IMLebanon

حمضيات الجنوب من «المجد» إلى «الذاكرة»

lemon-citrus-orange-lebanon
هبة دنش

يقول رضا حمود: «مررتُ مؤخراً عند مثلث الزهراني، وشققت طريقي نحو الساحل اللبناني الجنوبي، وعند نقطة التقاء اللونين النقيضين النقيين، الأزرق والأخضر، سبحت الخالق لهذا الانسجام في لوحة طبيعية فريدة، لكن على غير عادة، لم أشمّ رائحة زهر الليمون».
تفوّق الجنوب في زراعة الحمضيات، نظراً لمناخ من أفضل ما يكون، وتربة صالحة للزراعة، وريّ متوافر للبساتين. وكان لخبرات المزارع الفلسطيني، الذي نزح إلى جنوب لبنان منذ العام 1948، دور في إنعاش بساتين الحمضيات في الجنوب وازدهار تجارتها نحو البلاد العربية.
عائلات تعمل بـ «السخرة»
يشير أبو حسن بدران إلى أن «أصحاب البساتين كانوا من العائلات المرموقة، وكان أهل الساحل «مضروبين بحجر كبير»، وكان مَن يمتلك بستاناً وأرضاً مغروسة حمضيات هم مَن «معو مصاري»، وأيضاً كانت هناك عائلات تعمل في السخرة، هم عمال ومزارعون، أكلت الأرض بعضاً من أيديهم شقفة».
كان الرئيس الراحل رفيق الحريري يذكر في العديد من مقابلاته التلفزيونية عن بداية عمله في بساتين الليمون مع والده، ويقول: «عملت في كثير من البساتين في الجنوب اللبناني والتي اشتريتها لاحقاً تلبية لرغبة والدي».
الاستثمار في البناء
ويؤكد «الضامن» علي الحاج أنه «منذ أيام باع آل الحريري في منطقة الخرايب في ساحل الزهراني، بستان ليمون، تبلغ مساحته ألفي دونم، تقاسم على شرائه ثلاثة أشخاص من المنطقة، بدأوا في اقتلاع شجر الليمون والموز من أرضه لتتحوّل هذه المساحة الخضراء الى منطقة سيُشاد عليها مجمع سكني».
وكانت لـ «حنظلة» أو ناجي العلي، الرسام الكاريكاتيري الفلسطيني الأشهر، تجربة كذلك، فبعدما تعذرت عليه متابعة الدراسة، اتجه للعمل في بساتين الجنوب مع الوكيل سعيد الصالح أبو صالح.
أهل الدامور أول المهتمين
أهم العائلات التي تملّكت بساتين الليمون في الساحل الجنوبي، كانت من صيدا والدامور، «فأهل الدامور هم من أوائل من اهتمّ بزراعة شجر الموز»، يقول كميل عبيد، كما أن عائلات مدينة صيدا كانت سبّاقة إلى شراء بساتين الجنوب، من آل الصلح ونحولي والبساط والزعتري، أما اليوم فمعظمهم باعوا بساتينهم، وعاد إبن الساحل من الاغتراب ليشتري عقارات في بلدته، لكن، من أجل الاستثمار في البناء.
يضرب رضا نحلة بكفّه على رأسه، إذ إن بستانه الذي يبلغ أكثر من 30 دونماً لا يعطيه ربحاً يتجاوز 20 ألف دولار في السنة، بينما باستطاعته أن يبيعه بمبلغ لا يقل عن ثلاثة ملايين دولار، «من دون حرق أعصابي طوال العام، السوق اللبناني لا يستوعب من إنتاجنا أكثر من عشرين الى ثلاثين في المئة، ومن دون التصدير يغرق السوق بالموز والليمون».
عمّت في السنوات الأخيرة، زراعة أشجار الموز والأفوكا في السهل الساحلي في بساتين الجنوب. بدائل تجارية، قد تعود على أصحابها بربح سريع، لترتفع زراعة الحمضيات إلى التلال القريبة من الساحل. ويلفت أبو أيمن عيسى، الذي يملك بستاناً في منطقة عدلون إلى أنه «عندما قررت زيادة عدد شجرات الحمضيات واستبدال القديم، اكتشفت أن المسألة ليست بهذه السهولة، فالشجرة الجديدة تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات كي تنمو وتنتج، وهي سنوات ضائعة يتحاشاها المزارعون. لذلك، كان الخيار الثاني الموز؛ لأن عمر إنتاجه أقل بكثير وغير مكلف».
يتولى أبو محمد، المزارع العارف بهموم المهنة، إدارة بستان في العاقبية لأصحابه من آل الصلح من مدينة صيدا، وهو مزروع بشجر الليمون والموز بمساحة 35 دونماً. يشكو من تراجع انتشار بساتين الليمون في ساحل الزهراني إلى نسبة 75 في المئة لحساب زراعة شجر الموز والأفوكا.
يقول: «شجرة الأفوكا مربحة أكثر، فمنذ العام 2000 ومع إقفال معامل البقاع للتوضيب، لم يبق إلا معمل واحد في طرابلس، برغم منح شركة «إيدال» كل معمل توضيب خمسة آلاف دولار سنوياً تشجيعاً منها، ذلك لأن ليس هناك ما يشجّع، هبطت أسعار الحمضيات، وصارت اليد العاملة مكلفة، وكذلك عملية رش شجرة الليمون بالمبيدات، إذ تحتاج الشجرة لرشّ ثلاث مرات خلال السنة، والأدوية غالية، والتصدير عبر البحر مكلف أيضاً، خصوصاً بعد إقفال معبر «نصيب» البري في محافظة درعا السورية، أما شجر الموز والأفوكا فلا يحتاج للتسميد إلا مرة واحدة في السنة، وقطافهما لا يحتاج لأكثر من عامل يوضب الانتاج بنفسه في الصناديق».
يجول أبو محمد غزلة بين أشجار الليمون في عدلون، متفقّداً رزقه، ويقول: «حمضيات الجنوب اشتهرت بأجود أنواع الليمون والأفندي والكلمنتين، كانت بساتين الساحل فخر الزراعة في لبنان، والعائلات كانت تعوّل على موسم الليمون لشراء مستلزماتها، اليوم، نركض خلف رزقنا ولا نحصّل إلا الخسارة والإحباط، من موسم لآخر».
لم يبقَ في لبنان من بساتين ليمون إلا في ثلاث مناطق لبنانية هي: سهل عدلون والدامور والمنصوري، فيما أقفلت معامل توضيب وبرادات مهمة في الجنوب كمعملي «صفا» و «الزعتري» في منطقة سينيق، اللذين كانا يصدّران الحمضيات على مدار السنة ويشغلان نسبة جيدة من اليد العاملة، وذلك بسبب ارتفاع كلفة نقلها وبالتالي الحد من قدرتها على المنافسة.