يحدث أن يحصل خلاف داخل أروقة الإدارات العامة بسبب تضارب المصالح. إلا أن الخلاف بين وزارة الإتصالات وشركة “تاتش” حول إستئجار مبنى “كسابيان”، وهو المبنى الذي إقترحته الشركة ليكون مقراً لها في منطقة الشياح العقارية، ووافق وزير الإتصالات السابق نقولا صحناوي عليه، يفترض التوقف عنده قليلاً، نظراً لخصوصية وأهمية قطاع الإتصالات في لبنان من جهة، وبسبب الإخبار الذي قدم للنيابة العامة المالية على خلفية وجود هدر للمال العام من جهة أخرى.
وللغاية، طلب فتح التحقيق في هذا الشأن، لكشف المتورطين في عقد الإيجار والمسؤولين عن أي تبديد للمال العام، إلا أنه وإلى اليوم، لم تتخذ أي إجراءات قضائية في هذا الخصوص، و”تم تعيين موعد جلسة للإستماع الى المعنيين يوم الإثنين المقبل، للبحث في حيثيات هذه القضية”، وفق ما أكده النائب المالي العام القاضي علي إبراهيم، لـ”المدن”. وفي انتظار ما ستؤول إليه نتائج التحقيق، يعتبر إبراهيم، رداً على سؤال عن وجود أي ضغوط أو عقبات قد تعترض السير في التحقيق، أنه “من المبكر الحديث عن عقبات قد تعترض التحقيق في هذه القضية، إذ عادة ما يستجيب المعنيون في قضايا مشابهة”.
تحديد موعد الجلسة للتحقيق والبت في الإدعاء، يأتي في وقت تنفي فيه شركة “تاتش” مسؤوليتها عن هدر المال العام. وأشارت في بيان إلى “دور الوزارة الأساسي والرئيسي، وتوجيهاتها لجهة إستئجار المبنى في العام 2012، ثم بعد ذلك لجهة فسخ العقد الحالي”. بذلك تكون الشركة قد رفعت المسؤولية عن نفسها ورمتها على وزارة الإتصالات والوزير صحناوي الذي وافق على إستئجار المبنى المذكور، ومن ثم عاد ليمتنع عن صرف الأموال اللازمة لتأهيله. ووفقاً للشركة، فإن التفاوض قد جرى بطريقة مباشرة بين الوزارة والمالك وجرى الإتفاق على كامل بنود العقد. وتشير المسؤولة الإعلامية في الشركة، غادة بركات، لـ”المدن”، إلى أن “القضية أصبحت أمام النائب المالي العام، المسؤول عن تبيان الوقائع، على أمل طي هذا الملف بطريقة عادلة”.
من ناحيته، يجد وزير الإتصالات السابق شربل نحاس، أنّ “النزاعات المالية، قد تحصل في مختلف الإدارات العامة، ولكن هذا النوع من النزاعات ما كان ليحصل لو كان عقد الإدارة يُحمّل الشركتين اللتين تديران شبكتي الخلوي في لبنان مسؤولية مالية”، بما معناه أن تخضع الشركة لقاعدة الربح والخسارة، وعندها فقط تصبح حريصة على منع وجود أي مصاريف إضافية لا جدوى منها. واشار نحاس لـ “المدن” الى انه “بمجرد كون عقود الإدارة لا تشمل كامل الإنفاق، أصبحت الشركة تتقاضى مبلغاً مقطوعاً لا يتأثر بأية مصاريف إضافية، فيما تتكبد الدولة كامل المصاريف”، ما فتح الباب وفق نحاس “لمسائل من هذا النوع”. نحاس الذي رفض خلال توليه وزارة الإتصالات في العام 2011، إستئجار المبنى المذكور، يجد أن الحل لمثل هذه النزاعات، يكون بتعديل بنود العقد مع الشركات المشغلة للشبكتين. متسائلاً عن سبب “عدم الإستفادة من العقارات التي تمتلكها وزارة الإتصالات تحديداً في منطقة الدكوانه، والتي تستخدم حالياً كمستودعات، فيما تصلح لتكون مقراً للشركات المشغلة لشبكتي الخلوي”، وبذلك تكون الوزارة قد تفادت دفع بدلات إيجار تصل إلى نحو مليون ونصف المليون دولار سنوياً للشبكة الواحدة.
