عندما هاجم مسلحون تابعون لتنظيم الدولة الاسلامية بوابة خارجية لحراسة مرفأ السدرة النفطي في ليبيا في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول أرسلوا بعضهم لقتل الحراس قبل محاولة تفجير سيارة ملغومة في محاولة لإحداث ثغرة في دفاعات الميناء.
وفشل الهجوم في الاقتراب أكثر من 1.6 كيلومتر من الميناء أحد الموانئ النفطية الرئيسية في ليبيا، لكنه أظهر نية التنظيم التوسع خارج قاعدته في مدينة سرت واستهداف البنية التحتية لقطاع النفط.
ولم يكن هذا الهجوم الأول من جانب الدولة الاسلامية على قطاع النفط الليبي، لكن صناعة النفط في ليبيا عضو منظمة أوبك تعاني بالفعل من آثار الصراع والاحتجاجات وانخفض الانتاج لأقل من نصف ما كان عليه عام 2011 وهو 1.6 مليون برميل يوميا.
وفي العراق وسوريا حيث استولى التنظيم على مساحات كبيرة من الارض استطاع أن يحقق ايرادات من حقول النفط، في الوقت الذي يقدر فيه خبراء الارهاب أن دخل التنظيم يبلغ 2.9 مليار دولار سنويا يمثل النفط والغاز جانبا كبيرا منه.
لكن التنظيم المتطرف مازال يعمل على ترسيخ أقدامه في ليبيا وهو يتعايش مع الاسلاميين المحليين لكنه يواجه فصائل مسلحة مناوئة لها صلات محلية قوية.
وربما تمنع تلك المقاومة وهيكل صناعة الطاقة الليبية ونظام التصدير التنظيم من السيطرة على أصول الصناعة النفطية وايراداتها غير أن فرص سيطرة الدولة الاسلامية تتزايد مع اشتداد الفوضى.
وفي وقت سابق من 2015 هاجم مقاتلو التنظيم عددا من الحقول القريبة من قاعدتهم في سرت وأسروا عددا من المتعاقدين الأجانب وقتلوهم وعطلوا انتاج النفط في المنطقة.
وتسبب الفوضى الامنية الناجمة في جزء منها عن الفراغ السياسي والتنافس بين حكومتين واحدة شرعية معترف بها دوليا في طبرق (شرق) وأخرى موازية غير معترف بها دوليا في طرابلس (غرب) في انخفاض انتاج النفط بشكل حاد وصل إلى نحو 250 ألف برميل يوميا فقط، قبل أن يرتفع إلى نحو 500 ألف برميل يوميا وهو مستوى غير ثابت يزيد عن ذلك أو ينزل دونه بحسب درجة المواجهات في المناطق النفطية.
وهناك عدد من الحقول لاتزال مغلقة بسبب القتال بين الفصائل أو الاحتجاجات بالإضافة إلى إغلاق مرفأي تصدير رئيسيين منذ ديسمبر/كانون الاول هما السدرة ورأس لانوف.
وقال ماشاءالله الزوي وزير النفط في الحكومة غير الشرعية “ما من شك أن أمامنا عقبة هي الدولة الاسلامية خاصة في المنطقة الوسطى من ليبيا”.
إلا أنه رأى أن التنظيم المتطرف في ليبيا يختلف عن نظيره في سوريا والعراق.
وبدا أن الهجوم الأخير على محيط مرفأ السدرة عملية كر وفر من العمليات التي تميز مجموعة تواجه خصما أقوى.
وفتح مسلحون في عدة عربات النار من بنادق كلاشنيكوف ومن رشاشات ثقيلة على بوابة تبعد نحو 700 متر إلى الغرب من الميناء.
وقتل حارس يتبع قوة اتحادية متحالفة مع الحكومة المعترف بها وأصيب آخران بجروح. وقال مسؤولون أمنيون إن المسلحين حاولوا تفجير سيارة ملغومة في البوابة لكن أربعة منهم قتلوا بالرصاص.
وقد أغلقت السلطات مرفأي السدرة ورأس لانوف اللذين تبلغ طاقتهما التصديرية نحو 500 ألف برميل يوميا منذ ديسمبر/كانون الأول بسبب الاشتباكات بين القوات الاتحادية التي تسيطر على الميناءين والكتائب المتحالفة مع حكومة طرابلس التي تعهدت باستردادهما.
وقال ماتيا توالدو الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية “أدركت الدولة الاسلامية أن أكبر الفصائل مهتمة أكثر بمقاتلة بعضها البعض، وهي تتوسع في وسط ليبيا ولا تواجه مقاومة تذكر.”
واقع على الأرض
ومنذ الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي في 2011 ودعمها حلف شمال الأطلسي، انقسمت ليبيا إلى مناطق تسيطر عليها كتائب متنافسة من الثوار السابقين والفصائل القبلية والقوى ذات الميولات الاسلامية التي انقلبت في ما بعد على بعضها البعض في معركة داخلية من أجل السيطرة.
