IMLebanon

إنخفاض اليورو سيُقلّل فاتورة الإستيراد بـ231 مليون دولار

EuroDown1
جاسم عجاقة

شهدت الأسواق العالمية تراجعاً ملحوظاً لسعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي حيث إنخفضت العملة الأوروبية بنسبة 2.89% مقابل العملة الأميركية وذلك بين يومي الأربعاء والجمعة المُنصرمين. وهذا الحدث قليل الإحتمال عادة في الأسواق، له أهمية كبيرة تكمن في التغيير الهيكلي لمستوى سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأميركي.
ويأتي هذا الإنخفاض بُعيد تصريحات حاكم المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي الذي قال إن المصرف سيعمد إلى مزيد من “التيسير الكمّي”. أي أن المصرف سيدعم المصارف بمزيد من الأموال بفائدة منخفضة. وهذا يعني أنه مع فائدة مُنخفضة ستعمد الرساميل إلى الهروب إلى إقتصادات ذات سعر فائدة عالية مثل الاقتصادين الأميركي والياباني وغيرهما. وهذا الأمر دفع بالمستثمرين الأجانب في أوروبا إلى بيع اليورو وشراء عملات أخرى مثل الدولار ، الين الياباني، الليرة الإسترليني. ما أدّى إلى تهاوي سعر صرف اليورو ليس فقط مقابل الدولار بل أيضاً مقابل العملات الأخرى.
وإذا كانت تصريحات دراغي هي السبب الرئيسي لانخفاض اليورو، إلا أنها ليست الوحيدة. فالسلطات النقدية في الصين قامت بخفض سعر الفائدة بـ25 نقطة أساسية للأدوات المالية ذات الإستحقاق السنوي بهدف تعزيز النشاط الإقتصاي، كما خفضت الفائدة على الودائع وعلى الإحتياط الإلزامي للمصارف لدى المصرف المركزي. وهذا الأمر دفع إلى إنخفاض اليوان الصيني الذي رأى فيه المستثمرون مضاربة واضحة لليورو والإقتصاد الأوروبي، ما أدّى إلى تزايد خروج المُستثمرين من الإستثمارات في منطقة اليورو.
وكنتيجة لهذين الإجراءين، أخذ الدولار الأميركي بالإرتفاع مقابل العملات الأخرى ما يعني أن الإستثمارات في الاقتصاد الأميركي إرتفعت، وبالتالي تعقدت الأمور أكثر للبنك الإحتياطي الفديرالي الأميركي في ما يخص رفع سعر صرف الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية خصوصاً مع زيادة القدرة التنافسية لليورو واليوان.

اليورو والإقتصاد اللبناني

إن النظر إلى هيكلية الاقتصاد اللبناني، يوصلنا إلى تشابك هذا الاقتصاد مع الدولار الأميركي واليورو. فربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي جعل الاقتصاد اللبناني يرقص على نغم الدورة الاقتصادية في أميركا. ولم يعد المصرف المركزي اللبناني يمتلك هامش تحرك في سعر الفائدة، من ناحية أن مثلث التوافق (النظرية الإقتصادية) ينص على أنه لا يُمكن أن تجتمع العوامل الثلاثة التالية في آن واحد: سعر صرف عملة ثابت، حرية تنقل رؤوس الأموال، وسياسية نقدية مُستقلة. وفي لبنان، هناك سعر صرف ثابت وحرية تنقل رؤوس أموال، لذا من المستحيل أن يكون هناك سياسة نقدية مُستقلة.
أما اليورو فترابطه بالإقتصاد اللبناني هو ترابط عضوي، من ناحية أن القسم الكبير من الإستيراد اللبناني – والذي يفوق 90% من الإستهلاك المحلّي – هو من منطقة اليورو وبالتالي فإن وزن اليورو في حساب كلفة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي كبير جداً، وذلك من منطلق أن التبادل التجاري بين لبنان ومنطقة اليورو (الإستيراد 20 مليار دولار سنوياً والتصدير 3 مليارات سنوياً) يفرض شراء اليورو بشكل مُستمرّ من قبل الاقتصاد اللبناني لإستيراد البضائع. وهذا له تدعيات كبيرة على ميزان المدفوعات، ويأخذه مصرف لبنان في الإعتبار في سياسته الدفاعية عن الليرة اللبنانية.
مما تقدمّ يمكن الإستنتاج أن الفاتورة الإستيرادية للبنان البالغة 20 مليار دولار سنوياً ستقل بقيمة 231 مليون دولار أميركي كنتيجة لإنخفاض سعر صرف اليورو. وهذا الأمر إيجابي جداً في وقت تعاني فيه المالية العامة من عجز مزمن وحرج في ظل إقتصاد أقل ما يُقال فيه أنه أشرف على الإفلاس (إفلاس إقتصادي وليس إفلاس مالي).

231 مليون دولار في الماكينة الإقتصادية

إن المبلغ الذي سيتمّ توفيره من الإستيراد من منطقة اليورو، لن يذهب إلى الدولة بل إلى المواطنين إذا ما تم خفض الأسعار، أو إلى التجار إذا لم تُخفض الأسعار. وإذا كان الإحتمال الثاني هو الأرجح، يتوجب على التجار إستخدام هذه الأموال للإستثمار في الاقتصاد اللبناني، بحكم أن الفائدة الأولى ستعود على التجار أنفسهم. وأهمية هذه الإستثمارات لا نقاش فيها إذ أن مُشكلة الاقتصاد اللبناني الأولى والأخيرة هي الإستثمارات، من هذا المُنطلق هناك واجب أخلاقي على التجار يُجبرهم على زيادة إستثماراتهم من الأرباح التي سيحصدونها من إنخفاض سعر صرف اليورو، والمطلوب أن يكون هناك موقف واضح لجمعية التجار في ما يخص هذا الأمر.
أما الحكومة التي من المفروض أنها تعي أهمية هذه الإستثمارات في هذه اللحظات العصيبة التي تعصف بالإقتصاد اللبناني، فيجب عليها وضع حوافز ضريبية تُشجّع فيها التجار على الإستثمار من الأرباح، وذلك عبر معادلة تنص على خفض الضرائب على الإستثمارات وعلى فرص العمل التي يتمّ خلقها للبنانيين حصراً.
وعلى أمل أن يتمّ سماع هذه الصرخة من قبل المعنيين، نؤكد مُجدداً على أن مُشكلة المشاكل للإقتصاد اللبناني تبقى في الإستثمارات. فضعفها منذ بدء الأزمة السورية والفيتو الخليجي على الإستثمارات في لبنان، دفعا بالإقتصاد اللبناني إلى التراجع حيث لم يعد هناك من نمو من خارج القطاع المصرفي وتحويلات المُغتربين، وبعض الخدمات. هذا النمو لم يعد كافياً بالطبع لسد العجز في الموازنة العامة التي تذهب مواردها بشكل كلّي إلى سد فوائد الديون وتغطية الأجور في القطاع العام.