يعرض أبو جورج من بلدة كوكبا، وإلى جانب الطريق العام بين الحاصباني ومرجعيون، صناديق عدة من التفاح، ينتظر بفارغ الصبر تصريفها، فالزبائن، وبالرغم من زحمة السير على هذه الطريق الدولية، باتوا نادرين، السوق «ميت» والناس في ضائقة. يردّد، نبيع كلغ التفاح بألف ليرة، اي ما يوازي كلفته، علماً ان الموسم في حالة يرثى لها، وللعام الخامس على التوالي انتاج التفاح الى تراجع، وما نقطفه لا يسدد التكاليف من حراثة وتقليم وريّ ورشّ مبيدات.
يُجمع مزارعو تفاح حوض الحاصباني، على انخفاض انتاج هذه الأشجار، بنسبة تراوحت بين 50 و75 في المئة، خلال الأعوام القليلة الماضية، ويرد هؤلاء التراجع الى اسباب عدة تحول دون عودة هذه الشجرة الى عزّ عطائها، ومنها بشكل اساسي الأدوية الزراعية المغشوشة والفاسدة، المتواجدة في الأسواق والتي استعملوها لمكافحة الأمراض والسوس في بساتينهم، يُضاف الى ذلك تبدل احوال الطقس السريعة، بين بارد وصحراوي، ناهيك عن موجة الغبار الأخيرة والتي غمرت لبنان لأيام عدة. كل ذلك ضرب أغصان اشجار التفاح فمالت للاصفرار، وتساقطت ثمارها، ناهيك عن اليباس الذي لحق بهذه البساتين، وبنسبة وصلت الى حدود الـ13 في المئة حتى الآن.
يعتبر مزارعو التفاح أن ما أصاب بساتينهم، كارثة زراعية كبيرة، كبّدتهم خسائر باتوا عاجزين عن تجاوزها، فما جُنيَ من الموسم بالكاد يغطّي القسم البسيط من أتعابهم ومصاريفهم، إن لجهة الحراثة او الري او ثمن الأدوية التي استعملوها، والتي تبين أن أكثرها كان فاسداً وغير مطابق للمواصفات المطلوبة، هذا ما يقوله المزارع ابو فادي الحمرا الذي يقدّر خسارته بـ800 صندوق تفاح. الحمرا يضيف: ما نجا من التلف أقل من ربع الموسم، فالثمار تساقطت أرضاً وبشكل لم نشهد له مثيلاً على الإطلاق. لقد زدنا ري البساتين، فالمياه متوفرة، وكثّفنا رش المبيدات في محاولة لإنقاذ الثمار، لقد ذهب تعبنا سدىّ. لم نتمكن من تطويق المشكلة، بعدما تبين لنا لاحقاً أن هذه المبيدات الفاسدة كانت في صلب معاناتنا.
إنتاج جيد.. ولكن
تقدّر التعاونيات الزراعية انتاج الحاصباني من التفاح بحدود الـ22000 صندوق، وهو من اجود الأنواع نسبة للهواء النقي والمياه النظيفة العذبة التي تروي البساتين، وما جني من ثمار لا يتجاوز ربع هذه الكمية. المشكلة ايضا حسب الجهات المسؤولة في هذه التعاونيات، ليست بالثمار المتساقطة فقط بل تجاوزتها الى الكثير من الأشجار التي يبست بدورها، اضافة الى اخرى ذبلت وهي في طريقها الى اليباس، وقد بدأ العديد من المزارعين فعلاً، باقتلاع وقطع مئات الأشجار لاستعمالها في التدفئة في فصل الشتاء.
مزارع من آل بدوي يُعيد المشكلة الحاصلة في بساتين التفاح، الى التقلبات الحادة في الأحوال الجوية بشكل اساسي، فهذا الطقس الحار لم تشهده المنطقة منذ عهود، وشجرة التفاح تأثرت سلباً كما باقي المزروعات، فكانت موجة تساقط الثمر غير العادي، والتي يصعب على المزارع منفرداً مواجهتها، كما ان لغياب الإرشاد الزراعي وعدم اكتراثه بهذه البســـــاتين، آثار سلبية سترتد وخــلال فترة قصيرة مقبلة على هذا القطاع، الذي يميّز وادي الحاصباني الى جانب زراعة الزيتون.
غياب الإرشاد الزراعي
نائب رئيس الجمعية التعاونية الزراعية للزراعات البعلية والشتول نهاد ابو حمدان، تحدث عن الخسائر الكبيرة التي تكبّدها مزارعو التفاح هذا العام، وقال: على الدولة ان تتحمل جانباً من المسؤولية في هذه الكارثة، فالمزارع عمل وحيداً متكلاً على خبرته في مواجهة الأمراض التي ضربت موسمه، في ظل غياب شبه تام للجهات المعنية، فلا توجيه ولا ارشاد زراعي ولا متابعة، فهذه المناطق النائية بعيدة عن كل اهتمام الجهات المعنية، فلم تكن هناك اية مبادرة للكشف مثلاً على ما قيل عن ادوية فاسدة، والمزراع لا يمكنه تأكيد او نفي ذلك، لكن النتيجة السيئة في البساتين، أكدت فعلاً ان هناك خللاً ما في الأدوية والمبيدات التي استعملت خلال الأعوام القليلة الماضية، وأمام هذه الكارثة نأمل من وزارة الزراعة والهيئة العليا للإغاثة التعويض على المزارعين، فالبرغم من الكساد الحاصل في المواسم الزراعية على مدى الأعوام العشرة الماضية، إلا أن قرشاً واحداً لم يُدفع لأي مزارع، فالحرمان صفة ملازمة لهذه المنطقة الحدودية، وفي مختلف المجالات المعيشية والزراعية والصناعية والتجارية.