تعتبر الكلمات مهمة بشكل كبير بالنسبة للمستثمرين، خاصة عندما يرسل مصرفي في بنك مركزي رسالة تهدئة. لم يكن متوقعا أن يمنح اجتماع البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي في مالطا كثيرا من البهجة للأسواق، لكن التلميح السخي بوجود تخفيف إضافي وانقلاب مفاجئ في السياسة، اللذين يتوقع حدوثهما في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، عملا على إشعال الروح الاستثمارية لدى المستثمرين.
بشكل مشابه لفيلم “العودة إلى المستقبل”، عاد المستثمرون إلى طريقة اللعب التي كانت مهيمنة على الأسواق في آذار (مارس) الماضي، عندما أطلق البنك المركزي الأوروبي سياسته الخاصة بالتسهيل الكمي، المتمثلة في شراء سندات بقيمة 60 مليار يورو شهريا. عائدات السندات لبلدان مثل إسبانيا وإيطاليا في فئة السنتين تتحول إلى عائدات سلبية، في الوقت الذي تسجل فيه السندات الألمانية المعيارية مستوى منخفضا قياسيا جديدا يبلغ سالب 0.32 في المائة. التراجع المفاجئ في اليورو إلى ما دون 1.11 دولار، الذي كان حتى الأسبوع الماضي عند 1.15 دولار، عمل على إحداث ارتفاع في أسعار الأسهم، ليقفز مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 بنسبة 4 في المائة في أقل من 24 ساعة، بعد أن فتح ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الباب أمام مزيد من خفض سعر الفائدة على الودائع ليصبح سالب 0.2 في المائة.
وفي حين يستمتع المستثمرون بعودة هبات البنك المركزي الأوروبي، يكون السؤال الملح هو ما إذا كان هذا سيدوم وسيزيد من عائدات الاستثمار قبل اختتام العام.
يقول تيمو ديل كاربيو، الاقتصادي الأوروبي لدى “آر بي سي كابيتال ماركتس”: “إن شعورا بالإلحاح اجتاح البنك المركزي الأوروبي، مع اجتماع هذا الشهر الذي يكشف عن أن مجلس المحافظين على أتم استعداد لاتخاذ المزيد من الإجراءات”.
ويتابع: “التركيز الآن وبشدة على الاجتماع الختامي للعام في كانون الأول (ديسمبر). ما زلنا نتوقع أن الدعم من السياسة النقدية سيتم تمديده”.
وذكر أن البنك يتوقع انخفاضا نسبته 20 نقطة أساس في سعر الفائدة على الودائع ليصل إلى سالب 0.4 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) وزيادة في شراء السندات، وهو تحول سيعمل على خفض العائدات بشكل أكبر بكثير.
وتم إعداد السوق لتغييرات في برنامج شراء الأصول، فقط لتفاجأ بالعودة عنها من خلال النغمة التي تحدث بها دراجي.
يقول فالنتين مارينوف، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة الدول العشر في بنك كريدي أجريكول: “كان المؤتمر الصحافي لدراجي بمنزلة دعوة إيقاظ للكثيرين (بمن فيهم نحن) الذين كانوا يظنون أن البنك المركزي الأوروبي ربما ينتظر حتى الربع الأول قبل الإعلان عن المزيد من التسهيل”.
وكانت المفاجأة الرئيسية هي أن البنك المركزي الأوروبي نكث بتعهد سابق بعدم خفض سعر الفائدة على الودائع، الذي يرى كثيرون أنه يعكس إدراكا بأن تعزيز القوة الضاربة لبرنامج التسهيل الكمي قد لا يكون كافيا.
إلفين دي جروت، المختص الاستراتيجي لمنطقة اليورو في بنك رابو، هو أحد الذين يعتقدون أن البنك المركزي الأوروبي كان يخشى من استجابة مخيبة للأسواق فيما لو اقتصر عمله على التوسع في شراء الأصول. ويقول: “ربما يكون مجلس المحافظين قد استنتج فعليا أن خفض سعر الفائدة على الودائع لم يعد من المحرمات”.
ووفقا لستيفن بارو، من ستاندرد بانك، ربما يعمل خفض سعر الفائدة على الودائع فقط على قلب التوازن نحو انخفاض في اليورو إذا لم ينفذ التسهيل الكمي الإضافي الفكرة ذاتها”.
وهذا يؤكد كيف أن العملة هي في المقدمة وفي قلب كفاح البنك المركزي الأوروبي للوفاء بمهمته التي انتدب إليها. ويقف اليورو الآن عند أدنى مستوياته منذ شهرين بعد أن نفض رئيس البنك المركزي الأوروبي الغبار عن كتابه الخاص بالخطاب الحمائمي وقال إن مجلس المحافظين “مستعد وقادر على التصرف باستخدام جميع الوسائل المتاحة”.
يقول أولريتش ليوتشتمان، المختص الاستراتيجي لدى كوميرتس بانك: “يبدو أن دراجي يعتبر أن قناة سعر الصرف هي الطريقة الوحيدة للتأثير في التضخم”. أما نيل ميلور، من “بي إن واي ميلون”، فيقول إن رئيس البنك المركزي الأوروبي اعترف بأن “اليورو الأقوى يشكل خطرا على النمو”. لذلك يعتمد الكثير على المزيد من الضعف لليورو، وهو احتمال تشوبه جزئيا شكوك بشأن ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيعمل على تشديد السياسة هذا العام، ما يدعم الدولار الأقوى.
وتلاحظ إيلزا ليجنوس، وهي مختصة استراتيجية أولى في العملة لدى “آر بي سي كابيتال ماركتس”، أن اليورو في اليوم التالي لمؤتمر دراجي الصحافي الحمائمي في أيلول (سبتمبر)، كان منخفضا 110 نقط أساس مقابل الدولار. وتحذر قائلة: “بعد مضي أسبوع، عاد إلى المستوى الذي بدأ منه”.
وبغض النظر عن رد الفعل القوي الحالي عبر الأسواق، لا يزال الخطر قائما بأن يتلاشى البريق واللمعان خلال الأسابيع المقبلة، بسبب أي ارتفاع في قيمة اليورو. ويضع المستثمرون في حسبانهم أن الحديث سلاح من السهل إفراغه، أما التصرف فهو سلاح مختلف تماما. بعد أن عبأ الأسواق للمزيد من الحوافز الإضافية، فإن البنك المركزي بحاجة إلى تحقيق النتائج في حال أن البيانات المقبلة تشير إلى أن هناك تباطؤا في النشاط.
ووفقا لدي جروت، سيتعين على البنك المركزي الأوروبي “التقدم بحذر”، على اعتبار أن كل مكسب من أحدث التعليقات التي أدلى بها دراجي يتضمن أثرا متلاشيا لقرار فعلي إذا أخفق قرار البنك المركزي في كانون الأول (ديسمبر) في التغلب على التوقعات.
علاوة على ذلك، من المقرر أن يتم اجتماع البنك المركزي الأوروبي في كانون الأول (ديسمبر) قبل اجتماع مماثل للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الشهر نفسه.
تقول ستيفاني لينديك، وهي اقتصادية أولى في شركة يوليوس باير: “نحن واثقون من أن البنك المركزي الأوروبي مستعد للتصرف في حال ملاحظة حدوث تدهور في البيانات، مع ذلك نحن متشككون من فكرة أن رسالة (الخميس) ينبغي أن تكون الأساس الذي تستند إليه مشاعر النشوة حتى الآن”.