IMLebanon

غصن: لقيام دولة عادلة تأمر بالمساواة وتفرض تطبيق القوانين على اتفاقيات العمل

ghassan-ghosn
ألقى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن كلمة في الدورة التدريبية حول “المفاوضة الجماعية” التي أقيمت في فندق “كورال بيتش”، برعاية منظمة العمل العربية، بحضور المدير العام لمنظمة العمل العربية فايز المطيري ممثلا بالوزير المفوض مدير الحماية الاجتماعية حمدي أحمد، ممثلي وزارة العمل وجمعية الصناعيين وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان والاتحاد العمالي العام.

واستهل غصن كلمته بالمحديث عن ماهية المفاوضات الجماعية والمبادىؤ التي ترتكز عليها، فأوضح أن “المفاوضات الجماعية هي واحدة من الركائز الأساسية لمنظمتي العمل العربية والدولية وهي تشكل جزءا أساسيا في تنظيم علاقات العمل من خلال الحوار الاجتماعي. غير أن تضارب المصالح بين أطراف الإنتاج تجعل المفاوضات الجماعية لا تخلو من النزاعات مما يستوجب وضع آليات لتسوية هذه النزاعات ووضع قواعد فعالة لتجنبها وهذا ما استدعى انتباه منظمة العمل الدولية فلحظت في المادة الثامنة من اتفاقية علاقات العمل الدولية رقم 151 كذلك الأمر بالنسبة لاتفاقية العمل العربية رقم 6: على وجوب أن “تجري تسوية المنازعات الناشئة عن تحديد شروط وظروف الاستخدام بما يتناسب مع الظروف الوطنية عن طريق التفاوض بين أطراف الإنتاج أو عن طريق آلية مستقلة غير متحيزة مثل الوساطة والتوفيق والتحكيم التي تنشأ بطريقة تحظى بثقة الأطراف المعنية”.

وأشار الى “ما يؤدي إلى دعم المفاوضات الجماعية والعلاقات الصناعية وعلاقات العمل السليمة بما يتفق مع المبادىء والحقوق الأساسية في العمل، وفي هذا الإطار أقرت منظمتي العمل العربية والدولية مجموعة اتفاقات ناظمة تتعلق بالحريات النقابية وحق التنظيم – الاتفاقية الدولية رقم 87 والاتفاقية العربية رقم 8 وكذلك الاتفاقية رقم 98 الصادرة عن منظمة العمل الدولية العام 1949 بشأن تطبيق مبادىء حق التنظيم والمفاوضات الجماعية. فقد أكدت الاتفاقية 87 الدولية والاتفاقية العربية رقم 8 على المبادىء التالية:
– للعمال وأصحاب العمل دون أي تمييز الحق في إنشاء نقاباتهم دون ترخيص مسبق وكذلك في إنشاء اتحادات نقابية عامة والانضمام إليها والى الاتحادات النقابية الدولية.

– لمنظمات العمال وأصحاب العمل الحق في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية وانتخاب ممثليها بحرية كاملة وتنظيم إدارتها وأنشطتها وإعداد برامج عملها وكل ذلك دون أي تدخل من السلطة العامة بما يقيد أو يعيق هذا الحق وممارسته المشروعة ودون أن يكون للسلطة الإدارية الحق في حل هذه المنظمات أو وقف نشاطها.

– أن يحترم العمال وأصحاب العمل ومنظماتهم قوانين الدولة في ممارستهم لهذه الحقوق وأن تتخذ الدولة التدابير اللازمة لضمان ممارسة النقابات حقها في التنظيم بحرية تامة”.

ولفت الى أن “الاتفاقية 98 أكدت على المبادىء التالية:
“أولا: أن يتمتع العمال بالحماية من أي عمل ينطوي على تمييز في مجال الاستخدام بسبب انتمائهم النقابي وبشكل خاص جعل استخدامهم مشروطا بعدم الانضمام إلى نقابة أو مشروطا بتخليهم عن عضويتها أو إنهاء خدمات أي منهم أو الإساءة إليه بسبب الانضمام إلى نقابة أو ممارسة أنشطة نقابية خارج أوقات العمل أو بموافقة صاحب العمل خلال أوقات العمل.

ثانيا: حماية منظمات العمال وأصحاب العمل من تدخل بعضها في شؤون الآخر وبشكل خاص تشجيع إنشاء نقابات عمالية تخضع لسيطرة أصحاب العمل.

