كشف وثائقي أعده برنامج الصندوق الأسود في “الجزيرة” أسرارا تعرض لأول مرة عن تاريخ رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي لا يزال يتصرف وكأنه زعيم البلاد، فرغم أنه فقد كل مناصبه السياسية الرسمية، فقد ظل رجل الظل الأقوى القابض على مفاصل الدولة.في هذا التحقيق يستعرض البرنامج أبرز المحطات التاريخية في حياة المالكي الظاهرة منها والخفية، بدءا من انضمامه إلى صفوف “حزب الدعوة” عام 1968، ثم توليه رئاسة اللجنة الجهادية للحزب في الخارج، وهي التي خططت لضرب المصالح العراقية في الداخل والخارج، وانتهاء بما يتعلق بحقبة حكمه في العراق.
ففي هذه الحقبة ومع ارتفاع صوت الطائفية في 2006 شهد العراق صراعا عنيفا، حصد أرواح آلاف العراقيين، أدركت واشنطن أن رئيس الوزراء آنذاك إبراهيم الجعفري غير قادر على قيادة المرحلة، وبحثت عن بديل، واستقر رأيها على المالكي لوجود توافق بين القيادات السياسية الشيعية عليه.عمليات التصفيةسعى المالكي أثناء ولايته الأولى إلى تكريس الطائفية داخل العراق إقصاء وقتلا، حيث أدار فرقا للقتل والاعتقالات تأتمر بأوامره، وأنشأ سلسلة من السجون السرية تديرها المليشيات الشيعية تسببت بمقتل 75 ألفا بينهم 350 عالما و80 طيارا عبر معلومات وفرها المالكي للموساد والحرس الثوري.وقد تمكن فريق التحقيق من الحصول على عشرات الوثائق السرية المسربة، جميعها يتعلق برئيس الوزراء العراقي إبان فترة حكمه، وبعضها صادرة عن مكتبه وتحمل توقيعه الخاص.
الوثائق المسربة ذات طابع أمني تتعلق بأحداث أمنية وقعت في عهده، شملت التعذيب والسجون والقتل على الهوية والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري.وكلها صنفت جرائم ضد الإنسانية مورست بحق الشعب العراقي وتحت إشراف المالكي نفسه بعيدا عن وزارة العدل.ربما يكون رجل إيران الذي دعمته معارضا وحاكما، وربما يكون رجل الولايات المتحدة التي أتت به إلى سدة الحكم، وأيا كان فإن المالكي لا يزال هو صاحب النفوذ المطلق في العراق.
هيمنة المالكيوتحت ذريعة محاربة الإرهاب وبقبضة أمنية مشددة، هيمن المالكي على العراق ليخضعه لسلطة الفرد المطلق طيلة فترة حكمه لتستمر بعد خروجه.من بين الوثائق ما يكشف عن مسؤولية المالكي في دخول تنظيم الدولة الإسلامية وانتشاره في العراق، ففي تقرير صادر عن لجنة تحقيق برلمانية عليا تمت التوصية بإحالة نوري المالكي إلى القضاء العراقي باعتباره المتهم بتسليم الموصل لتنظيم الدولة دون قتال في حزيران 2014.ويعود نجاح المالكي في إحكام قبضته الأمنية على العراق إلى مليشيا شيعية تخضع لأوامره مباشرة, ويقول رئيس لجنة العراق في البرلمان الأوروبي الأسبق ستراون ستفنسون في هذا الصدد إن هناك 32 ألف موظف عراقي إيراني معظمهم فروا من نظام الرئيس الراحل صدام حسين إلى إيران، وقامت هيئة الحرس الثوري الإيراني بتمويلهم وإرسالهم إلى العراق عقب سقوط النظام في 2003 ليشغلوا مناصب حساسة في الجيش والمؤسسات العامة.
وكشف أن لديه قائمة بأربعمئة شخصية تشغل مناصب عليا، بعضها تعمل في مكتب المالكي وأخرى تبوأت مناصب عليا في الجيش، مشيرا إلى أن النظام بكامله استولت عليه طهران بينما ظل الغرب يتفرج.حزب الدعوةويكشف التحقيق كيف شكل “حزب الدعوة الإسلامي” ذو الجذور الشيعية (1957) المنطلق والبداية لمسيرة المالكي السياسية بعد أن انضم إليه عام 1968. وكيف ساهمت الظروف والأحداث في صعود نجم المالكي بعد وصول صدام حسين إلى سدة الحكم في العراق وآية الله الخميني في إيران بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وانتقال “حزب الدعوة” إلى الحضن الإيراني وتبنيه العمل المسلح.ففي أعقاب إعدام زعيم الحزب محمد باقر الصدر في 1980 من قبل النظام العراقي حدث انقلاب في مسيرة الحزب الذي قرر تشكيل جناح مسلح لمواجهة النظام ورموزه.
وتشكلت اللجنة الجهادية بقيادة المالكي وهدفها مصالح العراق في الداخل والخارج، كانت عملية جامعة المستنصرية في بغداد في 1980 باكورة أعمالها العسكرية بمحاولة اغتيال طارق عزيز أحد قيادات حزب البعث آنذاك.في غضون ذلك انطلقت الحرب العراقية الإيرانية وفيها تعاظمت عمليات الحزب داخل العراق وانضم عدد من عناصره إلى صفوف الجيش الإيراني في قتال الجيش العراقي.حكومة طائفية بعد سقوط صدام، عاد المالكي إلى العراق -بعد أكثر من عشرين عاما في الخارج- تحت المظلة الأميركية وعاد حزب الدعوة إلى ممارسة العمل السياسي.اختاره الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر لشغل منصب نائب رئيس لجنة خاصة لاجتثاث عناصر “حزب البعث”، وهنا لمع نجم المالكي في عالم السياسة.وتحت ذريعة محاربة “البعث”، تمت تصفية عدد من الشخصيات من طرف المالكي بهدف إقصائهم من أي دور سياسي في العراق مستقبلا.