يكاد يكون مشهد النفايات المتكدسة في مكبات عشوائية عند مداخل العاصمة اللبنانية بيروت، أبرز دليل على تردي الخدمات والوضع الاقتصادي للبلاد، التي تعاني من انقسامات سياسية طاولت شظاياها مختلف القطاعات الاقتصادية.
وتعالت التحذيرات الدولية والمحلية في الفترة الأخيرة من أن اقتصاد لبنان أصبح “في حالة احتضار”، وسط تراجع التصنيف الائتماني للبلاد.
وجاءت الأزمة السياسية من عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ مايو/أيار 2014، وتعطيل مجلس النواب، ودخول الحكومة منذ أسابيع في غيبوبة فعلية وفق وصف محللين، لتزيد من حدة الأزمة الاقتصادية.
ولوح وزير المال علي حسن خليل مؤخرا بعدم إقدام الحكومة على دفع رواتب القطاع العام في ديسمبر/كانون الأول المقبل. وربط خليل دفع الرواتب بعقد جلسة تشريعية لمجلس النواب تُصدر قانون يسمح للحكومة بفتح اعتمادات جديدة.
وفيما بادرت الكتل السياسية بالتأكيد على مشاركتها في هذه الجلسة تحت عنوان تشريع الضرورة، لكن البعض ينظر بعين الريبة إلى إمكانية نجاح هذه الجلسة بينما يبدي أخرون تفاؤلا.
وتزامن هذا مع تكرار البنك الدولي مطالباته للبنان بضرورة إقرار بيروت بالقروض المقررة لها.
ويمول البنك الدولي عدداً من المشاريع اللبنانية ومن أبرزها مشروع “سد بسري”، لتخزين 125 مليون متر مكعب من المياه، ينتظر أن تؤمن احتياجات مدينة بيروت الكبرى.
وقالت مصدر مسؤول في البنك الدولي لـ”العربي الجديد”، إن أهمية المشروع تأتي من أن مليون ونصف مليون لبناني سيستفيدون من مياه صالحة للشرب، وبالتالي حلّ أزمة المياه التي تتفاقم سنة بعد أخرى في بيروت وجبل لبنان.
وأضاف المصدر أن فائدة القرض متدنية، وهي 1%، مع خمس سنوات سماح من الدفع في البداية. وسبق للبنك الدولي أن مدد مهلة الاستفادة من هذا القرض من يوليو/تموز الماضي إلى نهاية العام الحالي، بعدما فشل مجلس النواب في الاجتماع وإقراره.
وقبل تمديد المهلة في يوليو/تموز، أبلغ المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج “العربي الجديد” بأن تمديده لا يمكن أن يحصل إلا إذا ارتبط بضمانات، مشيرا إلى أن أبرز سلبيات إلغاء القروض هو الصورة السيئة التي يُقدمها لبنان للعالم.
بلحاج، الذي يصف لبنان دائماً، ببلد الفرص الضائعة، يُعدد دوماً أن المناخ الاستثماري يحتاج إلى استثمارات في القطاعات الخدماتية مثل المياه والكهرباء والاتصالات والنقل العام وغيرها. وهذه الخدمات، إما غير موجودة أو أن جودتها سيئة.
تتفاعل هذه المعطيات، لتشير إلى أن الاقتصاد اللبناني يتجه صوب الانحدار بشكلٍ متسارع. ويقول وزير الاقتصاد اللبناني ألان حكيم، إن ما يجعله يشعر بالأسى، هو أن التراجع الاقتصادي الحاد، لا يأتي نتيجة للوضع السياسي والأمني في الإقليم المشتعل، بل بسبب فشل داخلي بإدارة شؤون البلاد.
لكن حكيم لا يعتقد بأن هناك انهياراً اقتصادياً في لبنان، بل تراجعاً بالمؤشرات، مشيرا إلى أن نسبة النمو التي كانت متوقعة للبنان وصلت إلى 2.5%، “لكن التعطيل الحكومي والشغب الاجتماعي خفضا هذه النسبة إلى 1.5%”.
ويتخوّف وزير الاقتصاد اللبناني من أن تصل هذه النسبة إلى صفر في المئة العام المقبل، إذا بقيت الأمور على حالها. ويصف الحالة في لبنان “بأننا نطلق النار على أقدامنا”.
ويعتقد حكيم أن تفعيل الحياة السياسية وتوفير الاقتصاد يُمكن أن يُحدث صدمة إيجابية للاقتصاد، ويُعطي مثالاً على ذلك، أن النمو عام 2006 وصل لحدود 0.5%، وفي العام 2007 قفز إلى 12.5%.
ويرى حكيم أن هناك عوامل تمنع الانهيار الاقتصادي، وأبرزها ثلاثة كما يقول: القطاع المصرفي الذي يمتاز بحوكمة عالية، القطاع الخاص والمبادرة الفردية، واللبنانيون في الخارج (تحويلات المغتربين).
ويشير إلى أن من نقاط القوة في لبنان أن “الدين العام بأيدينا” بالإشارة إلى المصارف اللبنانية هي الدائن الأول للحكومة، “ولو لم يكن كذلك لانتهينا مثل اليونان وقبرص”.
في المقابل، يرفع الدكتور إيلي يشوعي، وهو واحد من الخبراء الاقتصاديين الأساسيين في لبنان، من تحذيراته إلى الحدود القصوى.
يشوعي يرى الانهيار حاصلاً، ولذلك يرحب بوقف القروض، لا بل يُطالب الحكومة بالتوقف عن الاستدانة “لا نريد عجزاً إضافياً بالموازنة، الدولة تستدين بدون نتيجة فقد وصل الدين العام إلى أكثر من 70 مليار دولار، ونحن ندفع ما بين 4 و5 مليارات سنوياً فوائد للدين العام”.
ويشير إلى أن الوضع الاقتصادي متدهور بسبب السياسات المالية المتراكمة، وغياب سياسات تحفيز الاستثمار كما أن السياسة النقدية لا توفر سيولة بفوائد قليلة للمستمرين. وهذه السياسات أغرقت لبنان بالدين العام، كما يقول يشوعي، وقلصت حجم الاقتصاد اللبناني وهجرت اللبنانيين.
يرفض يشوعي الركون إلى الوضع الإقليمي لتبرير الفشل الاقتصادي، بل يعتقد أن هذا الوضع أظهر الصورة القاتمة والمشوشة للاقتصاد اللبناني.
ويلفت إلى أن حجم النمو هذه السنة يصل إلى صفر في المئة، ومن المتوقع أن يكون سلبياً للعام المقبل. نظرة يشوعي السلبية جداً، تدفعه للقول إن الانهيار الاقتصادي وارد في لبنان ” فالنمو صفر والشركات تغلق أو تغادر لبنانا، وهناك نزف بشري وطبيعي”.
ومنذ أيام حذر اتحاد النقابات السياحية في لبنان السياسيين من أن القطاعات الاقتصادية اللبنانية، أصبحت في حالة احتضار جراء الوضع غير المستقر الذي تعيشه البلاد منذ بداية الحرب في سورية المجاورة قبل أكثر من أربع سنوات.
وقال بيار الأشقر رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق في مؤتمر صحافي في بيروت الثلاثاء الماضي، إن “السياحة في خطر والواقع أليم والخسائر تتراكم وتتنوع وهي طاولت كل المقومات التي يرتكز عليها القطاع”.