IMLebanon

اعترافات أمير “داعش” الشرعي

 

isis

 

 

لم يعد “توأم داعش” يسرح ويمرح داخل مخيّم عين الحلوة ولا يتنقّل من لبنان إلى سوريا للقاء قياديي التنظيم. إذ إنّ الأمن العام أوقع في قبضته خلال هذا الشهر التوأم: زياد وجهاد كعوش (مواليد 1991). هما اثنان من أهمّ الكوادر القياديّة في “داعش” العاملين داخل مخيّم عين الحلوة: الأوّل، هو عضو اللجنة الشرعية في المخيّم الذي قبض عليه أثناء محاولته السفر بتاريخ 5 تشرين الأوّل الحالي إلى قبرص مروراً بتركيا للقاء القيادي في “داعش” المدعو “أبو أيوب العراقي”. والثاني، هو جهاد المسؤول الشرعي داخل المخيّم الذي أوقفه مكتب الأمن القومي في الأمن العام في الجنوب في ضوء اعترافات شقيقه.

هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة إنجازات المديريّة العامّة للأمن العام لتجنّب لبنان عدد من السيناريوهات الجهنمية التي كان “داعش” يخطّط لها لاستهداف الضاحية الجنوبية وثكنات الجيش وحواجزه وباقي المؤسسات العسكرية والأمنية.

المهام الموكلة إلى الأخوين كعوش لا تعدّ ولا تحصى، ليعود إليهما “الفضل” في تشكيل هيئة استشاريّة داخل عين الحلوة خلال شهر كانون الأوّل 2014، عدّلت لاحقاً لتصبح غرفة عمليّات موحّدة بناءً لاقتراح محمّد علي جوهر الملقّب بـ “أبو الزبير” (شقيق اللبناني عبد الغني جوهر الذي قتل في حمص عام 2012) وبأمرٍ من القيادي اللبناني في “داعش” (يقاتل إلى جانب التنظيم) محمّد عمر الإيعالي الملقّب بـ “أبو البراء اللبناني”.

يذكر أن الايعالي مكلّف من قبل قيادة “داعش” في القلمون بمهمّة متابعة ملفّ المجموعات في عين الحلوة، وكان ينسق مع جهاد كعوش، فيما جوهر مكلّف برئاسة اللجنة الأساسية لغرفة العمليات ومن مهامها تنظيم عمل العناصر والتنسيق بين المجموعات.

غرفة عمليات موحدة

ولغرفة العمليّات الموحّدة مهمّة تنظيم عمل العناصر والمجموعات التي تحمل فكر “داعش” داخل عين الحلوة ودمجها في مجموعة موحّدة والتنسيق بين اللجنة الأساسية في المخيّم والمجموعات المنتمية إلى “داعش” والمنتشرة في باقي المناطق والمخيّمات ولا سيما مخيمات بيروت (مار الياس، برج البراجنة، صبرا وشاتيلا).. إلا أنّ هدف الغرفة الأوّل يكمن في ربط المخيمات بعضها بالبعض الآخر بغية تشكيل إمارة إسلاميّة. والأهمّ هو استهداف شخصيات سياسية لبنانيّة وفلسطينيّة ومراكز عسكريّة ودور عبادة، خصوصاً أن الغرفة كانت تتلقّى التمويل عبر “أبو الزبير” الذي يتسلمّها من قياديي التنظيم في سوريا عبر مكاتب التحويل في لبنان أو تركيا.

ويبدو جدول أعمال الغرفة الموحّدة متخماً بالأهداف، التي كان عناصرها يخطّطون لتنفيذها وبينهم جهاد كعوش الذي جرى استفتاءه بصفته المسؤول الشرعي لـ “داعش” في عين الحلوة.

اغتيال أسامة سعد

واعترف الأخوان كعوش أثناء التحقيق معهما من قبل الأمن العام أنّ التنظيم داخل المخيّم يجهد للقيام بأعمال إرهابيّة بواسطة انتحاريين وسيارات مفخّخة أو اعتداءات مسلّحة، تستهدف منطقة الضاحية الجنوبيّة خلال إحياء المناسبات ومنها مراسم عاشوراء.

وكان تنظيم “داعش” بدأ يعدّ العدة لاغتيال الأمين العام لـ “التنظيم الشعبي الناصري” الدكتور أسامة سعد عن طريق استهدافه بواسطة سيارة مفخّخة. هذا المخطّط رسمه زياد كعوش منذ حوالي العام بالتعاون مع الفلسطيني محمد المقدح الذي تمّ تكليفه برصده، فيما كلّف الفلسطيني هشام قدور بالتنفيذ كونه خضع لعمليات تدريب على مثل هذه العمليات في سوريا.

