موريس متى
نحو 103 آلاف عسكري وعنصر امني في الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، أصبحت رواتبهم مهددة في الشهرين المتبقيين من السنة الجارية، نتيجة الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد وبالحكومة.
الخوف الأكبر من أن تكون هذه الورقة، التي تعتبر من الخطوط الحمر، لخطورة تداعياتها على الاستقرار الامني والاجتماعي، دخلت البازار السياسي، وأصبحت ورقة ابتزاز يستخدمها بعض أهل السياسة لتسجيل أعلى قدر من المكاسب داخل الحكومة وخارجها.
أكد وزير المال علي حسن خليل في 25 آب المنصرم، ومن السرايا تحديداً، أن رواتب موظفي القطاع العام مؤمنة حتى نهاية السنة الجارية، ضمنها رواتب العسكر، وكل ما تحتاج اليه هو مجرد قرار في مجلس الوزراء يسمح بنقل الاموال من الاحتياط الى بند الرواتب. وبالفعل، وافق المجلس في جلسته يوم 27 آب الماضي، على مراسيم نقل وفتح اعتمادات لتغطية الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد للموظفين. يومها، اعتقد الجميع أن أزمة الرواتب انتهت، أقله حتى نهاية 2015، بعد توافر الاموال عبر تغطيتها من الاحتياطي. علماً ان خليل ارسل مشروع قانون الى مجلس النواب لاقرار سلفة اضافية بقيمة 850 مليار ليرة لتأمين رواتب القطاع العام واجوره حتى نهاية السنة، الا ان الخلافات السياسية حول تشريع الضرورة ادت الى عدم انعقاد المجلس لاقرار هذه السلفة، فما كان منه الا ان لجأ الى مجلس الوزراء، مع تأكيده المستمر أن الاموال متوافرة ولا تحتاج الا الى آلية قانونية لصرفها.
واللافت أن الاعتمادات التي وافقت الحكومة على فتحها في 27 آب المنصرم، والتي أعلن عنها وزير المال آنذاك، لا تغطي سوى رواتب واجور ومعاشات التقاعد لموظفي القطاع العام، باستثاء رواتب العسكريين لتشرين الثاني وكانون الاول المقبلين، على رغم أنها مؤمنة، الا انها لن تصرف بحسب وزير المال قبل إقرار فتح الاعتمادات المطلوبة في مجلس الوزراء. وهذا الامر لم يعلن عنه حينها.
ولدى مغادرته عين التينة امس، سُئل وزير المال عن مشكلة المعاشات ولا سيما تلك التي تخص الجيش والقوى الامنية، فأجاب: “هناك نقص في تغطية بند الرواتب، وهذا لا يعني انها غير متوافرة. هناك مبالغ متوافرة من الاحتياط وهي تحتاج الى قرار في مجلس الوزراء لاصدار مرسوم في هذا المجال. وفي اللحظة التي يتخذ فيها القرار، تتأمن كل الرواتب والتي تبلغ قيمتها 444 مليار ليرة لشهري تشرين الثاني وكانون الاول المقبلين”. أضاف: “في معظم الوزارات هناك نقص. يصل النقص في وزارة الدفاع الى 117 مليار ليرة، وفي الداخلية الى 84 مليارا. لكن النقص الاكبر يكمن في مخصصات قوى الامن الداخلي اذ يبلغ 85 مليار ليرة لشهرين، و27 مليارا للامن العام لشهرين، والاجهزة العسكرية الاخرى 234 مليارا لشهرين ايضاً”.
واللافت ما صرح به امس نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام، اذ قال: “أنا لا أستطيع ترك العسكر الموجود في عرسال ورأس بعلبك وفي الشمال والجنوب من دون رواتب. وفي حال لم يتم صرف الاموال، فليتحمل كل مكون سياسي مسؤوليته”.
هكذا يكافئ أهل السياسة، مرة جديدة، جنود المؤسسة العسكرية وعناصر القوى الامنية الذين يقدمون كل يوم التضحيات في أصعب الظروف، بدل أن تقر لهم سلسلة الرتب والرواتب، عربون شكر على كل تضحياتهم. علماً ان موازنة رواتب النواب الذين مددوا لانفسهم بحجة “الفراغ”، توافرت حتى نهاية السنة. وفي هذا السياق، نقل بعض زوار قائد الجيش في الايام الماضية كلاما واضحا عنه في هذا الشأن، اذ أنذر أهل السياسة من اللعب بورقة رواتب العسكر، محملا إياهم تداعيات ما قد ينتج من قرارات قد تتخذها القيادة العسكرية نتيحة عدم صرف الاموال لعناصر المؤسسة، محذراً “إياكم ورواتب العسكر”.
لطالما وجد الوزراء، الاساليب التي يمكن من خلالها امرار القوانين، وإقرار المراسيم، وفتح الاعتمادات وإغلاقها متى وكيفما شاؤوا، وبالطرق التي يُجمعون دوما على دستوريتها وقانونيتها. فهل انتفت هذه المرة الاجتهادات الدستورية والفتاوى القانونية التي تعطي العسكر حقا سلبتهم إياه السلطة الحاكمة، وأقحمته في بازاراتها السياسية ورقة للابتزاز والمقايضة؟