كتبت صحيفة “الراي” الكويتية”:
حملت ذكرى عاشوراء كل عناصر التأزم التي تعتمل في الواقع اللبناني والتي تُعتبر امتداداً للصراع المتفجّر في المنطقة ولا سيما في سورية واليمن وللاستقطاب الحاد بين السعودية وإيران الذي يشكّل “الطبقة الإقليمية” من “الكباش” الدولي الأوسع الدائر وراء “خطوط النار” والذي ترتسم من خلفه ملامح نظام عالمي جديد تحاك توازناته بـ “خيوط دموية”.
وجاءت إطلالة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله شخصياً قبل ظهر امس، على جمهوره في الضاحية الجنوبية لبيروت، غداة “ظهورٍ” مماثل مساء الجمعة، لتعكس مشهدية متعمّدة أراد عبرها الحزب تحقيق هدفيْن: الأول توجيه سلسلة رسائل برسم الداخل والخارج معاً في ظل التطورات المتسارعة بالمنطقة منذ الدخول العسكري الروسي على الحرب السورية، والثاني استنهاض مناصريه وتحفيزهم على قاعدة مزدوجة: دينيّة ترتبط بمناسبة عاشوراء ورمزيّتها، وسياسية ارتكزت على معاودة تصويب “بوصلة العداء” باتجاه الولايات المتحدة باعتبارها “الرأس الحقيقي للمحور الصهيوني التكفيري في المنطقة” والمملكة العربية السعودية التي صارت وللمرة الاولى عنواناً لشعار “الموت” الذي لم يُطلق على “اميركا” بل خصّت به “الحشود الحسينية” (امس واول من امس) السعودية التي ارتفعت ضدّها هتافات ضد السعودية.
واذا كان التصويب المتجدّد على الولايات المتحدة اعتُبر بمثابة محاكاة لجمهور “حزب الله” وتجديد شدّ عصَبه بوجه “المعركة الأم” المتمثّلة بالحرب في سورية، على قاعدة “قديمة” بعيداً من موجبات الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي، فإن ما استوقف الدوائر السياسية في كلمة نصر الله التي استمرّت نحو نصف ساعة هو 3 نقاط:
الاولى بدت بمثابة ردّ على ما قيل عن تفاهمات روسية – اسرائيلية على “قواعد اشتباك” تقيّد “حزب الله” سواء في حركته داخل سورية والمناطق الحدودية مع الدولة العبرية او في استحواذه على أسلحة كاسرة للتوازن، وايضاً على ما تم تداوله عن حصول تل ابيب على ضوء اخضر من موسكو لاستكمال استهداف قوافل الحزب داخل سورية لمنعها من جلب أسلحة متطورة إلى جنوب لبنان.
واكد نصر الله في هذا السياق “الالتزام المطلق بمواجهة المشروع الصهيوني ومقاومة اسرائيل والعمل على رفع جهوزية المقاومة”، معلناً: “لا نتنياهو ولا جدّ جدّه سيمنع المقاومة من امتلاك السلاح الذي تحتاج اليه للدفاع عن لبنان وشعبه وحماية المقدسات ومواجهة أي حماقة او عدوان من”اسرائيل”.
والثانية، اعلانه للمرة الاولى ان انخراط الحزب في الحرب السورية هو”جهاد”، اذ اكد”مواصلة جهادنا في مواجهة الحرب الاميركية – التفكيرية الارهابية على إسلامنا ونبينا وشعوب منطقتنا، وهذا الجهاد سيتواصل مهما بلغت التضحيات بلا تردد وبلا تراجع وبلا اي شك في انتصارنا الآتين وسنهزم التكفيريين وسادتهم الاميركيين”، علماً ان نصر الله كان وضع مساء الجمعة المشاركة في المعركة الدائرة حالياً بمستوى الدفاع عن الوجود، قائلاً إن “التخلّف عن الحرب اليوم كترك الإمام الحسين وحيداً” في كربلاء.
والنقطة الثالثة جاءت لتكمل السياق الذي رسمه عشية عاشوراء حين حدّد الإدارة الاميركية كـ”عدو” مسمياً “وكلاءها” في المنطقة، اذ جدد استنكار”العدوان الأميركي – السعودي على اليمن”، متهماً المملكة بارتكاب”أكبر مجرزة في اليمن”، ومكرراً تحميله الرياض المسؤولية عن “مجزرة” مِنى.
