كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
قبل أسابيع قليلة، سأل مسؤول لبناني مسؤولاً أميركياً: “أليست هناك نافذة يمكنكم الولوج منها في علاقتكم مع إيران كي تسهل انتخاب رئيس للبنان”؟ فجاءه الجواب قاطعاً: “ليس هناك أي نافذة ولو صغيرة لذلك”.
وخلال زيارته نيويورك لتمثيل لبنان في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تلقى رئيس الحكومة تمام سلام نصيحة من أحد القادة العرب بأن يتوقف المسؤولون اللبنانيون عن المراهنة على أن تسهل إيران انتخاب رئيس وأن يقلعوا عن مطالبتها بذلك، وأن يطلبوا بدلاً من ذلك من موسكو أن تبذل جهودها في هذا الصدد لأنها أقدر على أن تحصّل نتائج من طهران في هذا الملف، من أي جهة أخرى.
وفي بيروت، اعتبرت شخصية سياسية بارزة ومعنية بمتابعة الاتصالات لإنهاء الشغور الرئاسي عن كثب، بعد أن كان التدخل العسكري الروسي في سورية أخذ مداه، أن النصيحة التي تلقاها سلام سليمة وصحيحة، لأن ما سينجم عن هذا التدخل لا بد من أن يأتي بحل سياسي لسورية، قد لا يكون قريباً، لكن الحملة العسكرية الروسية لا بد من أن تنتهي بهذا الحل، الذي سينجم عنه فتح ثغرة في الأزمة اللبنانية تؤدي إلى انتخاب رئيس.
وفي اعتقاد الشخصية نفسها أن ما يقال عن أن تدخل موسكو في سورية يأخذ من دور إيران فيها ليس بعيداً من الواقع، وبالتالي فإن هذا سينعكس على ثقل طهران في التركيبة اللبنانية. فولوج الحل السياسي الذي دونه صعوبات الآن، لا بد من أن ينتج انسحاباً لـ “حزب الله” من سورية عندما يحين وقت التسوية، وينعكس الأمر تغييراً في المشهد السياسي في البلدين.
وتضيف هذه الشخصية البارزة أن حاجة الحزب إلى غطاء زعيم “تكتل التغيير والإصلاح النيابي” العماد ميشال عون في خوضه الحرب في سورية ستتراجع في هذه الحال، ما يسهل البحث عن مرشح التسوية الذي يمانع الحزب خياره الآن لاستمرار تدخله في الأزمة السورية والتزامه دعم عون للرئاسة. فالحزب وقادة رئيسيون في تحالف قوى 8 آذار يتهيأون لهذا الاحتمال ولو بتحفظ، نظراً إلى أسباب ومؤشرات عدة يمكن ذكر الآتي منها:
– أن هناك اقتناعاً بأن إنجاح خيار العماد عون للرئاسة بات مستحيلاً، لأن من رفض إعطاءه ترقية صهره العميد شامل روكز إلى لواء من أجل إبقائه في الجيش أو تعيينه قائداً للجيش على رغم التوافق بين الخصوم على كفاءته، هو مؤشر واضح إلى أن هذا الفريق لن يقبل بعون رئيساً. ولهذا أبعاد إقليمية ودولية نظراً إلى التمسك بالعماد جان قهوجي قائداً للجيش.
– اقتناع دولي بأن استمرار الصراع السني – الشيعي في المنطقة والذي ينعكس على لبنان يجب ألا يستمر المسيحيون وتحديداً الموارنة في دفع ثمنه بمواصلة تعطيل موقعهم في السلطة السياسية. وهذا الأمر يتسبب في تحميل الجناحين المسلمين المسؤولية المعنوية والسياسية عن الشغور، وإن كان الفريق الشيعي يتحمل النصيب الأكبر من التعطيل بحكم الالتزام المطلق لـ “حزب الله” مع عون بمقاطعة جلسات انتخاب الرئيس. وهو ما احتاط له رئيس البرلمان نبيه بري منذ ما قبل حصول الفراغ الرئاسي في أيار(مايو) 2013، لإدراكه ثقل هذه التهمة على طائفته، فقرر منذ حينه حضور كتلته النيابية جلسات الانتخاب وعدم مجاراة المقاطعين. وهذا أكسبه موقعاً يمكنه من لعب دور “الوسيط” أو صلة الوصل بين الفرقاء، الذي يلعبه الآن.
