كتب الدكتور جورج شبلي
(موجّهة الى الذين داسوا شرفهم وامتهنوا كرامتهم بذلّ)
لما كانت القيامة نتيجة لعلة حتمية هي الصليب، كان من الضروري الأضاءة على واحدة من القيم المتعددة التي يختزنها مفهوم الصلب. هذه القيمة هي الكرامة.
عندما زار يسوع الأرض ليفتدي الناس، زرع في قلوبهم مبادئ سامية أبرزها المحبة. وقد اعتبرت منذ ذاك التاريخ اسمى الفلسفات. لكن وجود المسيح لم يفسر من جانب القيمين على السلطة والدين آنذاك بأنه وجود هادئ، بل رأوا فيه صورتين: صورة الثائر الهادم الذي يهدد العروش والمصالح، لا سيما بعد التدفق الشعبي حوله. وصورة الناقض للمنتظر، فاليهود كانوا موعودين بقائد سماوي يهووي يتقدمهم للسيطرة على الكون وليبسطوا نفوذهم الى الأبد.
لكن الآتي نسف الوعد والمعادلة، وطرح بدائل اغضبت الشعب المختار. فهل المحبة والعدالة والرحمة والحرية والحق في الحياة، هي الثوابت التي كان المختارون المميزون ينتظرونها؟
وكان اجماع على ان الرجل خطير ويهدد الدولة والسلامة العامة والمعتقدات .ولا بد من اتخاذ قرار سريع في موضوعه. الخوف والاحباط كانا في اساس محاكمة هي الأسرع في التاريخ، اذ صدر الحكم من دون مرافعة او دفاع :
فليصلب. قالها الجميع. ولكن بين الضحية والجلاد، هناك دائما وسطاء يسعون لعقد صفقة. ما تم عرضه على المسيح واضح وصريح: انكر انك ابن الله الحي الآتي لخلاص البشر، وانك لست ملك اسرائيل المزعوم المزاحم على السلطة، فنتراجع عن الحكم وندعك لتعيش.
وهذا يعني ان المسيح كان امام خيار: الحياة او الكرامة. ولما كانت رسالة يسوع هي الكرامة بذاتها، لم يتردد ابدا، فوقّع تنفيذ موته بيده. اختار الكرامة والدفاع عنها بالثمن الأغلى، وكان الدرس الأول والأكثر أهمية في قائمة الدروس والعبر التي تستنتج من طروح المسيح.
ومنذ أكثر من ألفي سنة، والمسيحيون يواجهون الخيار نفسه والمصير نفسه. فهم امناء على مسيرة المسيح معلمهم، يستلهمونه في كل امورهم ولا سيما المصيرية منها. لقد عاشوا في الكهوف والمغاور ورؤوس الجبال لأنهم عشاق كرامة وحرية. وفي كل مرة وقفوا امام خيار بين الكرامة والحياة، لم يترددوا في تغليب الكرامة. وقد دفعوا في سبيلها آلافا مؤلفة من الشهداء وهم أثمن التضحيات، لكي تبقى كرامتهم مصانة .
ان بعض المسيحيين اليوم، وعندنا بالذات، هو بحاجة الى من يذكره بان المسيح هو الكرامة. لقد استباح هؤلاء هذه القيمة / الثابت في جوهر المعتقد المسيحي والوجود المسيحي تحت وطأة الخوف والمصلحة. وكان ان غلّبوا الذل على الشرف، والاستمرار في الوجود على الكرامة. وطعنوا كل تضحيات الشهداء منذ الألف الأول المسيحي وحتى الساعة.
يا هذا البعض، اذا كنت تنتمي حقا الى المسيح، عليك ان تثور على نفسك وتسترجع ما فقدته من كرامتك بحجة الحماية، فالصليب أقوى من الجلاد، والقبر الشريف أحب من طأطأة النفوس.