لم تكن حرفة صياغة الذهب في سوريا بعيدة عن تأثيرات الأزمة التي أصابت غيرها من الحرف، حيث اضطر أصحاب الورش مع بداية الأزمة إلى تركها، كما هاجر قسم كبير من اليد العاملة، واغلقت أسواق رئيسية لبيع الذهب، في مناطق مثل حرستا، خيم فلسطين، برزة… وغيرها.
في المشهد العام، يمكن القول ان هذه المهنة ضعفت كثيراً خلال سنوات الحرب، وفي السنوات الخمس الماضية فقدت المهنة أسواقا كبيرة، كانت تلبي أذواق الطبقة الشعبية، وكان سعر غرام الذهب حينها يتراوح بين 900-1000 ليرة (حوالي 20 دولارا). وفي العام 2010 عمل الحرفيون على تطوير وتوسيع أعمالهم، ثم مع بداية الأزمة تراجع الطلب بنسبة 40-50%، وبعدها في العام 2013 عادت ورش الصياغة للعمل، حيث تبلورت أحوال البلاد وأخذ الناس يتكيفون مع الأوضاع الحاصلة، وهناك 300 ورشة تعمل حالياً، بحسب ما يذكره رئيس الجمعية الحرفية للذهب والمجوهرات غسان جزماتي، لـ “المدن”. لكن هذا التعافي الملموس للقطاع، لم يمنع التراجع الكبير في اعداد العاملين في المهنة، والذين غادروا البلاد، ملتحقين بأسراب هجرة الشباب.
“التخبط” الذي عاشه القطاع بدأ ينحسر خلال العام الجاري، وبات بالإمكان وصف حركة سوق الذهب بالـ”جيدة”، فشهدت المهنة عودة كثيرين من حرفييها الذين سافروا الى مصر وعمان، وغيرهما من الدول، وهذا الأمر يظهر من خلال اتحاد جمعية الصاغة الذي سدد 1000 حرفي اشتراكات انتسابهم إليه، فيما كانوا 350 حرفيا خلال عامي 2012-2013. وما غيّر الاتجاه التنازلي لهذه المهنة، هو اقبال الناس على شراء الذهب بهدف الادخار، خوفاً من استمرار انهيار العملة، بعد ان تراجع شراؤه بهدف الزينة، خلال سنوات الازمة. “حراك” السوق بدأ بالتعافي على مستويين، داخلي وخارجي، ويتمثل التعافي الداخلي بالطلب على شراء الليرات والأونصات الذهبية، فالتراجع المستمر للعملة دفع بالسوريين الى الاعتماد على الذهب لحفظ قيمة اموالهم، على الرغم من ان هذه الخطوة تعني تجميد السيولة بيد المواطنين، غير ان المخاطرة بتجميد قسم من الاموال، يبقى أقل ضرراً من خسارة قيمتها اذا ما انهارت العملة، او تراجعت الى مستويات أدنى. وايضاً، تشهد السوق الداخلية انتقالاً للذهب المصاغ بين المحافظات، كالحسكة والقامشلي، بمعدل مرّتين أسبوعياً، وبكميات تصل الى 5 كيلوغرمات. في المقابل، فإن المستوى الخارجي يتمثل بتصدير ما بين 30-40 كيلوغرام من الذهب المصاغ، الى الخليج، وفق جزماتي.
المؤشرات الإيجابية لقطاع الذهب، أبقت على “الفراغ” الذي خلفته هجرة اليد العاملة، فالمهنة لم تعد مرغوبة من قبل الشباب، وتلعب الكلفة المرتفعة لتأسيس مشغل، دوراً كبيراً في تقلص عدد المشاغل وعدد اليد العاملة الجديدة. وضعف وجود اليد العاملة دفع بأحد أصحاب ورش صياغة الذهب، سليم جرجي، الى إيقاف العمل في الورشة، في بداية الازمة، ولاحقاً الى تقليص فترات الدوام. لكن جرجي، وفق ما يقوله لـ “المدن”، لم يطلب من أحد من عماله مغادرة العمل، لأن هؤلاء الشباب “اكتسبوا خبرتهم من خلالي”. ويؤكد جرجي على ان هناك بعض الأشخاص من غير الصاغة، يتجهون الى شراء الذهب وبيعه، ويحاولون بذلك اكتساب مهنة، او الدخول الى مهنة الصاغة عبر هذا الباب.
لكن اعتماد هذا الباب يحمل صعوبات كثيرة امام المبتدئين، فبعيداً عن الخبرة العملية، هناك أزمة في تأمين كلفة امتلاك مشغل. فبالنسبة الى الياس تنورجي، أحد أصحاب مشاغل الذهب، يحتاج أي صائغ جديد الى حوالي كيلوغرام من الذهب على الاقل ليبدأ العمل، وتكلفته حوالي 10 ملايين ليرة (حوالي 28 ألف دولار)، هذا عدا الآلات والأدوات المطلوبة.
إمكانية تطوير الحركة الايجابية للذهب اليوم، لا يمكن ان تصل الى افتتاح ورش جديدة، بل تنحصر الايجابية بإرتفاع حركة تبادل الذهب بنسبة تتراوح بين 50 و70%، حتى الآن، وهو ما يشجع على الشراء بهدف حفظ القيمة. اما من يخالفون هذا الشراء، ويشترون بهدف الزينة، فهؤلاء بالنسبة الى تنورجي، لا تتعدى نسبتهم الـ 5%.