المفاوضات الجماعية – الاتفاقية الدولية رقم 154 والاتفاقية العربية رقم 11. تعتبر اتفاقية العمل الدولية رقم 154 واتفاقية العمل العربية رقم 11 بشأن المفاوضات الجماعية أحدث وأهم الاتفاقيات الدولية والعربية التي عالجها هذا الموضوع بشكل متخصص إضافة إلى ما ورد في الاتفاقية رقم 98 بشأن مبادىء حق التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية التي تعتبر أحد الاتفاقيات الثماني الأساس في منظمة العمل الدولية (COR-CONVENTION) التي تمثل حقوق الإنسان في العمل حسب مفهوم الاتفاقية الدولية رقم 154 والاتفاقيات العربية رقم 11 ورقم 8، فإن المفاوضات الجماعية تهدف إلى ما يلي:
1- تحديد شروط العمل وأحكام الاستخدام.
2- تنظيم العلاقات بين أصحاب العمل والعمال.
3- تنظيم العلاقات بين أصحاب العمل أو منظماتهم النقابية أو اتحادات ونقابات العمال”.

وذكر أن “الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالمفاوضات الجماعية فرضت على الدول اتخاذ إجراءات تتلاءم مع الظروف الوطنية بقصد تشجيع وتنمية وتطبيق آليات وإجراءات واسعة المدى للتفاوض الاختياري تتناسب مع الظروف الوطنية والاتفاقيات الدولية رقم 98 – ورقم 151 ووضعت الاتفاقية رقم 154 والاتفاقية العربية رقم 61 عددا من الأهداف التي تسعى الأطراف المعنية إلى بلوغها من خلال تشجيع المفاوضات الجماعية وهي:
1- تسيير إمكانية المفاوضات الجماعية لجميع العمال وأصحاب العمل.
2- تشجيع وضع قواعد إجرائية بالاتفاق بين منظمتي العمل ومنظمات أصحاب العمل.
3- عدم إعاقة المفاوضات الجماعية لأسباب تتعلق بقواعد الإجراءات الخاصة بها.
4- تشكيل هيئات ووضع إجراءات لتسوية نزاعات العمل بما يساعد على تعزيز المفاوضات الجماعية”.

وأوضح أن “الاتفاقية 135 بشأن ممثلي العمال أوجبت تقديم التسهيلات اللازمة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم بسرعة وفعالية ومن ذلك منحهم الوقت الكافي لممارسة نشاطهم دون أن يؤثر ذلك على مقدار أجورهم أو حقوقهم والسماح لهم بدخول أماكن العمل المختلفة في المؤسسة التي يعملون بها أو في أي مؤسسة أخرى يعمل بها أعضاء من نقابتهم، وأوجبت هذه الاتفاقية حمايتهم من أي تصرفات تضر بهم بسبب وضعهم أو نشاطهم كممثلي للعمال. كما وضعت التوصية رقم 91 بشأن الاتفاقيات الجماعية عددا من القواعد الخاصة بالاتفاقيات الجماعية التي تبرم بين العمال وأصحاب العمل أهمها: ضرورة وضع آلية للتفاوض بموجب اتفاق أو بموجب القانون أو اللوائح الوطنية، إن الاتفاقيات الجماعية تعتبر ملزمة للأطراف الموقعين عليها ومن يمثلون، لا يجوز مخالفة الاتفاق الجماعي إلا إذا كان أكثر فائدة للعمال وضع مدة زمنية تعتبر خلالها الاتفاقية ملزمة إلا إذا تم الاتفاق على فسخها أو مراجعتها، ووضع قواعد لتسجيل الاتفاقيات أو إيداعها”.

وعن العقبات التي تواجه المفاوضات الجماعية وسبل التغلب عليها، قال غصن: “هذه العقبات متعددة ومتشعبة ويكفي القول ان اختلاف المصالح لا بل تضاربها في الكثير من الأحيان يؤدي إلى نزاعات جماعية تهدد العلاقات بين أطراف الإنتاج لا بل الاستقرار الاقتصادي وحركة الإنتاج ليس فقط على مستوى المنشأة بل على المستوى الوطني أيضا، خصوصا إذا سبق ذلك مطالبات عدة أدت إلى سلسلة من الاعتصامات والإضرابات والتظاهر مما انعكس سلبا على العلاقات الصناعية وعلى مستوى المنشأة وعلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وعلى المستوى الوطني، مما استوجب تعزيز قدرات كل من الحكومة وأصحاب العمل والعمال لحل هذه النزاعات التي كما تتناول الوضع المعيشي ومسألة تصحيح الأجور وزيادة التقديمات الاجتماعية أو تتعداها لتطال السياسات الحكومية خصوصا في مواضيع خصخصة القطاع العام أو النظام الضريبي أو سلسلة الرتب والرواتب وغيرها ما لا مجال لعرضها كنزاعات العمل القطاعية أو خلافات العمل في المؤسسات أو حول البرنامج المطلبي للاتحاد العام للنقابات على المستوى الوطني فضلا عن دور الهياكل الثلاثية في تعزيز الحريات النقابية والمفاوضات الجماعية وكذلك إصلاح قوانين العمل”.