وتسيطر على طرابلس منذ 2014 جماعة فجر ليبيا وهي تحالف من الفصائل المسلحة من مدينة مصراتة ومقاتلين ذوي توجهات إسلامية واستطاعت الجماعة طرد منافسيها من العاصمة وإقامة حكومة موازية.
أما الحكومة المعترف بها دوليا وبرلمانها المنتخب فيعملان من مدينة طبرق في الشرق ويدعمهما ائتلاف فضفاض من القوات المسلحة تحت قيادة اللواء خليفة حفتر الضابط السابق بالجيش الليبي في عهد القذافي والاتحاديون الذين يسيطرون على الموانئ.
وتسيطر فصائل مسلحة قوية على مناطق ومدن مختلفة وغالبا ما يرتبط ولاء هذه الفصائل بمصالح محلية الأمر الذي يعقد جهود الأمم المتحدة الراعية لحوار بين الفرقاء الليبيين لإنهاء الصراع وتشكيل حكومة وحدة.
كما تقع حقول النفط والموانئ الليبية في مناطق تسيطر عليها فصائل مختلفة مما يسمح لفصيل بأن يقطع خط أنابيب على سبيل المثال للضغط على فصيل آخر.
وفي مارس/آذار خطا تنظيم الدولة الاسلامية أكبر خطوة من أجل النفط فاقتحم عدة حقول ليبية وألحق أضرارا بها حول الغاني.
واضطر ذلك الحكومة إلى الاستناد إلى بند القوة القاهرة في التعاقدات وأوقفت الانتاج في 11 حقلا في حوض سرت بوسط البلاد، فيما قتل 11 حارسا وقطع المتشددون رؤوس بعضهم.
لكن لم تحدث محاولة للاحتفاظ بحقول والحصول على ايرادات مثلما فعل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق، وكان الهدف هو التدمير.
وحتى قبل وصول الدولة الاسلامية كانت صناعة النفط الليبية تشهد تقلبات مستمرة منذ سقوط القذافي.
وادى انخفاض أسعار النفط بنحو 60 بالمئة منذ يونيو/حزيران 2014 إلى تراجع حاد في ايرادات ليبيا النفطية.
وزاد التنافس بين حكومتين لكل منهما مسؤولون لقطاع النفط ووزير للطاقة من تعقيد الوضع.
وأبرزت العلاقات بين القوى المتنافسة التي تسيطر على موانئ النفط وخط الأنابيب الذي يمتد من حقل الشرارة الرئيسي إلى الموانئ التعقيدات التي تواجه إعادة الانتاج.
وتقول طرابلس إنها تتفاوض مع شيوخ القبائل لرفع الحصار عن خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام عبر منطقة تسيطر عليها قوات من مدينة الزنتان التي تعارض سلطات طرابلس.
لكن قوات الزنتان تنفي إجراء أي محادثات مع حكومة طرابلس وتقول إن الحقول مغلقة كإجراء وقائي من جانب الحرس النفطي بعد هجمات أخيرة للإسلاميين على حقول جنوبية.
وقال مصطفى الباروني رئيس المجلس البلدي في الزنتان “لا توجد مشاورات مع وزارة النفط والغاز في طرابلس لأنها غير شرعية.”
وقالت وكالة الأنباء الليبية في طرابلس، إن حقلا نفطيا آخر هو حقل الفيل قد يعاد فتحه خلال أيام بعد ابرام اتفاق على أجور الحراس، لكن أحد القادة قال إنه لم يتلق إخطارا رسميا باستئناف العمل في الحقل وإن عليه الانتظار حتى يتم تشغيل خط الأنابيب.
وفي أوائل 2014 أنهت قوات اتحادية بقيادة ابراهيم الجضران حصارا استمر شهورا لأربعة من حقول النفط الرئيسية ومنها حقل السدر الذي تسيطر عليه قواته بعد أن هدد بالالتفاف على الحكومة وبيع النفط لحسابه.
وقاتلت قواته منذ ذلك الحين فصيل طرابلس هذا العام عندما حاولت استعادة حقل السدرة، لكنه انفصل مؤخرا أيضا عن القوات التي تدعم الحكومة المعترف بها.
وتوقفت مساعي الأمم المتحدة للتوصل إلى حكومة وحدة تتفق عليها الفصائل الرئيسية وأدى الفشل في حمل الجميع على الموافقة عليها إلى إتاحة فرصة أكبر لتنظيم الدولة الاسلامية لاستهداف النفط من جديد.
وقال ريكاردو فابيان المحلل المتخصص في شؤون شمال أفريقيا بمجموعة أوراسيا “هدفهم هو تعظيم أثر عملياتهم على إنتاج النفط وفي الوقت نفسه تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن ومن المرجح أن يستمروا على هذا المنوال.”