يعلم اللبنانيون ان أزمة الفيضانات ستتكرر هذا العام، كما الأعوام السابقة. وعدم تحمل الوزارات المعنية مسؤوليتها في هذا الصدد، سيبرر بأزمة النفايات، تلك الشماعة التي بدأ المسؤولون بتعليق تقاعسهم المستمر عليها. علماً ان ازمة النفايات بالأصل، هي دليل على عدم قيام المسؤولين بمهامهم. “بروفا” بسيطة قامت بها الأمطار يوم الأحد المنصرم، كانت كفيلة بـ “إحراج” الحكومة وإظهار عدم إستباقها للحوادث. الحكومة أُحرجت إعلامياً فقط، لكن فعلياً لم تشعر بأي خدش لحيائها، بل حاولت تبرير ما حصل، على لسان رئيسها تمام سلام، بالقول ان “الفيديوهات” التي تظهر مشهد النفايات العائمة، “مفبركة”، في محاولة لرفع اليد عن اي مسؤولية تجاه ما حصل. التبرير لا تتلخّص نتائجه بما بيّنته التسجيلات المصوّرة، لأن تبرير مثل هذا الأمر، في وقت تتفاقم أزمة النفايات، يعني أكثر فأكثر إفلاس الحكومة، وهي المفلسة أصلاً، والعاجزة عن القيام بواجباتها الروتينية، عبر تأهيل البنى التحتية لإستيعاب كمية المتساقطات، ومنع إقفال الطرقات والتسبب بحوادث، أو دخول المياه الى المنازل والمؤسسات، كما يحصل كل عام. وعليه، فإن غياب الإستعداد الروتيني لموسم الأمطار، يستوجب تقديم الإجابات الشافية حول مرحلة سبقت وجود أزمة النفايات. وعدم تقديم أي رد، يفضي بالضرورة الى إلصاق ما حدث الأحد الماضي، بمشكلة غياب الدولة. أما تبريرات سلام، فيكفيها الطلب إليه، وضع النفايات جانباً، وتبرير عدم قيام الوزارات المعنية بإجراءات تمنع فيضان المياه. إلاّ اذا بات لزاماً على اللبنانيين إعتبار الفيضانات مشهداً شتوياً سيظهر كل عام، والى الأبد. فيضانات موسم الأمطار تحمل معها تقاذفاً للمسؤوليات بين الوزارات، وتحديداً وزارتي الأشغال العامة والمال، ويضاف إليهما، بحسب مكان وقوع الضرر، مجلس الانماء والاعمار. لكن كل ذلك لا يشمل المحاسبة، إذ انه وبحسب العرف اللبناني، هناك فصل بين تحديد المسؤوليات والمحاسبة. ومنذ “أيام” الخلاف بين الوزيرين غازي العريضي الذي كان وزيراً للأشغال، ومحمد الصفدي الذي كان وزيراً للمال، في العام 2013، على خلفية الفيضان الذي أقفل نفق المطار، مدعوماً بالخلاف المتعلق بأشغال مخالِفة في الأملاك العامة البحرية (محيط الزيتونة باي)، منذ تلك الأيام لم يجرِ الإنتهاء من إعداد البنى التحتية أو تنحية الخلافات بين الوزارات، كما لم تتم محاسبة المسؤولين عن الفيضان او الأشغال المخالفة. فيضان نفق المطار يعود الى عدم تأهيل عبّارات تصريف المياه، من جهة، وعدم حل أزمة التعديات على “نهر الغدير” الآتي عبر منطقة حي السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي يعتبر المصدر الأساس لغرق المنطقة المحيطة به، والنفق على حد سواء. وعدم قيام “الأشغال” بصيانة مجرى النفق، كان العريضي قد أعاده في حديث لـ “المدن”، الى عدم استجابة “المال” لطلب تحويل الأموال الى “الأشغال”، في حين ان مصادر “المال” أكدت لـ “المدن” حينها أن “الأشغال صرفت أموالها”، وأنها “ستبيّن ذلك بملف يتضمن المعلومات المطلوبة حول وجهة الأموال”. لكن بعد مرور نحو عامين، لم تظهر تلك “المعلومات” ولم تُحلّ قضية الفيضانات. من جهة أخرى، تؤكد مصادر “المدن” في وزارة الأشغال ان النفق ليس من مسؤولية الوزارة، بل من مسؤولية شركة “الميز” المسؤولة عن صيانة المطار، والشركة تلتزم العمل من مجلس الإنماء والإعمار، الذي يلتزم العمل من وزارة الاشغال. وبعيداً من تلك الدوامة وتحديد المسؤوليات، تشير المصادر الى ان أزمة الفيضانات، سواء في نفق المطار او اي منطقة في لبنان، لن تُحل هذا العام لأسباب عدة، أولها وجود أزمة النفايات، حيث تسد النفايات مجاري المياه، حتى لو نظّفتها الوزارة مسبقاً، بالاضافة الى غياب الرقابة في وزارة الاشغال والوزارات الاخرى. فالمتعهد الذي يلتزم العمل من الوزارة، لا يجد من يحاسبه او يشرف على عمله. ما يعني ان أزمة الفيضانات ستتكرر هذا العام. ولا تقتصر أزمة الفيضانات سنوياً على إقفال الطرق، بل تمتد الى تلف المزروعات وإغراق الأراضي الزراعية بكميات هائلة من المياه، يعجز المزارعون عن التعامل معها، ولاحقاً عن تعويض خسائرهم. ولا ينتظر المزارعون هذا العام أي تعويضات أو إلتفاتة من الدولة، وفق ما يقوله رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك، لـ “المدن”، فالتجارب السابقة أكدت للمزارعين أنه ليس هناك من يعوض عن خسائرهم. ويلفت حويك النظر الى ان الحل يبدأ بإقرار القانون المقدم الى مجلس النواب، والقاضي بإنشاء مؤسسة عامة للضمان الزراعي. والحال أنه إذا أرادت الحكومة ربط أزمة الفيضانات بأزمة النفايات، فيتعين عليها تقديم الإجابات حول الأزمة الثانية، الا اذا ارادت إعتبار ان الفيضانات هي ازمة مفبركة أيضاً. وفي حال اعتماد مبدأ تراشق الاتهامات بين الوزارات، يتعين على الوزارات فتح ملفاتها، كلّ بحسب مسؤوليته. بمعنى آخر، ليس مسموحاً للحكومة مجتمعة أو الوزارات فرادى، التنصل من المسؤولية ورفع السقف بموضوع المحاسبة، والسكوت. وتجدر الاشارة الى ان بوادر السكوت، بدأت تظهر مع عدم رد وزارة المال على تساؤلات “المدن” حول مسؤولية الوزارة لجهة تحويل الأموال الى الوزارات والجهات المعنية بموضوع الفيضانات، إذ طلب مكتب الوزير علي حسن خليل “بعض الوقت” للإجابة، هذا “إذا أراد الوزير الإجابة”.