Site icon IMLebanon

السلطة تتمسك بقشة “تشريع الضرورة”

 

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

هل تفاجأت السلطة بما حصل مع «الشتوة» الأولى؟ هل تفاجأت بتمدد النفايات في الطرق ومجاري الأنهار ومجاري الصرف الصحي وفي باطن الأرض؟ هل تفاجأت بإعلان وزير الصحة أننا وصلنا إلى المحظور وأن الأضرار الصحية والبيئية لم يعد بالإمكان تداركها؟ وبعد ذلك، هل للسلطة ما تقوله للمواطنين الذين يتعرضون للمهانة تلو المهانة؟ ثم، هل من قعر أعمق من الذي أوصلت البلد إليه؟

قد لا تنتهي الأسئلة، لكن الإجابات تكاد تكون معدومة. أزمة النفايات وحدها مستمرة منذ أربعة أشهر بدون إيجاد الحلول لها. وهي أزمة من عشرات الأزمات التي تقف السلطة عاجزة عن حلها.. ومع ذلك فهي لا تعلن أنها فشلت في تحمل مسؤولياتها، فترحل أو على الأقل تعلن حالة الطوارئ. بل تفضّل البقاء على رأس المراوحة المدمرة للبلد ولمؤسساته.

الأسوأ أن في الأفق ظلاما دامسا. فلا فرص جدية لكسر الفراغ الرئاسي المستمر منذ سنتين، ولا فرص حتى لاجتماع حكومي على أكوام النفايات، فيما يستمر الرئيس تمام سلام بالتهديد بقلب الطاولة.. لكنه لا يفعل، آملاً بجلسة لمجلس الوزراء قد تغسل بعضاً من ماء وجه هذه الحكومة التي سقطت منذ زمن.

التشريع بالترهيب!

الخرق الوحيد المأمول حالياً هو إمكانية عقد جلسة تشريعية. ولهذه الغاية يقوم الرئيس نبيه بري بجهود استثنائية لتمرير «تشريع الضرورة»، مستعيناً بكل أدوات الترهيب مما ينتظر لبنان من انتكاسات دولية ومحلية، إن لم يقر بعض القوانين، فيما يتحفظ حتى اليوم على استعمال أدوات الترغيب، كإدراج قانون الانتخاب أو قانون استعادة الجنسية أو غيرهما.

يعرف الرئيس بري، كما يعرف غيره، أن الجلسة لن تفيد في إحياء مؤسسة مجلس النواب، التي فقدت شرعيتها بالتمديدين ثم بعدم القدرة على الاجتماع. لكن مع ذلك، ثمة من يأمل تخفيف الإحراج عن النواب العاطلين من العمل. أضف أن أحداً لا يصدق أن ما يسمى بتشريع الضرورة سيسحب البلد من المهوار أو أنه سيعني أن الدولة ما تزال على قيد الحياة، أو أن الانهيار البيئي والصحي لن يحصل.

عندما يتحدث النواب عن ضرورة العودة إلى التشريع من أجل مصلحة المواطنين، فهم إما يقولون نصف الحقيقة أو يستخفون بعقول الناس. لا أحد ينكر أن التشريع ضروري، لكن في المقابل، لا أحد يصدق أن السلطة تهتم لشؤون الناس، فلو كانت تفعل، لما احتاجت لانتظار جلسة تشريعية. قضية النفايات أكبر وأخطر دليل، وحلها لا يحتاج إلا إلى قرار جدي، لم يتخذ بعد، بالرغم من الجلسات الحكومية الطويلة التي عقدت لأجلها وبالرغم من القرارات العشوائية التي اتخذت وتبين أنها بلا جدوى. والسلسلة تطول: من التعيينات إلى المشاريع التنموية إلى الكهرباء والماء والطرق…

ليست جلسة تشريع الضرورة هي «من سيشيل الزير من البير» إذاً، لذلك فالمطلوب أولاً عدم تضخيم نتائجها وانعكاساتها على المواطنين. في الأساس، لا وجود في منطق الدولة لقوانين ضرورية وأخرى غير ضرورية. كل القوانين ضرورية لانتظام عمل المؤسسات، لكن قبل ذلك المطلوب أن يكون هنالك دولة.. وفي غيابها، لن يغير تشريع الضرورة الكثير.

