كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
يجيد وزير الداخلية نهاد المشنوق اللعب على حافة الهاوية، ويتقن فن الخصومة والمهادنة على حد سواء، تبعاً لما تقتضيه اللحظة السياسية.
علاقته مع «حزب الله» مرت في «الفصول الأربعة» منذ وصوله الى وزارة الداخلية، أما موقعه في «تيار المستقبل» فيحتمل أكثر من تأويل، بفعل حساسيات كامنة او ظاهرة تولدها مواقفه واجتهاداته لدى بعض قيادات التيار، وهو ما لا يأبه له المشنوق الذي يؤمن له الخط المفتوح بينه وبين الرئيس سعد الحريري نوعاً من «الاكتفاء الذاتي»، وربما «الحكم الذاتي».
وعلى هذه القاعدة، يبتسم المشنوق تعليقاً على ما ذهب اليه البعض من أن الحريري فوجئ بالموقف الذي أطلقه خلال حفل إحياء ذكرى اللواء وسام الحسن «إذ انني على تنسيق وتشاور منتظمين معه».
ويوضح أنه لم يصدر عنه أصلاً ما يفيد بأنه شخصياً او أن تياره السياسي حسم خياره بالخروج من الحوار او الحكومة «حتى يأتي من يروّج بأنني تراجعت عن موقفي، او ان المستقبل رفض تغطيتي»، معتبراً ان «هناك من افتعل التباساً غير مبرر»، حول كلامه خلال إحياء ذكرى اللواء الحسن.
ويشير إلى أن استعادة نص خطابه في المناسبة تُبيّن بوضوح أنه لوّح بإمكانية مغادرة الحوار والحكومة، لكنه لم يذهب الى أبعد من ذلك، مشدداً على أن التهديد بالانسحاب منهما لا يعني اتخاذ قرار بالانسحاب، وهناك فارق كبير بين الأمرين، «وبالتالي ليس صحيحاً أنني تراجعت بناء على طلب معين او تحت ضغط ما».
ويشدّد على أنه كان المقصود، بالدرجة الاولى، من كلامه المرتفع السقف هو توجيه رسالة الى كل المعنيين بأن الوضع الأمني المتفلت في البقاع لم يعد مقبولاً، وليس ممكناً الاستمرار في التغاضي عنه، مشيراً الى ان موقفه لم يكن موجهاً الى «حزب الله» حصراً، «بل هو طال في شقه الحكومي العماد ميشال عون كذلك، رداً على سياسة التدفيش التي يتبعها معنا».
ويضيف: لقد تحمّلت كثيراً وصبرت طويلاً، حيال الفلتان المستشري في البقاع والانتهاكات المتكررة للخطة الأمنية، وأعطيت الفرصة تلو الاخرى والوقت تلو الآخر من أجل معالجة هذا الواقع، وأحدث محاولة لاحتواء الوضع جرت عشية عيد الأضحى، ولكن للأسف من دون أي نتيجة، إذ استمرت التجاوزات على أنواعها، وسجلت أعمال السرقة والخطف أرقاماً قياسية، ما دفع وفداً من فعاليات بعلبك الى زيارتي في مكتبي، لنقل الشكوى ومطالبتي بالتحرك السريع على الأرض للجم الفوضى الأمنية.
ويؤكد انه وقبل ان يرفع الصوت عالياً وعلناً، ناقش ملف البقاع مطولاً مع «حزب الله» سواء في جلسات الحوار في عين التينة او عبر أشكال أخرى من التواصل، نافياً أن يكون قد طلب من الحزب اعتقال المطلوبين وتسليمهم الى الدولة، «أما ما طلبته فعلاً فهو أن يساهم الحزب في تقديم المعلومات التي تساعد القوى الأمنية في تنفيذ مهامها، لأننا نفتقر في تلك المنطقة الى العدد الكافي من المخبرين، والحزب يمكن أن يؤدي دوراً مساعداً في سد النقص على مستوى المعلومات، انطلاقاً من حضوره القوي في البيئة البقاعية».
ويعتبر المشنوق أن الرسالة وصلت، «وهذا هو المهم بالنسبة إليّ كوزير للداخلية مؤتمن على الاستقرار والأمن في كل المناطق من دون تمييز أو استثناءات»، آملاً في أن تنجح الاتصالات الجارية على أكثر من صعيد في ضبط مكامن الخلل في منطقة البقاع.
ويُشير إلى أن لقاءَه مع الرئيس نبيه بري قبل أيام كان إيجابياً، «وهو أكد لي أنه سيساهم بكل قوته وثقله في تأمين شروط إنجاح خطة البقاع، وأنا أراهن على مصداقيته وحزمه في هذا المجال».
ويكشف المشنوق عن أنه تواصل مع قائد الجيش العماد جان قهوجي في إطار تفعيل التعاون بين قوى الأمن والجيش اللبناني لفرض الأمن في البقاع، موضحاً «ان هناك حاجة الى مشاورات إضافية في أكثر من اتجاه حتى تكتمل الصورة لديّ، ويُبنى على الشيء مقتضاه، علماً أن الاتجاه العام، يبدو إيجابياً».
ومع اطمئنانه إلى أن الصدمة التي أحدثها موقفه الأخير فعلت فعلها في الدفع نحو تصويب مسار الملف البقاعي، يشدّد على «أن الحوار، سواء الموسّع او مع حزب الله، هو بالنسبة إلينا خيار استراتيجي وليس تكتيكياً»، لافتاً الانتباه الى أن هناك ضرورة وحاجة لمواصلته. لكن المشنوق يكشف في الوقت ذاته عن أن مشاركته الشخصية في جلسة الحوار المقبلة مع الحزب في عين التينة لم تُحسم بعد، «وهي لا تزال قيد الدرس من قبلي»، موضحاً أنه سيتخذ قراره النهائي بهذا الصدد ربطاً بما ستؤول إليه الاتصالات الجارية حول تفعيل خطة البقاع وإعادة الاعتبار اليها.
ويشدّد وزير الداخلية على أهمية استمرار الحوار، «بوجودي أو من دوني، انطلاقاً من أهميته الحيوية في هذه المرحلة التي لا تحتمل القطيعة التامة».