كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
لاعتبارات كثيرة، لا يزال فريق ميشال عون اللصيق به يحيّد الرئيس سعد الحريري عمّا ترتكبه أيادي «مجموعة فؤاد السنيورة ـ نهاد المشنوق ـ أشرف ريفي». آخر جولات تبييض الصفحة اقتناع «البرتقاليين» بأن مياه خطاب وزير الداخلية في احتفال الاونيسكو بذكرى اللواء وسام الحسن قد مرّت من «تحت أرجل» الشيخ سعد من دون أن يدري!
قبلها تحدّث رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» عن «قطبة مخفية» في مسألة الترقيات العسكرية. لم يتّهم ولم «يحاكِم» من سبق وخذله في مسائل أكثر أهمية على رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، مفضّلاً «فشّ خلقه» بوزير الدفاع سمير مقبل «اللقيط في السياسة الذي لا يفهم بالقانون العسكري»!
حتّى حين يواجَه رئيس الحكومة السابق باللوم من جانب من ظّنوا أنه قادر على الإيفاء بتعهّداته، يقدّمون له أعذاراً بالجملة: تارة ضعفه بسبب «بعده»، وتارة أخرى بسبب «الصقور» الذين يحيطون به ويحاولون الأكل من صحن زعامته وحيثيته، وتارة لأن الزعيم يعاني من عزلة سعودية تكتمل بالشحّ المالي.
بالتأكيد ثمّة من لا يريد أن يقطع شعرة التواصل مع الرأس. مع الشيخ المنفي الذي راق للعونيين أنه لم يردّ هذه المرة، كما جرت العادة على «تويتر»، على خطاب «الله معكم» للسيد حسن نصرالله، وإن تكفّل نهاد المشنوق نفسه بالردّ على «بطولات الاستغناء عنا التي جرّبوها أربع سنوات»، حاملا على «الكلام الكبير الذي لا لزوم له».
رغم كل مسار اللا ثقة بين بيت الوسط والرابية، يرفض ميشال عون مجددا رفع الـ «وان واي تيكيت» بوجه سعد الحريري. من لقاء روما صيف 2013، حين لاحت بوادر عدم الممانعة لانتخاب عون رئيساً للجمهورية، الى تشكيل حكومة تمام سلام على قاعدة تبادل «منافع» كان في صلبها قانون الانتخاب وإنهاء شغور بعبدا بالقبضة العونية، ثم قيادة الجيش ومعادلة شامل روكز ـ عماد عثمان، وصولا الى الترقيات والتعيينات العسكرية…
خيبات متتالية تدفع عون الى التهديد بأن السيف الذي «قاتلوني فيه سيُكْسَر» (السعودية) متّكئا على موازين القوى التي تتغيّر في الشرق الاوسط، من دون أن يقوده ذلك بالضرورة الى خوض كباش مباشر مع «الوكيل» اللبناني المتنقل بين الرياض وباريس، مفضّلا الاشارة الى حصول توزيع في الأدوار، إزاء كل المسار السابق، من باب تعميم المسؤولية.
في هذا السياق ثمّة من يجزم بأن «عون نفسه لم يملك يوماً مقاربة واضحة للمسؤول عن كل هذا الدجل السياسي، بكل محطاته، مسلّما في أكثر الأحوال بنظرية توزيع الأدوار المتماهية مع الرهانات على الخارج. نيات فؤاد السنيورة معروفة والرجل مكشوف، لكن وحده لا يغيّر مسارات مفصلية ولا يوقف تسويات كبرى».
لكن في كواليس الرابية الضيقة حيث يفضفض «الجنرال» ويقول الأمور كما هي، يُسمع الرأي الصريح بـ «شيخ» راهن عون يوماً على صدقه وقدرته «بحكم ابتعاده عن لبنان وبقائه خارج الحكم لفترة طويلة أصبح رئيس الحكومة السابق ضعيفا بمعيار السلطة، وكيف إذا جاء التغيير على مستوى القيادة في السعودية لغير مصلحة مصالح سعد الحريري؟ الأزمة المالية التي يمرّ بها، كما مؤسّسات تيار المستقبل، أثّرت كثيرا على سطوته ونفوذه، والأهمّ أن ثمّة من يعمل ليرثه وهو حيّ، والدليل عدم وجود قرار موحّد داخل البيت الأزرق. وفي كل الاختبارات السابقة، لو عادت سلطة اتخاذ القرار له لكانت حُلّت الكثير من الأمور، لأن ما يقوله في مجالسه الخاصة مختلف عمّا يسمع في العلن».
في المحصّلة، يقود هذا الواقع الى توقّع عون بأنه «في مرحلة ما قد يتخلّى الحريري نهائيا عن فكرة العودة الى لبنان ليتفرّغ لأعماله الخاصة وحياة البذخ في الخارج ويبتعد عن السياسة».
في ظل هذه القناعة يكمل «الجنرال» ما بدأه. إذا ما قورن منسوب التهديد العوني بالأفعال على الارض، يتبيّن أن الغَلبة هي لمنطق التروّي. في مقابلته التلفزيونية الأخيرة ذهب عون الى حدّ التلويح بخيار التصادم على أساس «لسنا قلّة في هذا البلد، ومنذ الأساس نحن مقاتلون»، وذلك إذا استمرّ الخلاف السياسي قائما، في وقت أعلن فيه «الجنرال» صراحة ان الحلّ لأزمة الحكومة لا يمرّ إلا عبر تعيين قائد جيش جديد وملء شغور المجلس العسكري.
يقلّل كثيرون من أهمية تهديد كهذا قد لا يكون بعيدا عن «شطحات» ميشال عون الانفعالية، لكنهم بالمقابل يشيرون الى ان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» الذي لم يفجّر الجسور مع المعطّل الحقيقي، تمكّن بالمقابل من فعل ما هو أكبر وأهمّ وأنجع من التصادم:
ـ في موضوع الشارع أثبت عون أنه قادر على الحشد بأي توقيت سياسي وتحت أكثر من عنوان. يكفي ترجمة ما لم يقله يوما: تستطيع «القوات» و«الكتائب» والمستقلون و«14 آذار» تأمين حشد مماثل، لكن مجتمعين لا فرادى.
ـ عمليا لا يزال عون وحده، مدعوما من «حزب الله»، يملك مفاتيح أبواب السرايا (سمح بتمرير القدر الذي يريد من القرارات) والبرلمان وقصر بعبدا، ويجاهر: نعم أنا أعطّل.. لكن قراراتكم الخاطئة. ولا سبيل لتعطيل مفعول «تعطيلي» إلا بالسير باقتراحات المخارج التي أقدّمها.
ـ أرسى عون قاعدة ثابتة تشرّع عدم خروجه من السلطة. لا استقالة من مجلس النواب، وليس السير في خيار التمديد للجان النيابية سوى تكريس لاستمرارية نواب «التيار الوطني الحر» أنفسهم تجنّباً لوضع الأكثرية يدها على البرلمان. ولا استقالة من حكومة هناك استحالة في إسقاطها وتؤمّن ورقة أساسية بيد عون للتعطيل. أكثر من ذلك، تفيد المعلومات بأن رئيس «التكتل» لن ينزعج من رؤية تمام سلام يقدّم استقالته أو وزراء «تيار المستقبل» على قاعدة «أنا لن أفعلها… فليفعلوها هم».