أضاف: “في حين أن من الضروري وجود تشريعات ترتكز عليها الحريات النقابية والمفاوضات الجماعية، فإن قدرة الحكومة على إنفاذ هذه التشريعات لها أهميتها الحاسمة بنفس القدر ويعتمد ذلك على توفر إدارات للعمل تقوم بدورها ويتوافر لها ما يكفي من الموظفين والمعدات والمهارات والتدريب من أجل ضمان فعالية التنفيذ والقدرة بهذا المفهوم لا تشمل فقط إعداد كادر الوظائف المدرجة والموظفين الذين يتمتعون بالمهارات، ولكن أيضا الصلاحيات الممنوحة لمفتشي العمل ودورهم في ضمان تطبيق القوانين وإنفاذها من أجل حماية الأعداد المتزايدة للعمال ذوي الأوضاع التعاقدية المخالفة للقانون والتشجيع على تسوية نزاعات العمل والتحكيم بصورة فاعلة وعادلة”.

وشدد على أن “تعزيز الحريات النقابية والمفاوضات الجماعية يعتمد أيضا على قدرات منظمات أصحاب العمل والنقابات العمالية”.

وقال: “بالنسبة لمنظمات أصحاب العمل: لا بد لهذه المنظمات أن تكون قادرة على معالجة القضايا المتصلة بالحق بالتنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية وتسوية النزاعات، وبالإضافة إلى ذلك فإن من الضروري أن يتمكن أصحاب العمل ومنظماتهم من فهم تشريعات العمل والقوانين وأنظمة الضمان الاجتماعي والآليات اللازمة لإنفاذها. أما بالنسبة للعمال ونقاباتهم، فإن هذه القدرة تنطوي على التمكن من التنظيم واجتذاب الأعضاء وتمثيل مصالحهم وحماية حقوقهم ولا تقتصر هذه القدرة فقط على فهم تشريعات العمل والأنظمة والقوانين ذات الصلة وكيفية تنفيذها، ولكنها تتطلب أيضا معرفة كيفية مواجهة المظالم والتصدي لها وإجراء المفاوضات في المؤسسات وعلى مستوى الاتحادات القطاعية والمهنية وكذلك على الصعيد الوطني من خلال الاتحاد العام”.

أضاف: “لكي تتفاوض النقابات العمالية واتحاداتهم بصورة فعالة ومجدية مع الحكومات وأصحاب العمل، ينبغي أن توفر لها القدرة على متابعة وتحليل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك وجود شركاء يتمتعون بطابع تمثيلي فعال من أجل تحقيق أهداف التفاوض فضلا عن تنظيم دورات دراسية لكوادر نقابية ناشئة”.

وعرض غصن دور الهياكل الثلاثية في تعزيز الحريات النقابية والمفاوضات الجماعية، فقال: “هناك الكثير من المواضيع التي تحتاج معالجتها على أساس ثلاثي عبر المؤسسات الثلاثية التكوين المشكلة من الدولة وأصحاب العمل والعمال كتعيين الحد الأدنى للأجور ونسب غلاء المعيشة كما في لبنان من خلال لجنة المؤشر وكذلك مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية للاستخدام ومجالس العمل التحكيمية لحل نزاعات العمل الفردية واللجنة التحكيمية، فضلا على القضايا المتعلقة بالحياة العملية، بالإضافة إلى اللجان الاستشارية التي تمكن أطراف الإنتاج الثلاثة من الوصول عبر التفاوض إلى إدماج الحق في التنظيم النقابي والمفاوضات الجماعية في الإطار المؤسساتي مما يهيىء الظروف الملائمة لثقافة المفاوضات الجماعية”.

