كشفت مصادر سورية بحسب صحيفة “العرب” اللندنية أن التحوّل في موقف الرئيس السوري بشار الأسد من إيران واتجاهه إلى الرهان على روسيا بدأ قبل نحو سنة تقريبا، وذلك عندما بدأت القيادة الإيرانية تربط المساعدات التي تقدمها لنظامه بشروط معيّنة. وقالت هذه المصاد إن الأسد، الذي كان يعتقد أن إيران مضطرة لمساعدة نظامه نظرا إلى العلاقة الاستراتيجية التي أقامها معها وإلى رعايته التامة لـ”حزب الله” وسماحه حتّى بحملات التشييع في سوريا، فوجئ بمطالب إيرانية لا يبدو أنه مستعد للقبول بها. ومن بين هذه المطالب ربط استمرار المساعدات المالية والعسكرية والتموينية، بحصول إيران على ضمانات في شكل عقارات مختلفة تقدر قيمتها بنحو ستين مليار دولار وذكرت أن الإيرانيين قدّموا لائحة بالعقارات السورية المطلوب تحويلها إلى ملكية لشيعة لبنانيين وعراقيين، يعملون لمصلحة إيران، ويشكّلون غطاء لها. وتشمل هذه العقارات مساحات شاسعة من الأراضي السورية في مناطق مختلفة، خصوصا في محيط دمشق وفي المدينة نفسها التي بات الإيرانيون يسيطرون على أحياء كاملة فيها.
وفسّرت هذه المصادر طلب إيران ضمانات بقيمة ستين مليار دولار بأنّ هذا المبلغ يمثّل قيمة المساعدات التي وفرتها طهران للنظام منذ اندلاع الثورة في آذار 2011، وذلك في شكل أسلحة ووقود ومواد غذائية فضلا عن تحمل تكاليف عناصر لبنانية وعراقية وأفغانية (ميليشيات مذهبية) قاتلت إلى جانب الجيش التابع للنظام. وأشارت في هذا المجال إلى أن إيران دفعت نقدًا ثمن معظم الأسلحة والذخائر، بما في ذلك الطائرات، التي حصل عليها النظام من روسيا منذ اندلاع الثورة.
وذكرت المصادر السورية أنّ بشّار الأسد اكتشف أخيرًا أنّ لإيران حسابات تختلف عن حساباته ونظرة أخرى إلى العلاقات بين الجانبين. ففي حين كان الأسد يعتبر أنّ الخدمات التي قدّمها إلى إيران، والتي شملت الاندماج الكامل مع “حزب الله”، يفوق ثمنها الستين مليار دولار، وجد رئيس النظام السوري نفسه مع تطوّر الأحداث في وضع لا يحسد عليه. ويتمثّل هذا الوضع في نشوء علاقة من نوع جديد مع إيران تجعله مضطرًا إلى تسديد كلّ دولار أخذه منها في شكل عقارات تملك معظمها الدولة السورية. وقالت المصادر ذاتها إنّ عوامل أخرى ساهمت في جعل الأسد يتّجه إلى موسكو ويضع كلّ بيضه في سلّتها.
من بين هذه العوامل التوتر في العلاقة بين قوات الجيش السوري من جهة والإيرانيين، بما في ذلك “حزب الله”، من جهة أخرى. ومن بين هذه العوامل، على سبيل المثال الطريقة التي تعاطى بها “حزب الله” مع اللواء رستم غزالي الذي كان رئيس الأمن السياسي في سوريا. وغزالي سنّي من ريف درعا وقد أحرق قصره الضخم الذي تحيط به مزرعة كبيرة عندما طلب “حزب الله” تحويل المنزل إلى مركز قيادة له. ويقع القصر والمزرعة المحيطة به في بلدة قرفا القريبة من درعا.وقتل غزالي بعد ذلك في ظروف غامضة، لكنّ حادث إحراقه لقصره، الذي صوّر ونشر على “يوتيوب”، يعكس مدى تدهور العلاقة بين الضباط السوريين التابعين للنظام والضباط الإيرانيين الذين كانوا يتعاطون معهم بطريقة فوقية.
وأشارت المصادر إلى أن الضباط العلويين عبروا عن إمتعاضهم من التواجد الإيراني المكثف بصفة مستشارين أولا، ومن ثم قادة لوحدات من “المتطوعين” من الحرس الثوري وقوات عراقية وأفغانية بالإضافة إلى “حزب الله”.وقال مصدر قريب من النظام إن تقريرا رُفع للأسد من مجموعة مقربة من الضباط العلويين أشار إلى أنهم لا يريدون أن يجدوا أنفسهم بين فكي كماشة إيرانية أو داعشية، وأن سيناريو التواجد الروسي المكثف هو صمام أمان للسنة المتواجدين بكثافة في مدن الساحل السوري والتي تعد المنطقة الآمنة للنظام إلى حد الآن.
وكان النظام السوري قد اعتمد خطتين متوازيتين تقوم الأولى على الحفاظ على “جيب دمشق” مع تعزيز السيطرة على الممر الواصل بين العاصمة السورية ومنطقة الساحل “الموالية للنظام”، بينما تعتمد الثانية على مشروع “الدولة العلوية” المنفصلة عن الداخل السوري والممتدة عبر منطقتي وادي خالد وعرسال إلى لبنان.لكن زيادة الحضور الإيراني في المنطقة والوضع القلق لـ”حزب الله” في لبنان، بالإضافة إلى الكثافة السكانية السنية في العديد من مدن الساحل، جعل من خيار “الدولة العلوية” صعب التحقيق وهو الأمر الذي رجح كفة اعتماد النظام على التدخل الروسي كحل استراتيجي يحقق الكثير من الأهداف مرة واحدة.