لم يقتصر سبب طلب الوزير حرب فسخ العقد مع صاحب مبنى “كسابيان” على هدر المال العام والذي قد يتخطى العشرين مليون دولار، إنما أيضاً بسبب إعتبارات المبنى السياسية والأمنية، إذ يقع في منطقة خاضعة لحزب الله، وفق ما تناقلته معلومات صحافية، الأمر الذي نفاه حرب قائلاً: “أي كلام عن هذه الإعتبارات لا يمت إلى الحقيقة بصلة” وقرار فسخ العقد يعود إلى “أسباب تتعلق بصلابة البناء”، لاسيما أن الوزير صحناوي امتنع عن متابعة تنفيذ العقد، وعليه خلص حرب إلى أن “استئجار المبنى كان خطأ فادحاً، سيكلف الإنتقال إليه أموالاً طائلة تتحملها الخزينة العامة”، ولذلك طلب الى شركة “تاتش” بأن تبحث عن مبنى آخر.
الحديث عن التحقيق في صفقة تحوم حولها الشبهات، إذا ما ثبت وجود هدر في المال العام، خطوة جيدة، ولكن البحث عن مبنى جديد سيكون له نتائجه السلبية أيضاً، إذ ستتكبد الخزينة تكاليف إضافية، ما يعتبر هدراً إضافياً للأموال العامة. إذ أن وزارة الإتصالات التي وافقت على دفع بدلات الإيجار ولم تزود الشركة بالميزانيات المطلوبة لإشغال المبنى فعلياً، دفعت بدلات إيجار مضاعفة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي بدلات إيجار للمبنى الذي تشغله “تاتش” حالياً، وبدلات مبنى “كسابيان”. إضافة إلى أنها ستكون مضطرة إلى دفع “تعويض” لصاحب المبنى بعد فسخ العقد.
تجدر الإشارة إلى أن شركة “تاتش” أصرّت على إستئجار مبنى “كسابيان” بالرغم من إرتفاع بدل الإيجار المعروض، وعوض عن أن تفتش الشركة عن أبنية حديثة صالحة للإيجار، عادت وطالبت صحناوي باستئجار المبنى ذاته، إنما بنصف بدل الإيجار الذي كان معروضاً سابقاً من صاحب مبنى “كسابيان” وهو 2.2 مليون دولار سنوياً، حتى باتت كلفة الإيجار مساوية للإيجار الذي تدفعه شركة “تاتش” الآن. والحال أنه عند استلام حرب الوزارة، طلب فسخ العقد مع صاحب المبنى بسبب الملابسات الكثيرة التي رافقت الصفقة. وبدأ الحديث عن هدر 30 مليون دولار في هذه الصفقة، إذ وجد البعض أن على حرب المضي بهذه الصفقة كون الوزارة دفعت تكاليف مرتفعة، ويفترض تفادي دفع تكاليف اضافية. إذ أنه تم دفع 8 ملايين دولار من قيمة الصفقة، وسيتم إجراء تسوية مع مالك المبنى في حال فسخ العقد، وستضطر الدولة لدفع نحو 10 ملايين دولار، والبحث عن مبنى أخر ستكون كلفته مرتفعة أيضاً. من وجهة نظر الشركة، فإن المبنى لا يزال حتى اللحظة يشكل حاجة حيوية، إذ وفّر مساحة إضافية تزيد على 1200 متر مربع، لقاء بدلات إيجار سنوية، تقارب البدلات العائدة للمبنى الحالي. وبرأيها، فإن هدر المال العام حصل عندما أخرّت الوزارة الإنتقال الى المبنى الجديد واستمرت في دفع بدلات إيجار للمبنى الرئيسي ومبنى “كسابيان”.