مئة عام مرّت على انشاء ميدان سباق الخيل وظل صامدا محافظا على مكانه ومكانته رغم ما شهده من ظروف صعبة لا سيما الحربين العالميتين الاولى والثانية بالاضافة الى الحرب اللبنانية.
وقد أعلن محافظ بيروت القاضي زياد شبيب عن الاحتفال بالمئوية الاولى في العام 2016 لانشاء ميدان سباق الخيل، مشيرا لاهمية هذا الحدث. ورأى أنّ “المناسبة ستشكل محور بحث في السبل الفضلى لاستفادة عموم المواطنين من هذه المساحة الخضراء”.
يعود تاريخ انشاء ميدان سباق الخيل الى توقيع عقد بتاريخ 5 كانون الأول 1915، حينما منحت بلدية بيروت بموجبه إلى ألفرد موسى سرسق امتيازا لاستثمار مساحة الميدان كسباق للخيل لمدة 40 عامًا. ومن الشروط التي تضمنها العقد تحويل المكان الى منتزه عمومي وانشاء نواد رياضية وسباق خيل وحدائق.
وأثر الانتداب الفرنسي، قامت المفوضية الفرنسية العليا بتاريخ 28 أيلول 1921 بتوقيع عقد مع ألفرد سرسق للتنازل عن كامل حقوقه فيما يعود للعقارالذي حدد ثمن بيعه بمبلغ 1875000 فرنك فرنسي، على الرغم من عدم ملكية سرسق له. الا انه بتاريخ 25 أيار 1927، جرى اتفاق بين رئيس بلدية بيروت وأرملة ألفرد سرسق وحبيب طراد بوصايته عن إيفون سرسق، قضى بإعادة ملكية العقار إلى البلدية، وتمديد مدة الامتياز عشر سنوات. وعلى أثر ذلك صدر قانون تنظيم سباق الخيل والمراهنات عليها بتاريخ 5 آذار 1932.
وبعد انتهاء مدّة الامتياز في 5 كانون الأول 1965، وافقت اللجنة القائمة بأعمال المجلس البلدي لمدينة بيروت بموجب القرار الرقم 433 على استرداد ميدان السباق لإدارته لحساب البلدية بالطريقة التي تقرّرها. وبتاريخ 26 كانون الثاني 1966، صدر قرار رقم 12 قضى بتأليف لجنة خاصة تتمتع باستقلال ذاتي لاستلام الميدان وإدارته واستثماره لحساب البلدية.
وفي 31 كانون الثاني 1966، صدر المرسوم الرقم 3724، قضى بالترخيص لبلدية بيروت بفتح واستثمار ميدان سباق الخيل في بيروت، ثم قررت اللجنة القائمة بأعمال بلدية بيروت بتاريخ 4 تشرين الأول 1966 تشكيل لجنة لوضع مشروع نظام استثمار ميدان السباق بهدف وضع الأنظمة اللازمة لاستثمار الميدان بعد الاجتماع مع جمعية أصحاب الخيول وعرضها على لجنة البلدية، الى ان تم تأسيس جمعية “حماية وتحسين نسل الجواد العربي” في 1 كانون الثاني 1970، بموجب العلم والخبر رقم 185/د، وتم التعاقد بين الجمعية والبلدية لادارة واستثمار ميدان السباق للعام 1985. الا ان الاخيرة مددت العقد حتى العام 2007.
ونتيجة رفض ديوان المحاسبة الاتفاق، لمنحه البلدية امتيازا او إيجارا لا يجوز لها إجراؤها، رفعا لخلاف إلى مجلس الوزراء. نتيجة ذلك اتخذت البلدية قرارا رقمه 55 بتاريخ 15 كانون الثاني 1998، قضى بتخصيص الميدان واسناده إلى شركة “BOT”، فوافق مجلس الوزراء على القرار ومنح اللجنة الحالية حق الاستثمار لحين اجراء المناقصة الدولية ومباشرة الملتزم الجديد الاستثمار. وتم وضع دفتر شروط بهذه المناقصة بتكليف مجلس الانماء والاعمار لإعداد ملف التلزيم. وقررت البلدية بتاريخ 31 آب 2006 تجديد العقد بين البلدية والجمعية لمدة ثلاث سنوات وما يزال يتجدد.
تعرف مرافق السباق في بيروت رسميا باسم هيبودروم دو بارك دو بيروت، يتم تدريب في صباح كل يوم أكثر من 700 خيل، من الفجر حتى 8,30 صباحا على المسارات، وبعد ذلك تفتح الأماكن للجمهور. تقام سباقات أسبوعية على مدار السنة بمعدل 10-12 من الخيول في السباق الواحد. تجرى السباقات يوم الأحد، وتسمى شعبيا الحفلات، ابتداء من الساعة 12,30 وهي تقسم الى سبعة أشواط يركض في كل منها خمسة أحصنة. تجذب هذه السباقات الحشود للمراهنة، ويستطيع الاجانب الدخول مجانا، بعد ابرازهم جواز سفرهم، للانضمام له المتعة في فترة ما بعد الظهر. وتقام السباقات خلال شهري تموز وآب يوم السبت.
وفق المطلعين، ان مضمار ميدان سباق الخيل لم يعد يفي بالهدف المطلوب منه لحاجته للتطوير وتحسين مستواه لا سيما لاستعادة جذبه أصحاب الخيول العربية، خصوصا الأشقاء العرب، ممن يحجمون عن المشاركة في السباقات.
وقد برزت مطالبة المهتمين البلدية والدولة، بوضع حد للتجاوزات والمخالفات التي تحدث في الميدان، ودعم القطاع لا سيما إن بعض المالكين حافظوا على نسل الجواد العربي على نفقتهم الخاصة بالرغم من الخسائر الكبيرة التي أصابتهم.
ومن الملاحظ أن أهم الأسباب التي ادت الى تراجع عمل الميدان وتناقص عدد المالكين قلّة الثقة، وتراجع الاهتمام، وعدم وجود أي مخطط يلحظ تطوير الميدان بشكل يعود بالمنفعة العامة. اذ ان مهمة إدارة الميدان تركزت حاليا على إدارة أموال المراهنات بدلا من الاهتمام بالمصلحة العامة والجياد والميدان، الأمر الذي أدى إلى انخفاض استفادةالبلدية من العائدات ، وهبوط مستوى السباق. ما دفع لجنة تحسين نسل الجواد العربي إلى استيراد أشواط فرنسية تنقل مباشرة عبر الأنترنت إلى ميدان السباق، ويراهن عليها الجمهور في حفلات تقام كل نهار خميس من كل أسبوع.
يبقى السؤال ما هي الخطط المطروحة لتطوير ميدان السباق وتأهيله للاعوام المقبلة؟ وما هي المشاريع المستقبلية القادرة على ادخال عائدات مالية وافرة تعود بالفائدة للمصلحة العامة؟ وهل سيتحول الميدان في القرن الواحد والعشرين الى منتزه عمومي يحوي نوادي رياضية وحدائق عامة مفتوحة على المحيط الى جانب سباق الخيل”؟