قبل أربعة عقود كان لبنان يصدر الكهرباء لجارته الكبرى سوريا لكنه الآن لا ينتج ما يكفي لإبقاء الشوارع مضاءة ليلا.. الوضع سيء حتى أن الفارين من القتال في سوريا سُمعوا يشكون حالهم.
ويعاني لبنان من انقطاعات متكررة للكهرباء منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 واستمرت الانقطاعات كميراث لهذه الحرب. وتعاني البلاد حاليا أيضا من شلل في عمل الحكومة، وما يعتقد انه فساد استشرى حتى عطل التنمية.
وتحوّلت مظاهرات مناهضة للحكومة نظمت في الفترة الأخيرة إلى العنف في بعض الأحيان احتجاجا على قضايا منها الفساد وضعف الحكومة، مما دفع رئيس الوزراء إلى التهديد بتقديم استقالته.
ولا يوجد حل سريع لأزمة الكهرباء على الرغم من أن الاستياء العام من ضعف الخدمات ساعد على بلورة الحديث عن إيجاد حل. لكن مدينة لبنانية واحدة جددت الأمل في التوصل لحل حكومي بإدارتها خدمة الكهرباء محليا.
وقالت الناشطة اللبنانية نعمة بدرالدين أثناء مظاهرة هذا الشهر “كل اللبنانيين في جميع المناطق يعانون. اليوم يوجد هدر كبير في ملف الكهرباء.. هناك فساد كثير اكثر من 100 مليون دولار هدر سنوي بالإضافة إلى مليوني دولار تدفعها الدولة لقطاع الكهرباء وإلى حد اللحظة فإن الخطة التي يفترض أن توفر الكهرباء على مدار ساعات بنهاية العام 2015 لم تنه بعد.”
وكانت بدرالدين تتحدث من خارج مقر شركة كهرباء لبنان الوطنية في حين يشير السكان إلى لافتة الشركة المضاء نصفها فقط أثناء الليل.
ومنصب الرئاسة في لبنان شاغر منذ أكثر من عام في ظل غياب توافق على من يتولي المنصب. والبرلمان الذي انتخب عام 2009 مد فترة ولايته وارجأ الانتخابات الجديدة حتى عام 2017، مشيرا إلى عدم الاستقرار في البلاد.
وتتناقض البنية الأساسية المتهالكة في البلاد مع الأعداد الكبيرة من المشروعات العقارية التي مولها القطاع الخاص والتي تصاعدت مبانيها في سماء بيروت منذ انتهاء الحرب.
وقال المبرمج اللبناني مصطفى بعلبكي الذي انتج تطبيق (كهرباء بيروت) على الهاتف المحمول لرصد انقطاعات الكهرباء ويستخدمه 15 الف شخص يوميا “معاناة لبنان من انقطاع الكهرباء في العام 2015 أمر مخجل جدا (…)”.
وتتفاوت بشدة امدادات الكهرباء بين المناطق المختلفة في لبنان.
ففي بيروت المركز المالي والتجاري تنقطع الكهرباء ثلاث ساعات يوميا لكن في بعض المناطق الأخرى تتوفر الكهرباء ساعة واحدة فقط في اليوم.
ودفعت هذه الانقطاعات المنازل والشركات للاعتماد على أصحاب مولدات الكهرباء التي تدار بوقود الديزل وهي أعلى تكلفة ولا تخضع لإشراف تنظيمي وهو نوع المولدات الذي ظهر وقت الحرب ومازال يطلق عادمه في الهواء.
وانفقت الأسر اللبنانية في المتوسط 1300 دولار على الكهرباء في عام 2013 وأنفق ثلثا هذا المبلغ على المولدات في دولة يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج القومي الاجمالي 9800 دولار وفقا لأحدث تقديرات البنك الدولي.
وقال خبير بالبنك الدولي في لبنان إن مشكلة تباين توزيع إمدادات الكهرباء على مختلف أرجاء البلاد تزيد من الظلم الاجتماعي وزيادة انقطاعات الكهرباء سيفاقم الوضع بدرجة أكبر في السنوات المقبلة إذا لم تجد الحكومة حلا لتلبي الطلب المتزايد على الكهرباء.
وقال حسام بيدس خبير البنك الدولي المقيم في بيروت والذي يدير البرنامج الاقليمي للبنية التحتية والتنمية “أزمة الكهرباء في لبنان ليست ازمة قطاع فقط، انها تظهر في عدد من الأزمات وبالنسبة لي أهمها هي مشكلة الافتقار للمساواة الاجتماعية. فهذا التوزيع غير العادل للكهرباء وهي خدمة عامة فنرى مناطق خارج بيروت تحصل على كهرباء أقل من بيروت ومع تفاقم الأزمة في السنوات المقبلة سيزداد الوضع سوءا.”
وتقل قدرة توليد الكهرباء بأكثر من ثلث الطلب ويفقد أكثر من 45 بالمئة مما يتم انتاجه بسبب وصلات غير قانونية أضيفت إلى شبكة الكهرباء إضافة إلى التلاعب في العدادات وأسباب تكنولوجية أخرى.
ويقول الخبراء إن هناك حاجة لاستثمارات ضخمة.
وقال بيدس إن الحكومة تنفق نحو ملياري دولار سنويا في المتوسط لدعم مشتريات شركة كهرباء بيروت من الوقود أي ما يعادل 15 بالمئة من انفاق الحكومة. وذلك بالمقارنة مع انفاق 7 بالمئة من إجمالي الانفاق على التعليم وتسعة بالمئة على الصحة.
وتابع أن تقديرات الحكومة تفيد بأن إعادة الهيكلة لإنتاج كهرباء تكفي الأربع والعشرين ساعة يحتاج إلى ما بين خمسة وستة مليارات دولار. واضاف أن الحكومة ستعتمد في ذلك على شركاء من المستثمرين في القطاع الخاص.
وفي مدينة زحلة يئس الناس من انتظار أن تحل الحكومة المشكلة على المستوى الوطني وساندوا مشروعا محليا وفر الكهرباء على مدار اليوم وهو ما يعني أن شوارع زحلة أصبحت مضاءة ليلا.
وكانت الكهرباء متوفرة نصف الوقت تقريبا في زحلة في السنوات القليلة الماضية مما يعني ان السكان كانوا يدفعون ما بين 100 و120 دولارا شهريا لأصحاب المولدات.
لكن شركة الكهرباء المحلية التي تشتري الكهرباء من الشبكة العامة قررت اتخاذ إجراء لحل الأزمة.
وفي زحلة يواجه بعض السكان مشكلة مختلفة فبعد ان استعادوا التيار الكهربائي المستمر زاد استهلاكهم للكهرباء.
وتمكنت زحلة من المضي قدما في المشروع بفضل عقد امتياز محلي يرجع تاريخه لعشرينات القرن الماضي ودعم محلي قوي.
وقال مصدر من شركة كهرباء بيروت ردا على سؤال عما إذا كان المشروع يمكن تكراره في مناطق أخرى إن الأولية لإعادة هيكلة على المستوى الوطني في إطار خطة حكومية مدتها 15 عاما أعلنت عام 2010 تهدف في نهاية الأمر إلى توفير الكهرباء على مدار الساعة.