IMLebanon

المهاجرون لأسباب اقتصادية بشر يستحقون معاملة أفضل

UK Interior Minister-Theresa-May
تيم هارفورد

في تحية لموقف وزيرة الداخلية البريطانية، قالت صحيفة “الديلي ميل”: “امرأة تتمتع بالجرأة لقول الحقيقة بخصوص المهاجرين”. لكن صحيفة “الجارديان” علقت بسخرية قائلة: “موقفها يظهر كل التعاطف الذي يمكن أن نشعر به نحو مريض بسرطان العظام في المرحلة الرابعة”. ليس من قبيل المفاجأة أنه حين ألقت تيريزا ماي، وزيرة الداخلية البريطانية، كلمة حول الهجرة كان القصد منها استقطاب الرأي العام، وقد أفلحت في ذلك.

من بين مختصي السياسة والمدققين في الحقائق، هناك جملة في الكلمة وجدت طريقها إلى الأضواء: “يبين الدليل أنه في حين أن هناك منافع للهجرة الانتقائية والخاضعة للضبط، في أحسن الأحوال يكون صافي الأثر المترتب على الهجرة الكبيرة في الاقتصاد والمالية العامة قريبا من الصفر”. (تقصد أن الهجرة لا تكلفنا شيئا ومع ذلك نريد تخفيضها رغم ذلك).

هل تلخيص الوزيرة ماي للدليل صحيحا؟ على الأرجح لا، رغم أنه توجد مساحة يمكن أن يختلف عليها الناس المنطقيين. الأمر الواضح هو أن الاندفاع الأخير الكبير وغير المنضبط من المهاجرين الذين هم في سن العمل والقادمين من الاتحاد الأوروبي كان بلا شك إيجابيا بالنسبة للمالية العامة، على خلاف المواطنين من أصل بريطاني، الذين يشكلون عامل استنزاف هائلا على المالية العامة منذ فترة.

لكن كانت هناك أمور غائبة أكبر بكثير عن كلمة الوزيرة ماي، وقد فاتت على معظم المعلقين، وهي حقيقة أن هذه التكاليف أو المنافع المفترضة تحذف دائما مجموعة مهمة للغاية. هذه المجموعة هي المهاجرون أنفسهم. فهم يستفيدون بشكل هائل من السماح لهم بالهجرة، ومع ذلك فإن هذه الرفاهية لا تكاد تظهر في الجدالات حول الهجرة.

وهذا غريب. أنا لا أتوقع من المدارس أن تبلي بلاء حسنا من حيث تحليل الكفاءة في التكاليف إذا تجاهلنا أية منافع يحصل عليها الذين هم دون سن 18 سنة. ولن تبدو المستشفيات ذات قيمة جيدة إذا أدخلنا في حسابنا فقط المنافع التي يحصل عليها غير المرضى. مع ذلك يبدو أن الهجرة ربما تظل مفيدة بشكل متواضع بعد استبعاد أي منافع للناس الذين هم أرجح احتمالا للاستفادة منها – أي المهاجرون. وهذا أمر غريب.

بطبيعة الحال، يمكن أن نتقدم بحجة مفادها بما أن المهاجرين هم من المواطنين الأجانب، يحق لنا أن نجعل رعايتهم الاجتماعية ذات أولوية أدنى. زميلي مارتن وولف واحد من المعلقين الذين يؤكدون على هذا بصورة صريحة. معظمهم يبدو أنهم يفترضون أن الأجانب لا أهمية لهم. في عالم حيث نحتقر فيه، بحق، التمييز العنصري والجنسي، يعتبر التمييز ضد الناس بسبب جنسياتهم مقبولا على نطاق واسع. كما أنه التزام يفرضه القانون على أصحاب العمل في بريطانيا.