وانطلاقاً من هذا السقف الاقليمي العالي الذي أكد فيه ايضاً التطلع “الى انتصار القوات العراقية والحشد الشعبي على داعش”، أطلّ نصر الله على الواقع اللبناني المأزوم، مشكلاً خط دفاع عن الحوار الوطني الذي “لا بديل عنه” والذي دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري ويستأنف جلساته غداً، من دون ان يتطرق بأي كلمة لا الى واقع الحكومة المعطّلة او محاولات إطلاق عجلة التشريع في البرلمان ولا الى النقطة الأهم المتمثلة في الحوار الثنائي بين “حزب الله” وتيار”المستقبل” الذي يفترض ان تُستأنف جلساته بعد غد وسط تعقيدات طرأت عليه ولم يبدّدها بالكامل توضيح وزير الداخلية نهاد المشنوق (لبري) سياق كلامه الذي هدد فيه بالانسحاب من الحكومة والحوار، وسط عدم اتضاح اذا كان المشنوق سيشارك في حوار الثلاثاء كما درجت العادة ام لا.
ودعا نصر الله في هذا السياق الى عدم انتظار تطورات المنطقة”، مؤكدا أن “على جميع القوى السياسية أن تبادر الى التفاهم والتعاون لايجاد الحلول للازمات الخطيرة التي تعصف بالبلد بعيداً عن المكابرة والعناد والتعاطي بجدية مع الحوار الوطني الواسع، حيث لا يوجد اي بديل آخر في المدى المنظور عنه”. وأضاف: “البعض انتظر النووي الايراني وانتهت الأمور وحصل الاتفاق والأمور تذهب للإجراء، فهل باعتنا ايران؟ ابداً. والبعض انتظر سورية ان تسقط كي يتحكم بلبنان وحتى اليوم سورية لم تسقط، وبإذن الله ومشيئة الله لن تسقط. واليوم يقول البعض ان الرئاسة تنتظر حرب اليمن، وجوابنا ان هذا رهان على وهم وسراب”. وتابع: “لا احد يفرض علينا قرارنا. عند اميركا يوجد عبيد، وعند طغاة وغزاة المال والنفط والغاز يتعاطون كأسياد مع عبيد، اما نحن حزب ولاية الفقيه فنحن سادة عند الوليّ الفقيه. واليوم انتم تمنعون انتخاب الممثل الحقيقي والصحيح للبنانيين رئيساً”، داعيا لعدم انتظار حوار سعودي – ايراني “لأن الأمور تزداد تعقيداً في المنطقة ولبنان خارج الاهتمام الدولي وعلى اللبنانيين ان يختاروا هم مصيرهم بعيدا عن اي تدخل”.
وفي موازاة إطلالة نصر الله التي واكبتها إجراءات امنية غير مسبوقة تخللها بروز مظاهر وقائية من عناصر”حزب الله”لم يسبق ان شهدتها الضاحية الجنوبية بينها استخدام الكلاب المتخصصة بكشف المتفجرات اضافة الى نصب”أبراج مراقبة”معدنية، كان بري يرسم عبر الوزير علي حسن خليل المشهد للأيام المقبلة التي سيستكمل خلالها (حتى الثلثاء) الاتصالات على خطيْن هما: تجنب الكأس المرة باستقالة الحكومة على خلفية عرقلة خطة النفايات، والثاني عقد جلسة تشريع الضرورة التي يصرّ عليها رئيس البرلمان في الاسبوع الاول من نوفمبر. وسيشكّل اجتماع هيئة مكتب البرلمان بعد غد محطة مفصلية لحهة التوافق على بنود جدول الأعمال التي يصرّ الافرقاء المسيحيون الرئيسيون على حصره بـ”تشريع الضرورة”وإدراج بنديْ قانون الانتخاب واستعادة الجنسية في أول الجدول، وسط عدم استبعاد بلوغ صيغة وسط على قاعدة تقديمهما باقتراح قانون معجل مكرّر ليتمّ التصويت على صفة الاستعجال فاذا لم تنَل الأكثرية المطلوبة يتم الانتقال الى البنود المالية الملحّة.
واكد خليل انه “ستكون هناك دعوة إلى عقد جلسات للمجلس النيابي لاقرار القوانين التي تهم الناس تماماً كما يجب أن نصل إلى صيغة تجعل من انعقاد الحكومة أمرا ممكناً”. وقال: “يوم الاثنين هناك جلسة مكتملة الأوصاف حول مستقبل الرئاسة وانتخاب الرئاسة وصولا إلى التفاهم حول القوانين المختلقة الواردة على جدول الأعمال”. واضاف: “الحوار الداخلي بين حزب الله وتيار المستقبل سيستمر أيضا وسيكون هناك نقاش في ما جرى خلال المرحلة الماضية وعلينا ألا نتعاطى مع هذا التفصيل كأمر ثانوي علينا أن ننظر إليه كمساحة اللقاء الوحيد في العالم العربي والاسلامي بين السنة والشيعة”.