– أن “حزب الله” نفسه أخذ يحتاط لأي تسوية محتملة في سورية تنعكس على لبنان، ولإدراكه أن الممانعة الإقليمية في انتخاب العماد عون لا تبدو قابلة للتعديل، بدليل فشل محاولات التسوية المتعلقة بقضية العميد روكز. وترى أن الحزب كان يمكن أن يكون أكثر حماساً وانخراطاً في مشروع التسوية على الترقيات. وتعيد الشخصية البارزة التذكير بعبارة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله عن أن العماد عون “ممر إلزامي لانتخابات الرئاسة لا يمكنكم أن تعزلوه”، في خطاب له في 14 آب (أغسطس) الماضي. وعلى رغم أن نصر الله عاد وأوضح رداً على تأويلات قوى 14 آذار بأن هذه العبارة هي تخل عن دعم عون، فتمسك بترشيحه، لأن زمن التسوية لم يأت بعد، ولا بد من أن يثبت على خياره. إلا أن أوساطاً متابعة لملف الرئاسة اللبنانية في خضم التطورات الإقليمية تتفق مع الشخصية نفسها على فهم هذه العبارة بالعلاقة مع لازمة أخرى تتردد في أدبيات الحزب وهي أنه “لن نسمح بكسر عون”. وتفسير هذه الأوساط لهذه اللازمة هو أن أي تسوية على الرئاسة لن تأتي برئيس يكون عدائياً للجنرال، أو ممن لا يحبذهم، أو أنه سيفرض عليه.
ويسجل بعض الأوساط المتابعة لموقف الحزب والقادة الرئيسيين في قوى 8 آذار أن حرص الرئيس بري في الجلسة قبل الماضية لهيئة الحوار الوطني على القول أن انتخاب الرئيس يجب أن يتم من دون تعديل الدستور، هو نوع من التطمين للعماد عون بأن مجيء رئيس تسوية لن يكون ضد إرادته، تحت عنوان “عدم كسر” الجنرال. وهذا الموقف جاء في سياق البحث الأولي في مواصفات الرئيس.
– أن قادة 8 آذار يقرون بأن الرئيس اللبناني العتيد لن يمر إذا كان على خصومة مع الجهات الإقليمية المعنية بالوضع اللبناني، ومنها المملكة العربية السعودية. وهي إن كانت ليست في وضعية الإتيان بالرئيس الذي تفضل، وأنها لا تفكر بهذه الطريقة، فإنها لا بد من أن تكون لها القدرة على الحؤول دون مجيء من تشك بموقفه تجاهها.
وتشير مصادر متصلة بالحلقة الضيقة في 8 آذار، أن في الأسابيع الماضية جرى بحث بإمكان الانتقال من دعم ترشح عون إلى تقديم خيار دعم زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية بحجة أن مواقفه الأخيرة بعدم تحبيذ النزول إلى الشارع مع العماد عون لقيت ترحيباً من تيار “المستقبل” ومن رئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط وأن نواب الفريقين أخذوا ينفتحون عليه، وعلاقته مع المملكة العربية السعودية مقبولة. لكن التدقيق بهذه الانطباعات انتهى إلى الاستنتاج بأن “المستقبل” سبق أن قدم وعوداً لعون لكنها لم تصمد وأن هذا الخيار يحتاج من أجل ضمان نجاحه إلى التأكد من عدم الممانعة الإقليمية وتحديداً السعودية، في وقت المملكة ليست في وارد الدخول في اهتمامات من هذا النوع الآن وهي تخوض مواجهة مع إيران في سورية واليمن. والخلاصة كانت أن الظروف لم تنضج بعد.
لكن، ما المقصود بما يتردد في بعض الأوساط عن أنه سيكون لموسكو دور في المخرج من الشغور الرئاسي بموازاة السعي لحل سياسي في سورية؟
تسارع المصادر المتابعة لهذا الاحتمال إلى القول أن دور موسكو لا يعني أنها هي التي ستختار الرئيس، على رغم أنها متابعة عن كثب منذ زمن كل ما يتصل بالاستحقاق اللبناني بما فيها الأسماء المحتملة، بل أنها ستدفع نحو وقف تعطيل الانتخاب، في سياق التوافقات الدولية الإقليمية على تفكيك التأزم في المنطقة وامتداده إلى لبنان. وهي تعرف أن الأمر يتطلب توافقات إقليمية قبل أي شيء.
لكن المصــــادر نفسها تحرص على التأكيد أن الآمال في هذا الصدد إذا صحـــت، تحتاج إلى الكثير من الوقت وهي الآن قائمــــة على فرضـــيات. وسيضـــطر اللبنانيون إلى البقاء في همومهم الحالية المتعلــقة بالنفايات ومنع الانهيار المالي نتيجة انعكاس التعـــطيل على الاقتصاد، لمدة غير قصيرة، قبل أن يأتيهم الفرج.