كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”: يناقش الوزراء في لبنان كل شيء، إلا أزمات لبنان الحياتية. منذ شهرين، تتفاقم أزمة النفايات، ومعها كمية من المشاكل البيئية والصحية والازمات التربوية والعمالية. والجميع يتذرع بعدم انعقاد الحكومة
هل ينفع، بعد، الكلام عن الحوار وانتخابات رئاسة الجمهورية والحكومة المعطلة والتعيينات الامنية في بلد يهترئ اجتماعياً واقتصادياً وطبياً وصحياً وبيئياً؟ وفي خضم التصريحات والتحليلات وقراءة ما سيؤول إليه الوضع الداخلي وتقاطعه مع الحرب السورية والتدخل الروسي فيها، هل الأجدى الحديث عن كل هذه الملفات أم الذهاب الى السؤال عن الوضع المهترئ من زاوية أن ما يكتب ويقال هو في صلب العمل السياسي، كما هو متعارف عليه في دول العالم، وليس كما يمارس في لبنان؟
يردّد أحد السياسيين دوماً أن السياسة في الدول المتقدمة هي تأمين خدمات الناس ورفاهيتهم وعملهم وتعليمهم وبناء مستقبلهم. وعليه، فإن الواقع السياسي الحالي لم يظهر على حقيقته في لبنان إلا بعد انكشاف أزمة النفايات، وتفشّي الروائح وانتشار الحشرات والبعوض والذباب، وسط لامبالاة سياسية لامتناهية، الى حدّ أن الطبقة السياسية برمتها تأقلمت مع الاعتراضات، ولا تزال منذ شهرين غير مبالية بآلاف الاطنان من النفايات المكدسة في الشوارع. غير مبالية الى الحد الذي يمكن معه السؤال: ألا يخشى هؤلاء السياسيون على حياتهم وحياة عائلاتهم من الامراض المتفشية، أم ان الحصانة
تطبّق عليهم حتى في الامراض والأوبئة؟ ألا يرى نواب المتن وكسروان وبيروت تلال النفايات في الشوارع؟
لقد كشفت حقيقة أزمة النفايات، وليس أزمة الحكومة والآلية والتعيينات، بعد 25 عاماً على نهاية الحرب، مدى الادارة السيئة للبلاد، ودمرت، بحسب ما يقول أحد المعنيين والمطلعين، الموارد الاساسية للبنان. هنا، خطورة أزمة النفايات ليست فقط في كمياتها وحقيقة شركة سوكلين التي يسعى السياسيون اليوم الى صرف النظر عن وضعها الحقيقي وما تسببت فيه من خسائر وأضرار ومحاكمة المسؤولين عنها، بل إنها أظهرت أن موارد لبنان الطبيعية دمرت بفعل سياسات خاطئة صرفت عليها المليارات، من مياه جوفية ومن عدم وجود شبكات صرف صحي في أرقى المناطق وأفخمها، وشراء اللبنانيين لمياه الشفة، ومن محاولات الاستملاك الكثيرة للجبال والشواطئ والتعديات على الاملاك البحرية والنهرية والمشاعات في أهم المناطق، خدمة لكل الطبقة السياسية.
شعار نهاية الحرب وعودة السلم الاهلي انكشف بعد 25 سنة عن إهمال متماد على كل المستويات، ساهمت أزمة النفايات في كشف بعض مفاصله، والحبل على الجرار، وإن كان أهل السلطة قد تكاتفوا من أجل تضييع البوصلة وعدم فتح ملفات الهدر والسرقات والتعديات.