كما بدأ “داعش” منذ شهر أيلول الماضي بالتخطيط لاستهداف القيادي الفلسطيني في عين الحلوة محمود عيسى الملقّب بـ “اللينو”، بعد أن باشروا الإعداد لاستهداف “مجمع الزهراء” في صيدا منذ آذار الماضي.

“عملية انغماسية”.. ضد الجيش

وليست هذه العمليّات وحدها التي كانت على أجندة كوادر “داعش” في عين الحلوة، وإنّما خلال هذا العام وبعد أحداث سجن رومية (في نيسان الماضي)، والاستحصال على أحزمة ناسفة من قبل الفلسطيني يحيى أبو السعيد (من حيّ الطوارئ وتابع لهيثم الشعبي)، تحضّر الفلسطيني محمّد المقدح (مواليد 1993) وهشام قدور الملقّب بـ “هشام أبو هريرة” (مواليد 1996) وبتحريض من عضو اللجنة الأساسية في الغرفة الموحدة الفلسطيني محمد هلال الملقّب بـ “أبو عبد الرحمن الأنصاري” لتنفيذ عمليّة انغماسيّة مزدوجة (اشتباك ثمّ تفجير نفسيهما): الاوّلى، عند حاجز الجيش اللبناني على أحد مداخل المخيّم المعروف بـ “حاجز النبعة” والثانية على حاجز الجيش في التعمير.

وقام المقدح وقدور باستشارة جهاد كعوش لتنفيذ العمليتين، ليؤكد لهما أنّ “هذا العمل جائز ومبارك”، ولكن نصحهما بعدم التنفيذ في الوقت الحاضر لأن الظروف غير ملائمة ما يعني أن الضرر الناتج عنه والذي سيلحق بالتنظيم أكبر من فوائده.

وبرغم الفتوى الشرعيّة التي أصدرها كعوش، فإن ذلك لم يمنع المقدح من مغادرة المكان باكياً وهو يردّد بأنّه يريد تقديم عمل يخدم فيه الحالة الإسلاميّة في ظلّ هذا الخنوع وتخلي الجميع عن واجبهم الجهادي.

تفجير ثكنة محمد زغيب

هذا “اليأس” الذي أصاب المقدح ناتج أيضاً عن إلغاء العمليّة التي كُلّف بها سابقاً بتفجير نفسه في ثكنة محمد زغيب التابعة للجيش في صيدا “ثأراً لأهل السنة في الشمال بعد معارك طرابلس وبحنين”. استحصل ابن الـ22 عاماً على حزام ناسف من “أبو السعيد” وحضّر نفسه للمهمّة، غير أنّ الاشتباك الذي حصل بين الجيش وعناصر متطرفة في منطقة التعمير آنذاك منعه من الخروج من المخيّم.

كذلك، كان من المفترض أنّ ينفّذ التنظيم عملية عند حاجز الجيش في منطقة التعمير تقضي بمهاجمة عناصره بالأسلحة الرشاشة رداً على اعتقال سجى الدليمي طليقة أبو بكر البغدادي. استحصل “أبو عبد الرحمن الأنصاري” والفلسطيني عصام أبو خشب (مواليد 1987) على “مباركة” المسؤول الشرعي كعوش للعمل أثناء وجوده في “مسجد الزبير” داخل المخيم، وحضّرا لتفاصيل العمليّة قبل أن يتمّ منعهما من تنفيذها من قبل هيثم الشعبي وجماعة “جند الشام” كون هذه المنطقة خاضعة لهم.

تهريب “دواعش” من الشمال إلى المخيّم

ومن أهمّ اعترفات “توأم داعش”، أنّ “أبو البراء اللبناني”، وخلال تواجده في قبرص، طلب منهما إثر معارك طرابلس تأمين منازل آمنة للفارين إلى عين الحلوة.

وبالفعل، تواصل جهاد مع والد “أبو البراء” المدعو عمر الإيعالي (خبأ في منزله في طرابلس العديد من المطلوبين) عبر “سكايب” وطلب منه الأخير تأمين 6 بطاقات مزورة لكوادر من “داعش” كانوا يقاتلون في طرابلس:

طارق الخياط الملقّب بـ “أبو عبدالله الأردني” وابنه عبدالله الخياط (مواليد 1996- موقوف) ومصطفى الصيادي الملقّب بـ “أبو بكر صيادي” (قتل في عين العرب بداية 2015)، وابراهيم بركات (موقوف).

وقد استحصل جهاد من الفلسطيني توفيق طه الملقّب بـ”أبو محمّد” على 4 بطاقات هوية لبنانية وبطاقتين خاصتين باللاجئين الفلسطينيين مزورة وبأسماء وهميّة، ليسلّمها لاحقاً إلى الإيعالي في محلّه في منطقة القبّة بحضور بركات والخيّاط.

