفوان نفسَها العاجزة عن تصديق حجم خسارتها لأسرة شقيقها مايز وأولاده، مرّةً تضرب قدميها بكفّي يديها، ومراراً تلطم وجهها.

كطعم العلقم كان انتظار عودة جثامين عائلة صفوان السبعة: فايز صفوان (63 سنة)، مريم صفوان، ميلاني صفوان (42 سنة)، مايا صفوان، لين فايز صفوان (5 سنوات)، مصطفى اياد صفوان (13 سنة)، وحورية الخطيب صفوان (زوجة موسى صفوان)، الذين لاقوا حتفَهم إثرَ غرَق مركبهم قبالة الشواطئ التركية مطلع الأسبوع المنصرم.

وداع… بلا عناق

عند الساعة الثانية والنصف بعد ظهر أمس، وصلت الجثامين على متن طائرة تركية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. وسرعان ما علت التأوّهات وارتفع الصراخ بعد وصول الجثامين، وهرع الأقارب يقبّلون سيارات الصليب الأحمر السبع التي تقِلّهم. بنات ربّ العائلة مايز: ساندرا، زينب وميرنا، عجزنَ عن تصديق حجم خسارتهن.

بُحَّت حناجرهن وهنّ يناجين والدَهنّ: “يا بابا ليش تفِل بلا ما توَدّعنا”، “يا بابا كنت أخدتنا معك”، قبل أن تخونهنّ قواهنّ وينهَرن أرضاً. بدورها العمّة مايزة غلبَتها الفاجعة، فبدت ترجف عاجزةً عن السير لولا مساندة الشبّان لها.

إلى جانب العائلة المفجوعة، وفدٌ رسمي تقدَّمه وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر ممثّلاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير ممثّلاً رئيس الحكومة تمام سلام، النائب علي المقداد ممثّلاً “حزب الله”، الشيخ عباس زغيب ممثّلاً نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، يواسون ذوي الضحايا.

لمحاربة مافيات البشَر

في هذا الإطار، أوضَح خير لـ”الجمهورية” أنّ “الأجهزة تقوم بواجباتها وتحاول توقيف جميع المتورّطين في مثل هذه العمليات. توجيهات الرئيس سلام واضحة لكلّ الأجهزة الأمنية والدوائر الرسمية، من أصغر مؤسّسة إلى أكبرها، ممنوع اللعب بتجارة البشر، أمّا بالنسبة إلى المواطن الصالح الذي يبحث عن لقمة عيشه وأراد السفر فلا بدّ أن يسلك الطريق الواضحة والشرعية”.

وعمَّن يهاجر بطريقة غير شرعية، قال: “لا شكّ في أنّ ما من أحد يقبل بأن يُعرّض حياة أولاده للخطر ويُغرقهم. نتفهّم حاجات هؤلاء ورغبتهم في تحسين ظروف حياة عائلاتهم، لكن أنصح كلّ مواطن أن يفكّر بطريقة شرعية تضمن سلامة واستمرارية حياته”.

مصيبة جمعت اللبنانيين

من جهته، قال زعيتر: “المأساة التي أصابت عائلة صفوان أصابت كلّ لبنان، والمصيبة جمعت جميع اللبنانيين”، معتبراً أنّ “ما حدث يدفعنا إلى القول إنّ هذه الهجرة وطريقة السفر إلى دول أخرى لكسب العيش تدفع الكثيرين إلى السفر بطريق غير شرعية وغير مشروعة، وهناك مجموعات تحاول أن تستغلّ هؤلاء الأشخاص والعائلات التي تريد أن تهاجر بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكننا إنكار الموضوع، أضِف إلى ذلك واقع العمل على صعيد المؤسسات الدستورية المشلولة، مثل المجلس النيابي المعطل. وقد سمعنا صرخة الرئيس نبيه برّي للدعوة إلى التشريع”.

ودعا إلى انتظار التحقيقات لكشف الفاعلين، مع الإشارة الى أنّني عندما قلت المافيات قصدتُ المافيات الأجنبية، خصوصاً تلك التي تستغلّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها البلد، وهذه المافيات هي خارج لبنان”.

في وقتٍ تستعدّ العائلة اليوم لإقامة مراسيم الصلاة على روح الضحايا عند الساعة الثالثة في منطقة الأوزاعي، كانت قد استبقلت فجراً ناجيَين من أبنائها: مصطفى (23 سنة) وماهر (16 سنة)، فيما لا يزال مصير وائل (18 سنة) ومالك (8 سنوات) مجهولاً، والسلطات التركية تبحث عنهما في البحر.