تحوّل مصرف لبنان في المرحلة الأخيرة، ومنذ مدة غير قليلة، إلى المموّل الأساسي لاحتياجات الدولة، نتيجة تراجع نمو حجم الودائع لدى القطاع المصرفي من جهة، وتأخر الدولة في اصدار سندات اليورو بوند لتمويل الاستحقاقات بقيمة حوالي الملياري دولار، والذي ينتظر أن تصدره وزارة المالية خلال الفترة القليلة المقبلة بعد الأعلان عنه.
تخفيض تصنيف لبنان من قبل مؤسسة «ستاندرد اند بورز» التي توقعت نظرة سلبية إلى تصنيف لبنان، قد يزيد المخاطر الائتمانية على لبنان، ويرفع قيمة الفوائد على الدولة، تبعاً للتصنيف، بعد نظرة صندوق النقد الدولي المرتقبة للتطورات المالية العامة، التي تعاني عجوزات كبيرة في ظل غياب الموازنة العامة، التي لم تقر في المجلس النيابي منذ سنوات.
المصارف تفضل، ومنذ فترة، ايداع الزيادة التي تطرأ على الودائع، في مصرف لبنان، منها جزء الاحتياطي الإلزامي، ومنها جزء من الودائع لقاء فوائد، نظراً لغياب التوظيفات في المجالات الاقتصادية والاستثمارية الأخرى.
تراجع نمو النشاط المصرفي
يشار إلى ان نمو الودائع تراجع حتى نهاية آب من العام الحالي حوالي 2 في المئة، وسجل حوالي 5.2 مليارات دولار، مقابل حوالي 5.3 مليارت دولار في الفترة ذاتها من العام 2014، أي بتراجع حوالي 100 مليون دولار. ويعني عدم نمو الودائع، تراجع قدرة المصارف على اقراض الدولة، حيث تبلغ قيمة الديون المصرفية إلى الدولة أكثر من 37 مليار دولار مقابل، حوالي 54 إلى 55 مليار دولار التسليفات للقطاعات الاقتصادية والقروض الفردية، التي يستفيد منها حتى الآن أكثر من 680 الف مقترض في مختلف المجالات.
حتى مجموع التسليفات، خلال الفترة المنقضية من العام 2015، تراجعت حوالي 36 في المئة، مقارنة مع العام 2014. وهذا يعني أن هناك عدم اقبال على الاقتراض من القطاعات، نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي والمشاريع الاستثمارية في البلاد، بسبب التردي السياسي والانشقاقات الداخلية مدعومة بالتطورات الأمنية الاقليمة، لاسيما الوضع في سوريا الذي ينعكس مباشرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني، في النشاط وتردي الخدمات الحياتية وفي مقدمها الكهرباء، وتراجع فرص العمل ونمو البطالة، التي تبدو مظاهرها من خلال الهجرة المتزايد ة من قبل اللبنانيين على بالرغم من ضيق فرص العمل في الخارج.
بالعودة إلى مصرف لبنان، الذي تحوّل الممول الأساسي لاحتياجات الدولة، فقد بات يحمل اليوم حوالي 25 الفاً و700 مليار ليرة من الدين الداخلي، وهو اقرض الدولة منذ بداية العام وحتى 15/10/2015 ما مجموعه حوالي 4700 مليار ليرة خلال الأشهر الماضية. يضاف إلى ذلك ديون «المركزي» بالعملات الاجنبية، والبالغة حوالي 5 مليارات دولار حتى الآن، وهي نسبة عالية من حجم المديونية إلى الدولة. وهذا الواقع يؤكد تحول مصرف لبنان إلى اللاعب الأساسي في تمويل احتياجات الدولة، بعدما اضحت المصارف تفضل ايداع زيادة الودائع لدى «المركزي» بدلاً من اقراض الدولة، التي تعجز عن معالجة الحد الأدنى من الملفات الداخلية، في ظل وضع متوتر في السياسة والامن!
القطاع المالي والصعوبات المحيطة
بالنسبة إلى لبنان فإنه على الرغم من التطورات المحيطة به والتباين السياسي الداخلي، استطاع قطاعه المالي ضمان الحد المقبول من النمو والاستقرار، على الرغم من تضرر مثلث النمو الاقتصادي في لبنان، من تراجع حجم الاستثمارات العربية، خصوصاً والأجنبية بشكل عام، بما نسبته حوالي 29 في المئة حيث تراجعت الرساميل الوافدة من حوالي 10.1 مليارات دولار خلال ثمانية أشهر من العام 2014 إلى حوالي 7.2 مليارات دولار في الفترة ذاتها من العام 2015، أي بماقيمته حوالي 3 مليارات دولار. وكذلك تضرر حركة الصادرات اللبنانية من صناعية وزراعية التي تراجعت حوالي 8.5 في المئة وخسرت خلال الفترة حوالي 100 مليون دولار نتيجة الظروف في المنطقة، ناهيك عن الضرر الذي أصاب القطاع السياحي نتيجة تراجع الحركة السياحية العربية نحو لبنان، والتي أفقدته أكثر من 34 في المئة من نشاطه الحقيقي، مقارنة بالفترات السابقة من السنوات الماضية، التي لم تكن جيدة، وهو أمر أضرَّ بنمو الناتج المحلي، وانعكس، ولو جزئيا، على نشاط المالية العامة، التي ستعاني من صعوبات التمويل، بعد انذارات خفض التصنيف السيادي، كذلك من حيث حركة الإيرادات التي يفترض أن تزيد لتغطية احتياجات الانفاق المطلوبة، في ظل أزمة النازحين الذين يحتاجون إلى تقديمات تفوق قدرات لبنان المالية والاقتصادية.
على صعيد ميزان المدفوعات فإن العجز خلال العام الحالي (حوالي 8 أشهر) بلغ حوالي 1649 مليون دولار مقارنة مع عجز قدره حوالي 433 مليون دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي. وهذا يعني مزيدا من نمو الفارق بين الاموال الداخلة إلى لبنان، والأموال الخارجة منه بالعملات الأجنبية. مع الإشارة إلى تراجع حركة المستوردات اللبنانية من الخارج، بما نسبته 13.6 في المئة مقابل تراجع الصادرات حوالي 9 في المئة، وهذا أحد الأسباب في العجز ونموه خلال العام 2015.
وحده الدين العام يسجل المزيد من النمو، ليبلغ حوالي 69.2 مليار دولار، بنمو قدره حوالي 3.6 مليارات دولار خلال ثمانية أشهر، بما نسبته 5.5 في المئة خلال الثلثين الأولين من العام الحالي.