الخطورة أيضاً أنه، منذ شهرين وأكثر، يتفاقم الاهمال الرسمي على كل المستويات، بحجة تعطيل الحكومة، وتحت ستار تهدئة التوتر السنّي ــ الشيعي والخلاف المسيحي على التعيينات، فتدب الفوضى في سياسات الوزارات من دون حرج، لتنفتح سلسلة الاسئلة المشروعة أمام كل المسؤولين والوزراء، ومنهم وزراء الخدمات، هل الخلاف السياسي يمنع مقاربة الملفات الحياتية والبيئية والصحية والاجتماعية؟
من مرّ على طريق الدورة أو الدكوانة أو الجديدة حيث يتصاعد دخان حرائق النفايات وروائح تلك التي لا تزال تشتعل كل مساء، وغيرها من طرق جبل لبنان وبيروت المماثلة، لا يعبأ كثيراً إن كان التيار الوطني الحر انتخب رئيساً له بالتزكية أو بالانتخاب. ومن مرّ على طرق بعبدا حيث الخلاف بين المحافظ والبلدية يتفجّر إهمالاً لامتناهياً وتكدساً للنفايات لتصبح جبالاً تطوّق مستشفيات المنطقة وتبعث روائحها الى داخلها، حيث يفترض أن تكون أروقتها معقمة، لا بد أن يسأل أين نواب التيار الوطني الحر في العمل البلدي الذي ينتمي رؤساؤه الى فريقهم السياسي. رغم أن البلديات في المبدأ غير معنية بسبب سحب الاموال منها، لكن المشكلة في غياب أي مبادرات من جانب جميع المسؤولين مهما اختلفت مستوياتهم.
هل مطلوب من وزير الداخلية نهاد المشنوق أن يفجّر قنبلة سياسية حول الانسحاب من الحوار والحكومة أم أن يعرف أن قانون السير لا يطبّق منه حالياً إلا دفع الغرامات، وأن الشاحنات التي تتسابق على الطرق الدولية وتقع المستوعبات التي تحملها ولا تلتزم بمواعيد السير لا رقيب عليها، وأن شرطة السير لا تلاحق مئات الدراجات النارية غير الشرعية؟
وهل يكفي وزير الصحة وائل أبو فاعور أن يصدر يومياً كشفاً بلائحة المطاعم غير المستوفية للشروط الصحية، في بلد لا يستوفي في مدارسه الرسمية ومؤسساته الرسمية ووزاراته وشوارعه أي شرط من شروط النظافة، فيما تتفاقم أزمات المستشفيات وإداراتها والرواتب المنخفضة للممرضين والممرضات الذين يهاجرون بكثرة، فيما عدد من مستشفيات لبنان يعاني نقصاً في أعداد هؤلاء، فتضطر الى اللجوء الى مساعدين من جنسيات غير لبنانية؟
هل تعطّل آلية التوافق تطبيق وزير العمل لشروط العمل ومنع الصرف التعسفي وعدم دفع الرواتب في المؤسسات، كما يجري أخيراً في أكثرمن مؤسسة؟ وهل عدم إقرار التعيينات يجعل وزير التربية يمارس تهديداته تجاه أساتذة التعليم الرسمي، وغيرها من أمور يتحدث بها موظفو الوزارة؟ وهل يمنع على مجلس الانماء والاعمار ووزارة الاشغال صيانة الجسور على كافة مداخل العاصمة، إذ يقول أحد الخبراء الفنيين إن بعضها يحتاج الى صيانة عاجلة، نظراً الى الاضرار المتفاقمة فيها، لأن مجلس الوزراء معطل؟ وهل التمسّك بتشريع الضرورة يلغي معالجة ما يجري في بعض فروع الجامعة اللبنانية من إهمال وفوضى وفساد وانهيار في النظام التعليمي؟ أم ان الاصرار على عقد جلسة نيابية عامة يلغي أن الشتاء على الابواب ومياه لبنان الجوفية تتلوث، والنفايات في الشوارع، والاقنية ومجاري المياه بحاجة إلى صيانة، والاملاك البحرية لا تزال شبه مصادرة، والكهرباء غائبة، وصهاريج المياه تجوب الشوارع؟
هل كل هذه المعالجات تحتاج الى مجلس وزراء والى جلسة نيابية عامة؟
يكتب كل يوم عن الملفات السياسية في لبنان، ويكتب كل يوم عن الازمات المتفاقمة. المشكلة أن أهل السلطة لا يناقشون إلا في أزمات من طراز أزمة الشرق الاوسط وحرب سوريا. أما اهتراء لبنان فمشكلة ثانوية.