Site icon IMLebanon

ميركل تنافس “مهندس” توحيد ألمانيا.. عبر اللاجئين السوريين

Merkel-Reem
أمل ناصر

بعد بضعة أيام من مصادقة البرلمان اليوناني على شروط “الترويكا”(البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي)، في جو مليئ برائحة الهزيمة المذلّة أمام تعنت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، (الإتحاد الديموقراطي المسيحي)، في عدم التساهل او التنازل عن اي شرط من شروط “الترويكا” لإنقاذ اليونان، ظهرت ميركل في فيديو وهي تربت على كتف فتاة سورية لاجئة بكت بعدما قالت لها ميركل أن بعض اللاجئين يجب أن يتم ترحيلهم، وأن هذه هي السياسة. وكانت الطفلة بالفعل تنتظر هي وعائلتها الترحيل. يومها واجهت ميركل عاصفة من الإنتقادات لفجاجتها في تبرير مسألة الترحيل، لفتاة في الرابعة عشرة من عمرها. تلك الانتقادات أتت من الداخل مع محاولة الديموقراطيين الإشتراكيين المزايدة على موقف ميركل، والإشارة إلى وجود خلل كبير يجب إصلاحه في نظام اللجوء الألماني، كما أتت إنتقادات من أفراد على شبكات التواصل الاجتماعي، واصفة الفيديو بأنه دليل دامغ على قساوة قلب المستشارة. مع كل تلك الإنتقادات القاسية ذهبت المستشارة “الصارمة” في إجازتها الصيفية، التي تقضيها منذ سبعة أعوام في المنطقة الإيطالية ذاتها والتي يتحدث معظم سكانها الألمانيّة، وعند عودتها في أيلول الماضي إلى مقر عملها، “تحولت” الى مستشارة أخرى. حيت باتت المستشارة التي لم تُظهِر أي تعاطف مع اليونانيين الذين أفضت سياسات التقشف الى إنزال أكثر من نصفهم إلى تحت مستوى الفقر، تتحدث عن واجب ألمانيا “الأخلاقي” تجاه الواقفين على أبوابها طلباً للنجاة، لا وبل تلتقط الـ “سيلفي” مع اللاجئين. وأصبحت تتغنى بترحيب ألمانيا باللاجئين، وتتحدث عن ارتفاع عدد اللاجئين الذين سيدخلون الأراضي الألمانية خلال هذا العام إلى ٧٠٠ ألف ومن ثم إلى ٨٠٠ ألف. هذه التوقعات التي أصبحت مداراً للمزايدة على مدى ترحيب ألمانيا بالسكان الجدد، سواءً من قبل الصحافة أو الساسة، دعت شركاء ميركل في الحكم، الى المشاركة ومحاولة المزايدة على أرقام ميركل نفسها، اذ قال وزير إقتصادها ونائبها، زيغمار غابريل (إشتراكي ديموقراطي) أن ألمانيا بإمكانها إستضافة مليون لاجئ في خطوة تشي بعدم إرتياح الإشتراكيين الديموقراطيين لتصدّر ميركل مشهد الترحيب باللاجئين. بعدها بيوم واحد، صرّح وزير الداخلية الألماني دي ميزير (الإتحاد الديموقراطي المسيحي) بأن وزارته لا تنوي رفع توقعاتها إلى مليون لاجئ وستبقى على خططها المعدة لإستيعاب ٨٠٠ ألف لاجئ جديد. وبعد تحول الخلاف داخل الحكومة الألمانية حول من سيجني ثمار تغيّر نظرة العالم لألمانيا، بعد أن أصبحت ذات معايير أخلاقية أرفع من جيرانها، إلى خلاف حول تهرّب الجميع من تحمل مسؤولية سياسات الترحيب باللاجئين، والتي يبدو أنه لم يتم التخطيط لها بشكل جدي على المدى القصير، يبقى مؤكداً، ان ميركل – بحسب رويترز – بدأت بالفعل التحضير لحملتها الإنتخابية للعام ٢٠١٧ منذ بداية أغسطس/ آب، من العام الحالي، ما يعني أن ميركل وفريقها قاموا خلال الصيف – ويقومون الان – بالتحضير لإستراتيجيات تضمن لها الأصوات الكافية للبقاء فترة أخرى في منصبها، لتعادل عدد فترات حكم عرابها هيلموت كول، الذي أشرف على إعادة توحيد ألمانيا. وهذا الحلم يتجلّى في تصريحاتها بأن أزمة اللاجئين الحالية هي أكبر تحدٍ تواجهه الجمهورية الفيدرالية الألمانية منذ إعادة توحيدها. ولا تتوانى الصحافة الألمانية في تقديم المستشارة كصاحبة الحلول لهذا التحدي الكبير. هذا التحدي يبدو أنه يخرج الآن عن السيطرة في ظل الحديث المستمر عن تكاليف رعاية اللاجئين، المستمرة في الإرتفاع مع إزدياد أعدادهم، بالرغم من أن للحكومة الألمانية أهدافاً أكبر من مجرد إنقاذ السوريين من الحرب المستعرة منذ أعوام، وتحويل الضغط الناجم عن دخولهم بأعداد كبيرة إلى البلاد، إلى مكسب إقتصادي على المدى البعيد. لا سيّما وأن ألمانيا تحتل المرتبة الثانية بين الدول الأوروبية التي تشيخ بشكل سريع والمرتبة الثالثة عالمياً. قد تبدو تكاليف تأهيل اللاجئين مقارنة بتكلفة إنخفاض عدد القوى العاملة، وبالتالي إنخفاض مستوى الإنتاج للإقتصاد الألماني، قليلة، على المدى البعيد، لكن الناخبين الألمان لا يرون ذلك بالضرورة. وهنا يكمن التحدي الأكبر للمستشارة التي تحاول هي وحزبها السيطرة على زمام الأمور وإعادة تفصيل قوانين اللجؤ في البلادن لكي تحتفظ المانيا بعدد أقل من اللاجئين فيما تقوم بإعادة ما يدعون باللاجئين “لظروف إقتصادية” إلى بلادهم. كما وتناقش الحكومة الألمانية حالياً حزمة تعديلات على قانون اللجوء، تقدم بها حزب المستشارة، تشدد على الشروط المطلوبة للموافقة على طلبات اللجوء وتخفض أيضا من المساعدات النقدية التي يتلقاها اللاجئون وإستبدال جزء كبير منها بمساعدات عينيّة. وفي ظل الأداء الرديء للإشتراكيين الديموقراطيين وشعبية المستشارة، التي وإن قلّت هذه الفترة فهي تبقى كبيرة ومرشحة للنمو بحلول موعد الإنتخابات المقبلة، فإن للمستشارة وحكومتها متسعا من الوقت لتأهيل اللاجئين ولاسيّما المتعلمين وأصحاب الحرف للإنخراط في سوق العمل، وتحقيق معدلات نمو إقتصادية أعلى كي يتم تقديمها على هيئة إنتصار لسياسة “الأذرع المفتوحة” التي إنتهجتها المستشارة، بخاصة مع القادمين من دول الإقتتال في الشرق الأوسط كسوريا والعراق. وإذا كان إنجاز هلموت كول الأكبر هو هندسة إعادة توحيد ألمانيا بالرغم من عدم حماسة الجيران الأوروبيين لذلك، فسيكون إنجاز ميركل هو إضافة قوى عاملة تحافظ على قوة الإقتصاد الألماني وتمهد لسنوات أخرى من الرخاء الإقتصادي.