تعالت في الفترة الأخيرة أصوات محذرة من خسارة لبنان مساعدات دولية، وتعليق مشاريع مرتقب دعمها من قبل البنك الدولي، ما لم يلتئم مجلس النواب ويمارس عمله التشريعي. حتى أنه تراءى للبعض أن عدم إقرار المشاريع الممولة من البنك الدولي سيشكل خسارة فادحة للإقتصاد اللبناني، وسيسدّد ضربة قاضية لدعم لبنان دولياً.
بعيداً من ضرورة اجتماع مجلس النواب وإقراره كافة المشاريع العالقة في أدراجه، والتي ساهمت الى حد كبير في عرقلة غالبية الملفات الإقتصادية (لاسيما المالية)، والحياتية، فإن عدم إقرار المشاريع الموجودة على مائدة التفاوض مع البنك الدولي لن تطيح باسم لبنان من لائحة مساعدات البنك الدولي، ولن تلغي حصته من مساعدات البنك، التي لم تدخل حيّز التنفيذ بعد والبالغة نحو 700 مليون دولار.
الرسالة التي وجّهها البنك الدولي للسياسيين، لحثّهم على تفعيل عمل مجلس النواب وإقرار المشاريع الموجودة على طاولة التفاوض معه، اعتبرها البعض تهديدا للبنان، وهوّل بها للضغط في اتجاه إقرار مشاريع معيّنة من دون سواها، فما هي تلك المشاريع المهدّد تمويلها؟ وهل تضفي مخاطر فعلية على الاقتصاد اللبناني إذا لم تُنفّذ؟
يستحوذ مشروع سد بسري على حصة من القروض المرتقبة من البنك الدولي في حال تم إقرار المشاريع المرتبطة بها قبل نهاية العام الجاري، وقيمة القرض 474 مليون دولار، من البنك الدولي، و128 مليون دولار من البنك الاسلامي، ومن المُخطط للسد أن يغذي بالمياه اكثر من مليون وستمئة الف مواطن لبناني، ولكن ما لم يستذكره “المهوّلون” أن السير بمشروع سد بسري لا ينتظر إقرار مجلس النواب فحسب، بل ينتظر التوافق بشأنه بين وزارتي البيئة والطاقة والمجتمع المدني من جهة، وبت قضية تعليق العمل به أمام القضاء اللبناني من جهة أخرى.
رسالة البنك الدولي التحذيرية وبالرغم مما تحمله من أبعاد خطيرة تتعلّق بالثقة بلبنان كدولة ومؤسسات، غير انها تركت ارتياحاً لدى العديد من الخبراء الذين لا يرون بقروض البنك الدولي سوى “توريط” لمالية الدولة بديون جديدة قد يعجز البلد عن سدادها، ومنهم الخبير الإقتصادي الدكتور ايلي يشوعي الذي رأى في حديثه لـ”المدن”، أن لبنان في غنى عن الإقتراض من البنك الدولي، إنما حاجته في الحصول على مساعدات البنك وغيره من المؤسسات الدولية هي حصراً لمساندته في تحمّل اعباء النازحين السوريين.
وترك تحذير البنك الدولي بتعليق القرض المتعلق بسد بسري، ارتياحاً لدى معارضي إقامة السد، ومنهم الخبير الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا، الذي اعتبر في حديثه لـ”المدن” أن قرض البنك الدولي المرتبط بسد بسري، أي الـ474 مليون دولار، ما هو إلا هدر للمال نظراً الى تعدد الأسباب التي تمنع سد بسري من إبصار النور، “وإن حصل ذلك فإن السد لن يحقق أهدافه بتغذية أكثر من ثلث الشعب اللبناني بالمياه”، لأسباب تقنية تتعلّق بوجوده على فالق زلزالي ضخم، ناهيك عن وجود بديل لسد بسري، بحسب شاتيلا، وهو إقامة سدّ على نهر الدامور، لا تتعدى كلفته 155 مليون دولار.
تلك المواقف لا تلغي أهمية القروض المُفترض الحصول عليها من البنك الدولي، ولكن استثمار تحذير البنك الدولي من قبل بعض السياسيين حمل الكثير من المبالغة والتهويل، الذي فقد قيمته مع توضيح المدير الإقليمي للبنك الدولي فريد بلحاج بأن البنك لم يهدد لبنان بل وجه إليه رسالة.