وخلال تشرين الثاني 2014، قام يحيى المنصور الملقّب “أبو محمّد عبد الحي” وجهاد كعوش بالتنسيق مع “أبو البراء اللبناني” بتسهيل وصول مي شاكر الملقّبة بـ “أم هشام” (مواليد 1973) إلى المخيّم، ونقل طارق الخياط من الكولا إلى عين الحلوة، حيث تمّ إيواؤهما في منزل عماد ياسين قبل أن يغادرا بعد أشهر إلى تركيا ومنها إلى الداخل السوري.

إلى ذلك، قال مصدر رفيع في الامن العام لصحيفة “الجمهورية” إن توقيف المسؤول الشرعي لتنظيم “داعش” في مخيم عين الحلوة مع آخرين يعتبر العملية الاولى التي تُكشَف فيها خيوط لـ”داعش” ذات تواصل مباشر مع التنظيم في “إمارة الرقة”.

وكشف أنّ القاضي الشرعي في “داعش” الفلسطيني زياد فضل كعوش وشقيقه جهاد غادرا لبنان منذ مدة عبر سوريا وعادا إلى مخيم عين الحلوة بأوامر مباشرة لـ”والي الرقة” الذي اجتمعا به في مقر “ابو ايوب” العراقي، بتنفيذ تفجيرات في ثكنة صيدا وعلى حواجز الجيش عند مداخل عين الحلوة والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية في صيدا وربط مخيمات لبنان الفلسطينية بعضها ببعض لتكوين “شبه إمارة إسلامية” عوضاً عن “إمارة طرابلس” التي أحبطها الجيش اللبناني.

وعلى صعيد متصل، ذكرت صحيفة “الأخبار” أن اعترافات “خلية عين الحلوة” ، المرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية”، كشفت أنها كانت تخطط لاستهداف مراسم عاشوراء في الضاحية واغتيال النائب السابق أسامة سعد والقيادي الفتحاوي “اللينو” وتفجير ثكنة الجيش وضرب حواجزه في صيدا واستهداف مجمّع الزهراء في المدينة.

وبحسب المعلومات، بدأت القصة قبل أشهر عندما رصد أحد الأجهزة الأمنية نشاطاً ملحوظاً لتنظيم “الدولة الإسلامية” في المخيم، بما يشير الى “التحضير لعمل أمني كبير”.

وعليه، وُضِع في دائرة الشبهة سبعة أشخاص، معروفون بالأسماء والألقاب، كانوا قد بايعوا “الدولة”. كذلك وردت معلومة أُخرى تفيد بأن الخلية نفسها تنشط على خط استقطاب وافدين جُدد، وقد نجحت في ضم العديدين، مستفيدة من حيازتها المال. وقد عرض أفراد الخلية البيعة على شخصيات إسلامية بازرة في المخيم، لكنها رفضت، علماً بأن بينها من يدور في فلك تنظيم “جبهة النصرة” و”كتائب عبدالله عزام”. المعلومات الأمنية رجّحت أن الخلية كانت تهيئ لعمل أمني يكون فاتحة لإعلان ولادة فرع للتنظيم المتشدد في لبنان.

وكان اسم جهاد كعوش، وهو شابٌّ فلسطيني لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، يتردد بوصفه “الأمير الشرعي” لهذه الجماعة. وقد حصّل كعوش علومه الدينية في الجزائر وتتلمذ على أيدي مشايخ من مشارب مختلفة هناك. وهو نشط، إلى جانب شقيقه زياد، في “الدعوة والتبليغ” في عدد من البلدان. ويجمع من يعرفونه في المخيم على أنه “خلوق وهادئ، وكان ناشطاً في مجال الدعوة، ولا يُعرف عنه أي نشاط عسكري”.

وتتردّد في المخيم رواية موحدة مفادها أن “الأمن العام أوقف زياد في مطار بيروت أثناء عودته من تركيا، وأن الجهاز اتّصل بجهاد طالباً منه الحضور إلى المركز للاستيضاح منه حيال شقيقه الموقوف، فلبّى على الفور وذهب إليهم بقدميه”. وهنا يسأل مقربون من الموقوفين: “كيف يُعقل أن يذهب مطلوب بهذا الحجم بقدميه إلى مركز الأمن”، علماً بأن رواية الأمن العام تُفيد بأن عناصره استدرجوا المطلوب إلى خارج المخيم حيث أُوقف.

“الأمن مُستتب والمخيم بخير”، خلاصة تُجمع عليها قيادات مخيم عين الحلوة، ولا سيما المحسوبة على “تجمّع الشباب المسلم”، أي ائتلاف الشبان المطلوبين الذين يدورون في فلك التيار السلفي الجهادي. ينقل أحد القياديين لـ”الأخبار” أن “الاتفاق الأخير قضى بشكل جازم بوقف عمليات الاغتيال وقد حصلنا على تعهّدات من جميع الشبان بالحفاظ على الهدوء وعدم المبادرة إلى أي عمل أمني قد يضرب أمن المخيم أياً كان السبب”.