تعرف كل الكتل النيابية ذلك، لكنها تعرف أيضاً أن «تشريع الضرورة» هو مصطلح لا بد منه لتبرير عقد جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي. أما الدخول في جدول الأعمال المفترض والحديث عن مخاطر على لبنان واحتمال ضياع القروض التي تتخطى قيمتها المليار دولار، فذلك يحتاج إلى نقاش. تؤكد مصادر مطلعة على الواقع المالي أن لبنان لن يخسر القروض في معظمها، وحتى قرض البنك الدولي المخصص لسد بسري (474 مليون دولار) لن يسحب قبل نهاية العام. علماً أنه إن حصل ذلك، فإن الأمر لن يلغي إمكانية استعادته مجدداً. أما الحديث عن رفع لبنان عن لائحة المستفيدين من قروضه خلال سنوات، فترفضه المصادر رفضاً مطلقاً، ما دام لبنان بلدا مساهما في البنك الدولي. حتى الرواتب التي حذر وزير المالية من عدم قدرة الوزارة على دفعها حتى نهاية العام، فإن حلها لا يمر حكماً بإقرار قانون الاعتماد الإضافي، على ما تؤكد التجارب السابقة، وإن يبقى الاعتماد الإضافي هو الوسيلة الأكثر قانونية.

«الأولوية للقوانين المالية»

بالنسبة لأحد الخبراء الماليين، فإن الخطر الفعلي لا يتعلق بالقروض أو الراوتب بل بالقوانين المالية التي تطالب المنظمات العالمية منذ مدة بإقرارها، والتي يمكن أن يؤدي عدم إقرارها إلى وضع لبنان على اللوائح السوداء، بما يعني فصله عن النظام المالي العالمي. لكن هذه القوانين، ولا سيما منها: «تبادل المعلومات الضريبية»، «تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال» و «نقل الأموال عبر الحدود»، لا تحظى بإجماع الكتل النيابية، بالرغم من أن جميعها يعرف أنها شر لا مفر منه. لذلك، فقد كان التأجيل هو أقصى ما يمكن للبنان أن يقوم به.

يدرك المشرّع أن مهمة لبنان تكمن في كيفية المواءمة بين الامتثال للنظام المالي العالمي ومصالح لبنان العليا، المتمثلة في حماية حرية اللبنانيين في التعاملات المالية ضمن سقف القانون، خصوصاً في ظل العقوبات المعلنة وغير المعلنة التي تطال جزءاً من اللبنانيين، ولا سيما «حزب الله».

جدول الضرورة.. مكرر

كل هذه القوانين وغيرها ستكون على طاولة هيئة مكتب المجلس غداً الثلاثاء، حيث وزعت دوائر المجلس على أعضائها مشاريع واقتراحات القوانين المحالة إلى الهيئة العامة (48 اقتراح قانون معجلا و21 اقتراح قانون منجزا في اللجان النيابية). علماً أنه في الاجتماع الأخير للهيئة (عقد في نيسان 2015)، تم الاتفاق على جدول أعمال مؤلف من 7 بنود تشكل مشاريع واقتراحات القوانين المتعلقة بـ: قوننة الإفادات المدرسية التي حصل عليها التلاميذ المرشحون للامتحانات الرسمية في العام 2014، الإجازة للحكومة عقد نفقات من أجل تحقيق عتاد وبنى تحتية ملحة لمصلحة الجيش (اتفق على التركيز على مسألة الأبنية، بعدما بدأ الجيش يعزز عتاده عبر الهبة السعودية)، زيادة مساهمة لبنان في رأسمال البنك الإسلامي للتنمية (يضغط البنك منذ سنوات ليرفع لبنان من مساهمته بما يمكنه من الاستمرار بالحصول على قروض منه)، اقتراح القانون المتعلق بسلامة الغذاء، الموافقة على إبرام عقد تمويل مع البنك الأوروبي للتثمير (المرحلة الثانية من مشروع أوتوسترادات لبنان والتي تمتد من ضبية إلى طبرجا)، الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الإسكان، بالإضافة إلى مساهمته في تمويل مشروع آخر يتعلق بمشروع استكمال منشآت الصرف الصحي.

ما تزال هذه القوانين على جدول الأعمال، بعدما فشل المجلس في الانعقاد طيلة الفترة التي تلت، من دون أن يعني ذلك أنها ستبقى على جدول أعمال «تشريع الضرورة»، بعد ستة أشهر من الغياب. كما لم يعرف ما إذا كان الجدول سيضم المشاريع التي يعتبرها «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» ضرورية، وينسقان بشأنها. لكن مع ذلك، تبقى حظوظ الجلسة بالانعقاد كبيرة، ما لم تؤد المزايدات إلى تطييرها، على ما رأى أحد نواب «المستقبل»، بعد دعوة وزير التربية إلى وضع «سلسلة الرتب والرواتب» على جدول أعمال الجلسة، ودعوته إلى الإضراب إذا لم يتحقق ذلك!