وأشار الى “دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو الإطار الأوسع للحوار الاجتماعي بما يشمله من ممثلين عن الحكومات وعن الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة والمعلمين والمزارعين، فضلا عن الخبراء والمختصين في مختلف المجالات التنموية والبيئية والثقافية”، لافتا الى أن “المجلس الاقتصادي يقدم المشورة للحكومة بشأن الخطوط الرئيسية للسياسة الاجتماعية، كما أن المجلس النيابي يعتمد على الرأي الاستشاري الذي يقدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ويتناول المجلس الاقتصادي الاجتماعي خطة النهوض الاقتصادي التي تتناول التطورات الاجتماعية والاقتصادية والضمان الاجتماعي والعلاقات في سوق العمل ومخرجات التعليم والتنمية المستدامة والمؤسسات الوسطى والصغرى وغيرها من المواضيع”.

وعن إصلاح قوانين العمل، قال: “بعد قانون العمل الأساس الذي يقوم عليه احترام الحريات النقابية والاعتراف الفعال بالحق بالمفاوضات الجماعية ويقوم التشريع الوطني بترجمة هذه المبادىء إلى حق قانوني قابل للتنفيذ ويوفر أيضا الحماية في الحالات التي لا تتمكن النقابات العمالية عن الدفاع عن هذه الحقوق، وينبغي أن تكون التشريعات العمالية قادرة على التطور لتعكس الثغرات الاجتماعية الاقتصادية بما يؤدي إلى صياغة قوانين تواكب الأثر الاقتصادي الاجتماعي لهذه المتغيرات بالتشاور بين أصحاب العمل ونقابات العمال بما يعزز أطر التفاوض الجماعي وصياغة لوائح تفصيلية لضمان الحريات النقابية وسن أحكام تتعلق بالمساواة بين الجنسين، وكذلك بما يتعلق بالاستخدام والتدريب المهني والضمان الاجتماعي ومبادىء وشروط الصحة والسلامة المهنية”.

وأكد أن “أهداف المفاوضات الجماعية توفر العمل اللائق”، وقال: “لا بد في ختام هذا البحث أن نتناول الأهداف التي تصبو إليها مفاوضات العمل الجماعية التي تسعى في الأساس لتوفير العمل اللائق للعمال والتي من دونها لا يمكن التحدث عن العمل بما يؤمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجراء والتي نعتبرها صمام الأمان الذي يحقق الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير فرص العمل، لتأمين العيش الكريم للعامل وأسرته، وصيانة الحقوق الأساسية في العمل يجب أن تتم بمشاركة فعالة للعمال في صياغة تشريعات تضمن المساواة، وتمنع التمييز، وتحترم الحريات النقابية، وتصون الكرامة الإنسانية، وتؤمن الأجر العادل، بعيدا عن الاستغلال والسخرة وكذلك توسيع مظلة الحماية الاجتماعية والتأكيد على أن الرجال والنساء يعملون بشروط عمل آمنة تتيح لهم أوقات الراحة وتقدم تعويضا مناسبا في حال انخفاض الدخل أو ارتفاع معدلات التضخم من خلال تصحيح دوري للأجور فضلا عن تأمين رعاية صحية مناسبة”.

أضاف: “ان التفاوض الجماعي يعزز الحوار الاجتماعي وهو أقصر السبل لتفادي النزاعات الفردية والجماعية خصوصا إذا ما توفرت مؤسسات ثلاثية التكوين ذات أطر قانونية تؤمن الحوار من خلال منظمات أصحاب عمل فاعلة ونقابات عمالية قوية وحكومات عادلة تؤمن التوازن الاجتماعي وتعمل على حل الخلافات بما يؤدي إلى استقرار علاقات العمل وبناء مجتمعات متماسكة بعيدا عن الممارسات العقيمة والتهويل والترغيب والتدجين للسلطة والحكومة للنيل من الحركة النقابية والسعي إلى شرذمتها أو تقسيمها وتفتيتها بضرب وحدتها”.

وختم: “بناء على ما تقدم يمكننا أن نؤكد على أن المعوقات التي تواجه المفاوضات الجماعية ممكن التغلب عليها إذا ما اتفقنا على أن حق الاختلاف هو المرتكز الأساس للحرية والتي تتجلى من خلال الحوار الاجتماعي لبلوغ العدالة الاجتماعية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالاستقلالية التي تتمثل بالممارسة الديموقراطية. وهذا ما يستوجب قيام دولة عادلة تأمر بالمساواة وتنحاز الى جانب الحق وتفرض تطبيق القوانين القائمة على مبادىء واتفاقيات العمل العربية والدولية بما يحقق العمل اللائق الذي هو الغاية المرجوة من المفاوضات الجماعية”.