إن افتراض أن الأجانب لا أهمية لهم يصعب التوفيق بينه وبين ميزانية المساعدات الخارجية التي تقدمها بريطانيا، التي تبلغ نحو 12 مليار جنيه. وكما ألمحت في مقال الأسبوع الماضي، أن تكون منفتحا أمام الهجرة من البلدان الفقيرة يمكن أن يكون أفضل برنامج لمكافحة الفقر تقدمه البلدان الغنية. درس عدد من الاقتصاديين الأثر الاقتصادي الناتج عن التحرير المتطرف لقوانين الهجرة والسماح لأي شخص بالانتقال إلى أي مكان – وأظهرت الأرقام في المتوسط أن حجم الاقتصاد العالمي يمكن أن يرتفع إلى الضعف تقريبا.

دعونا نقبل للحظة أن الأجانب مهمون باعتبارهم كائنات عاقلة، وبالتالي فإن الحدود الأكثر انفتاحا من شأنها تقليص الفقر العالمي بصورة كبيرة للغاية. هنا ينشأ اعتراض على الفور: “هجرة الأدمغة”، حيث يكون مصدر الخوف ليس حول ذهاب المهاجرين إلى البلدان الغنية، وإنما حول مغادرة المهاجرين للبلدان الفقيرة وإفراغها من المهارات.

المخاوف بخصوص هجرة الأدمغة ليست جديدة. في 1972 جادل جاجديش باجواتي، الاقتصادي الهندي، لصالح ضريبة دخل إضافية على المهاجرين المهرة في البلدان الغنية، تُفرَض تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تعويض البلدان الفقيرة التي غادروها. كان نيلسون مانديلا، والجمعية الطبية البريطانية، وكلية التمريض الملكية، يشعرون جميعا بالقلق من هجرة الأدمغة منذ ذلك الحين.

لكن إلى أي مدى تكون مشكلة هجرة الأدمغة مشكلة فعلية؟ مايكل كليمنس، من مركز التنمية الدولية، يجادل بأن هناك عددا كبيرا من العوامل الأخرى التي تلعب دورا في تحديد مجموعة العمال المهرة في بلد معين إلى درجة أن هجرة الأدمغة لا تكاد تعتبر من هذه العوامل.

يقول كليمنس: “أهم سبب في أنه يوجد عدد قليل من الأطباء والعلماء في النيجر ولاوس هو أن هذين البلدين لديهما عدد قليل من الأطباء والعلماء في أي بلد آخر”. فكرة أن هناك مجموعة هائلة من المغتربين من ذوي التدريب العالي والقادمين من لاوس ويعملون في الولايات المتحدة أو أوروبا هي، مع الأسف، خرافة.

وفي حين أن بعض البلدان النامية تدرب بالفعل عددا كبيرا من العمال المهرة – مثل الفلبين، التي تعتبر مركزا عالميا للتمريض والقبالة – إلا أنها تتمكن أيضا من الاحتفاظ بعدد لا بأس به داخلها. كما أن الذين يغادرون ربما يقدمون خدمة لبلدانهم الأصلية. مثلا، إجمالي تحويلات المهاجرين إلى البلدان النامية يعادل نصف تريليون دولار – وهو مبلغ يعادل ثلاثة أضعاف المبالغ المرسلة عن طريق مساعدات التنمية الرسمية. وتستطيع شبكات المهاجرين أيضا أن تساعد في التدفق السلس للتجارة.

ثم هناك المسألة البسيطة المتمثلة في الحريات الفردية. لن نحلم بأن نطلب من الشباب من مدينة هال عدم الانتقال إلى لندن لأن مدينتهم بحاجة إليهم أكثر من لندن. ولا نستطيع أيضا أن نصر على أن خدمة الصحة الوطنية البريطانية ينبغي أن تمتنع عن توظيف الممرضين والممرضات البريطانيين، لأن هؤلاء يمكن أن يقدموا خيرا أكثر إذا ذهبوا للعمل في الهند. ليس من العدل الإصرار على أن الأجانب ينبغي أن يطيعوا القواعد الأخلاقية التي نجد أن من السخيف أن نطبقها على أنفسنا.

إذا استفدنا أي شيء من الصور المروعة لللاجئين المستميتين في الهجرة، فهو استيعاب فكرة أنهم بشر. المهاجرون لأسباب اقتصادية هم بشر أيضا. فهم ليسوا طيورا لنسرقها أو أدمغة لنستنزفها.