كانت لدى وحيد عيسى آمال كبيرة لحياته في سورية. “كنت أريد العمل هناك كمهندس، والزواج وإنجاب الأطفال”. لكن في عام 2004، بعد دراسة الهندسة المدنية في جامعة حلب، قرّر مغادرة البلاد، بعد الشعور بالكآبة بشأن مستقبله فيها، حيث يقول: “شعرت بعدم الأمان”.
على الرغم من الخبرة الهندسية التي اكتسبها من العمل في أحد المستشفيات، وبناء سد وشُقق في سورية، إلا أن عيسى البالغ من العمر 42 عاماً يكافح للعثور على عمل ذي مهارة في بريطانيا.
ويضيف أن أصحاب العمل لا يعترفون بخبرته أو مؤهلاته من بلد أجنبي. كما كان من الصعب أيضاً تبرير الفجوات في سيرته الذاتية لأصحاب العمل المحتملين. ويسأل “كيف يستطيع الشخص أن يحصل على عمل بهذه الطريقة؟”.
مثل هذه الإحباطات موجودة بكثرة. ومن المرجح أن تزيد بعد التدفق المستمر للمهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، وهي أكبر حركة للناس شهدتها القارة منذ عام 1945. المشكلة قد لا تكون واضحة على الفور، حيث يُمكن أن يستغرق منح الوافدين الجُدد الحق في العمل أو المطالبة بالمزايا بعض الوقت.
في لندن، تحدثت مع رجل يبلغ 53 من العمر جاء أصلاً من جبال النوبة في السودان. كان يعمل كمُدقّق عام، لكنه الآن يعمل في متجر للملابس يتعامل مع المبيعات والأمن.
يقول، مُفضّلاً عدم الكشف عن اسمه خوفاً من إفساد فرص عمله، إنه يدرس على الإنترنت لإبقاء دماغه نشطاً، ويقرأ الكتب عن الجرائم الإلكترونية، ويُحدّث مهاراته في تكنولوجيا المعلومات، ويبقى على اطلاع على التغيّرات في عالم المحاسبة.
زوجته وأولاده يعيشون في يوركشاير في شمال إنجلترا، في حين أن مقرّه في العاصمة لكسب المال، حيث لا يبقى هناك الكثير بعد دفع إيجار منزله.
العمل الوحيد الذي حصل عليه في المملكة المتحدة الذي يستخدم مهاراته كان وظيفة مؤقتة لمدة ستة أشهر. يقول: “يتردّد أصحاب العمل في توظيف اللاجئين”، إذ يفضّلون توظيف أشخاص لديهم خبرة عمل حديثة وصاحب عمل معروف. “الوظائف تذهب إلى الناس الذين لديهم وظائف أصلا”.
شيلا هيرد، مديرة في ترانزيشنز، المنظمة غير الربحية في المملكة المتحدة التي تُقدّم المشورة للاجئين ذوي المهارات العالية في مجال التوجيه المهني والبحث عن وظيفة، شهدت هذه القضايا بشكل وثيق، وتقول: “اللاجئون لديهم مجموعة من المشاكل مجتمعة معا تبقي الباب مغلقا”.
قد يكون هناك صدمة لم تعالج من مشاهدة الصراع أو القلق من الهروب من بلادهم. البعض يواجه صعوبات مع اللغة: كثير من اللاجئين المُتعلّمين سبق أن تعلّموا اللغة الإنجليزية، لكن اللغات الأوروبية الأخرى ستكون غير معروفة كثيراً.
التحيّز من أصحاب العمل هو قضية أخرى، مثلما هي الحال بعدم الاعتراف بالمؤهلات وفرص العمل، فضلاً عن الفجوات في السير الذاتية.
تقول هيرد إن الرفض المستمر يُدمّرهم. الثقة بالنفس هي الضحية الكبيرة. وتستشهد بمهندس مدني ليبي تعتقد أنه يستحق فرصة. “ينبغي أن يحصل على وظيفة. الرفض اليومي يُفسد الثقة بالنفس لدى الناس”.
ولما كان كثير من الناس يصلون إلى أوروبا، ظهرت بعض المبادرات في محاولة لتوجيه الوافدين الجُدد نحو الوظائف. هذا الأمر يختلف في جميع أنحاء أوروبا.
في ألمانيا، على سبيل المثال، بعض الشركات مثل ثيسين كروب تُقدّم فرصة التدريب للاجئين.
كما أطلقت المفوضية الأوروبية هذا الشهر برنامج Science4refugees، وهو برنامج يُطابق الوافدين الجُدد ذوي الخلفية العلمية مع المؤسسات العملية التي تُعلن نفسها بأنها “منظمات ترحّب باللاجئين”.
