التغيرات المناخية من الممكن أن تلحق أضرارًا بالاقتصاد العالمي تزيد بمعدل عشر مرات عن التقديرات السابقة، مما سيقلص الإنتاج العالمي بنسبة 23% بحلول نهاية القرن الحالي.
نتيجة خلصت إليها دراسة بحثية كشفت عنها مؤخرا جامعتي ستانفورد وبيركلي الأمريكيتين والتي غطت فيها 166 دولة خلال الفترة من العام 1960 وحتى 2010 عبر تحديد درجة الحرارة السنوية المُثلى التي تتزامن مع أعلى مستويات الإنتاجية في العمل والمحاصيل على سبيل المثال
ووجد الباحثون أن 55 فهرنهايت ( 13 درجة سلزيوس) تمثل درجة الحرارة المُثلى أو ما يعادل الظروف المناخية السائدة في منطقة خليج سان فرانسيسكو.
وأظهرت الدراسة التي نشرت نتائجها شبكة ” بلومبرج” الإخبارية الأمريكية أن الدول المتواجدة في المناطق الاستوائية والتي تشهد درجات حرارة أعلى بالفعل من تلك الدرجة المُثلى، ستواجه الضرر الاقتصادي الأكثر دراماتيكية جراء الاحتباس الحراري.
وأشارت الدراسة إلى أن الدول التي يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية بها 55 فهرنهايت أو أكثر مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان ربما تتعرض وعلى نحو متزايد لخسائر اقتصادية فادحة جراء ارتفاع درجات الحرارة.
وأفادت الدراسة أن البلدان الواقعة شمالي الكرة الأرضية والتي تقل درجات الحرارة بها عن متوسط الدرج المُثلى قد تحصد فوائد عديدة مع ازدياد فرص الزارعة والصناعة بها.
وقال تريفور هاوزر خبير الطاقة والمناخ بشركة ” روديوم جروب” البحثية إن ” التقديرات التي خلص إليها الباحثون في الدراسة تشير إلى أن الكلفة التي سيتكبدها الاقتصاد العالمي تزيد عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي، بزياة عد مرات عن التقديرات السابقة.”
وستدفع نتائج الدراسة، حل ثبت صحتها، صانعي السياسات إلى تغيير سياساتهم، لاسيما أن صانعي السياسة العقلانيين يقيسون في العادة تكاليف السياسة المناخية على الاقتصاد- الضرائب المفروضة على الانبعاثات الكربونية ومعايير كفاءة الوقود والدعم- مقابل التكاليف المتوقعة حال لم يتخذوا التدابير اللازمة في هذا الصدد.
ويشكل تغير المناخ أحد أهم الأخطار التي تواجه البشرية في الوقت الراهن، وإذا لم يتخذ العالم إجراءات فاعلة حياله، فإن كوكب الارض معرض لارتفاع درجة حرارته في شكل يؤدي الى وقوع كوارث متنوعة من شأنها ان تتسبب في تراجع مكاسب التنمية عقوداً إلى الوراء.
ويلفت علماء الى ان التغيرات المناخية أصبحت ملحوظة بالفعل، مشيرين إلى أن الـ 15 سنه الأخيرة من أشد السنين حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل 130 عاماً.
وتشير تقارير “البنك الدولي” إلى أن درجة حرارة الأرض قد ترتفع أربع درجات مئوية في نهاية القرن الحالي، الامر الذي ستنتج منه آثار مدمرة على الزراعة والموارد المائية وصحة البشر، وسيكون الفقراء أشد المتضررين من هذه الآثار، التي لن تستثني أياً من مناطق العالم.
وتؤكد هذه التقارير انه إذا ارتفعت حرارة العالم درجتين مئويتين فقط، وهذ ما يمكن ان يحصل خلال 20 إلى 30 عاماً، فقد نشهد نقصاً في الأغذية على نطاق واسع، وموجات حرارة غير مسبوقة، وعواصف أكثر شدة.
وحذر محافظ “بنك انكلترا المركزي” مارك كارني، في خطاب مطول من آثار التغير المناخي على الاقتصاد والاستقرار المالي العالمي، وحض خبراء الاقتصاد على التحرك في شكل سريع لمحاولة احتواء الضّرر الاقتصادي، ولو جاء ذلك التحرك متأخراً.
ووصف كارني الضرر الذي يسببه التغير المناخي على الاقتصاد بـ”مأساة في الأفق”، مؤكداً أن التكاليف المترتبة على التغيرات المناخية تتجاوز توقعات السلطات التكنوقراطية، والتي لا تأخذ في الحسبان استنزاف الموارد المشتركة من قبل الأفراد الذين يتشاركون فيها، وفقا للمصلحة الذاتية لكل منهم، على رغم إدراكهم أن استنزاف هذه الموارد يتعارض مع المصلحة المشتركة للمجموعة في المدى الطويل.
وتواجه الولايات المتحدة مخاطر اقتصادية كبيرة ومتنوعة نتيجة تغير المناخ، ما دفع البيت الأبيض في يونيو من العام 2013 إلى إصدار خطة عمل وطنية لمواجهة التغير المناخي اطلق عليها اسم “خطة عمل الرئيس للمناخ”.
وتشير الخطة إلى أن الولايات المتحدة واجهت في العام 2012 اضطرابات جوية قاسية، مثل إعصار ساندي وموجات جفاف وفيضانات وحرائق غابات كلفت الاقتصاد الأميركي نحو 100 بليون دولار.
وتتضمن الخطة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 17 % عن مستواها في العام 2005، وذلك بحلول العام 2020، وخفض استهلاك الوقود الأحفوري، وتنظيم آليات عمل محطات الطاقة التي تعتمد على حرق الفحم.
وكانت دراسة صدرت عن ” المجلس العلمي لمواجهة المتغيرات البيئية العالمية” التابع للحكومة الألمانية، قد أشارت إلى وجود فرصة للنجاح في التصدي للتغيرات المناخية إذا واجهتها الدول والمنظمات العالمية جماعياً وتعاملت مع تداعياتها كخطر يهدد البشرية كلها.
وأوصت الدراسة بتأسيس منظمة دولية مستقلة لحماية البيئة وتعديل السياسات البيئية الحالية لخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات الصناعية حتى العام 2050، بنسبة 50 في المئة عما كان عليه في العام 1990.