مثال ذلك برنامج شركة أوليفر وايمان للاستشارات الإدارية الذي يُسلّط الضوء على بعض هذه التحدّيات، حيث استجابت أخيرا لوصول المهاجرين من الشرق الأوسط من خلال التعهد بتعيين المهنيين في مكاتبها الأوروبية.
أعلن سكوت ماكدونالد، الرئيس التنفيذي، في أيلول (سبتمبر) الماضي: “نحن نشاهد الآلاف يهربون من الصراع العنيف والخطر بحثاً عن مستقبل لعائلاتهم. نحن نريد القيام بالجزء الخاص بنا والتخطيط، حين يكون ذلك في مقدورنا، لتعيين المُرشّحين المؤهلين من اللاجئين في أوروبا”.
من الناحية العملية، التعهد يصل إلى 10 لاجئين مهرة بحلول نهاية الربع الأول من عام 2016، وهي مساهمة ضئيلة. حتى الآن، عرضت الوظائف على اثنين: عراقي وسوري. مع ذلك، هذا يُظهر القيود في عملية التوظيف التقليدية فيها.
قال ماكدونالد: “نحن نوظّف من مجموعة ضيّقة من الأماكن، أساسا من مجموعة صغيرة من الجامعات. وقد نضطر لاتخاذ بعض المخاطر”.
هيرد تشعر بالقلق بشأن استخدام لغة “المساعدة” في حالة اللاجئين، حيث يُمكن أن تنحرف إلى جهود رمزية. شارون جويمر، مديرة الموارد التي تُشرف على تعيين الموظفين الجُدد في مجموعة البنية التحتية البريطانية، ناشينال جريد، تقول إنها ضد وضع أهادف عمل للاجئين، خوفاً من تقويض مصداقية تلك الشركات التي توظّف بالفعل: “نحن لا نريد أن نضع أوصافا على الناس. فلا يريد اللاجئون الشعور كأنهم مجرد حصة”، على حد قولها. مع ذلك، فهي تراقب الأرقام بالفعل، مضيفةً: “عليك أن تُحصي لإحداث فرق. كيف تقوم بالتقييم إذا لم تفعل ذلك؟”.
تقول جويمر إن السبب الرئيس لفشل اللاجئين المهرة بالحصول على وظيفة هو أنهم لا يفهمون عملية التوظيف في البلاد المُضيفة. للمساعدة في التغلّب على هذا، تقوم شركة ناشينال جريد بتقديم عروض توضيحية في ورش العمل المهنية التي تستضيفها منظمة ترانزيشينز، للمساعدة في تثقيف الموظفين المحتملين حول سوق العمل.
كما تُقدّم الشركة أيضاً فرص التدريب للاجئين الذين هم في منتصف حياتهم المهنية.
كما هي الحال مع مبادرات التنوّع الأخرى، ترى جويمر تعيين المهاجرين بأنه وسيلة لجلب وجهات نظر جديدة للأعمال. وكجزء من برنامج التنوع فيها، أدخلت شركة ناشينال جريد برامج تدريب التحيّز غير المقصود.
في نهاية المطاف، عيسى وجد الخبرة العملية من خلال التواصل مع الأكراد في المملكة المتحدة. “إذا كنت ستذهب من خلال الوكالات فأنت تحتاج إلى الكثير من الخبرة.
الأمر يتعلّق بمن تعرف وليس ماذا تعرف”.
ويرى أن أشخاصا آخرين عالقون في فخ إرغامهم على العمل مقابل أجر نقدي (وليس من خلال الشيكات) والتعرّض لسوء المعاملة. يعتقد أن الشركات يُمكن أن تمنح الناس مزيدا من الفرص من أجل الحصول على الخبرة في العمل.
تعلّم عن تقنيات البناء البريطانية من خلال الدراسة والخبرة العملية. في سورية، كان يعمل على المباني التي كانت عالية ومكوّنة من عدة طوابق، وليس على المنازل المكونة من طابقين أو ثلاثة طوابق النموذجية في المملكة المتحدة.
المواد كانت مختلفة أيضاً. اليوم، هو يعمل في شركة بيلدينج كونترول سيرفيورز، القائمة في شمال لندن.
عيسى ينصح أحد الأكراد السوريين الذي يستمر بالحصول على الرفض من أصحاب العمل المحتملين قائلاً: “أنصحه أن يقوم بتحديث مهاراته. اذهب وأطرق كل باب. في أحد الأيام ستجد شيئاً ما”.