IMLebanon

“القوات” وجلسة التشريع

 

lebanese forces bloc deputees

 

 

كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:

«القوات» أظهرت بتوفيرها الغطاء المسيحي للتمديد أنّها واقعية وتحرص على الميثاقية وتمتهن فن التسوية السياسية.

من حقّ «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» أن يشترطا مقايضة تغطيتهما للتشريع بتضمين جدول أعمال الجلسة التشريعية بند قانون الانتخاب، ولكن بعد أن أعلنَت كلّ القوى الإسلامية مشاركتها في الجلسة، هل يصحّ تعطيلها مسيحياً؟كلّ الأسباب التي تدفع «القوات» إلى التمسك بإدراج قانون الانتخاب في متن الدعوة للجلسة التشريعية صحيحة 100%، من كون هذا القانون يجسّد البعدين الوطني والميثاقي، إنْ لجهة تكوين السلطة، أو لناحية الشراكة المسيحية-الإسلامية، إلى غياب أيّ ذريعة أو عذر يَحول دون جعلِه بنداً أوّلاً لدى كلّ القوى السياسية باستثناء إمّا رغبتها في إبقاء القانون الحالي، وإمّا عدم رغبتها بإجراء الانتخابات.

ولكن لا يكفي أن تكون الأسباب الموجبة لموقف «القوات» وحدها صحيحة، لأنّ لهذه المسألة أبعاداً أخرى لا يفترض القفز فوقها ولا التقليل من أهميتها:

أوّلاً، القوى المسيحية المطالبة بقانون انتخاب تفتقد إلى الشريك المسلم المؤيّد لمطلبها، على رغم أنّ الاصطفاف منذ العام 2005 إلى اليوم هو من طبيعة وطنية بين 8 و 14 آذار، وبالتالي قد يكون من الخطأ تظهير وجود انقسام مسيحي-إسلامي.

ثانياً، تحقيق أيّ قضية أو هدف أو عنوان يتمّ بالتوافق والحوار، لا عن طريق التعطيل ولا القوّة.

ثالثاً، المبدئية في العمل السياسي مسألة بغاية الأهمية، ولكنّ المبدئية من دون براغماتية تميِّز بين قضية وأخرى تكون نتائجها عكسية.

رابعاً، نجَحت «القوات» في التمديد النيابي بتوفير الغطاء المسيحي لهذه الخطوة على رغم معارضتها للتمديد، وقد أظهرَت عن حكمة سياسية وعقلانية من خلال حرصها على عدم تظهير الفرز المسيحي-الإسلامي، سيّما أنّ تمسّكها بموقفها لن يُسقط خيار التمديد، وبالتالي ظهرَت بالنسبة إلى حلفائها وأخصامها على أنّها تتعامل مع الأمور بواقعية، لا شعبوية، وأنّها تحترف فنّ التسوية السياسية.

خامساً، نجحت «القوات» بخرق الجدار «الشيعي» ضدّها، بفعل مواقفها الوطنية المبدئية، من خلال التقاطع مع الرئيس نبيه برّي الذي مرّر لها رميات مهمّة، والعكس صحيح، وبالتالي لديها مصلحة في استمرار هذا التقاطع وتحديداً في مسألة هي بغاية الأهمّية لرئيس المجلس وتتّصل بموقعه ودوره ورغبته، وقد يعتبر مقاطعتها للجلسة خطوة موجّهة ضده.

سادساً، البنود المطروحة على التشريع من طبيعة ماليّة تدخل في صلب أولويات الناس واهتماماتهم، وبالتالي لا يفترض أن تظهر «القوات» بموقف المعرقل لمصالح الناس وحتى لو جاء هذا الأمر على حساب موقفها المبدئي من قانون الانتخاب.

وتذكيراً، العبرة التي يجب استخلاصها من انتفاضة الناس كردّ فعل على أزمة النفايات أظهرَت أنّ أولوية الناس في المرحلة الحالية تقتصر على أمنِها وكرامتها ولقمة عيشها، وأنّ من دون الصمود الاجتماعي يصعب تجييش الناس حول العناوين الكبرى.

سابعاً، إنّ مبدأ تشريع الضرورة تمّ اعتماده نتيجة الفراغ الرئاسي كحَلّ وسط بين التشريع بشكل طبيعي وكأن لا فراغ رئاسي، وبين عدم التشريع بالمطلق بانتظار انتخاب رئيس جديد، على قاعدة أنّ المجلس تبقى وظيفته انتخابية إلى حين ينتخب رئيساً جديداً.

ولكن في الحقيقة والواقع والظاهر أنّ المعطِّل للانتخابات الرئاسية ليس فريقاً إسلاميا، إنّما هو فريق مسيحي تحت شعارات تبريرية هدفها حجز الرئاسة الأولى، على أمل أن تطرَأ تطورات إقليمية تؤدي إلى قلب الطاولة وتوصِله إلى بعبدا.

ثامناً، الفريق المعطِّل للانتخابات الرئاسية هو نفسه الذي يعطِّل عملَ الحكومة، وبالتالي على رغم أحقّية إدراج قانون الانتخاب في صلب الجلسة التشريعية، فإنّ عدم التوافق على إدراجه لجملة اعتبارات لا يفترض أن يقود إلى تعطيل هذه الجلسة بحيث تتعطّل كلّ المؤسسات الدستورية ويكون المعطِّل في كلّ الحالات مسيحياً.

تاسعاً، حسابات العماد عون مع الثنائية الشيعية قد تدفعه إلى الاكتفاء بإدخال قانون استعادة الجنسية والمشاركة بالجلسة التشريعية، فيما عدم مشاركة «القوات» غير قابلة للاستثمار الشعبي في ظلّ التمديد المفتوح، بل تصَوِّرها وكأنّها غير معنية بكلّ اللعبة السياسية.

عاشراً، عدم مشاركة «القوات» في الحكومة أو الحوار له ما يبرّره، إنْ لناحية تفرُّد «المستقبل» بقرار العودة إلى منطق المساكنة بعد المواقف المعلنة والمشترِطة انسحابَ «حزب الله» من سوريا وتسليمَ سلاحه والتعاون مع المحكمة الدولية قبل أيّ خطوة من هذا النوع، فضلاً عن فشل هذا النوع من الحكومات ومن دون التقليل من التزامن بين قرار المساكنة واغتيال الشهيد محمد شطح، أو لناحية أنّ «القوات» كانت علّقت مشاركتها في حوار بعبدا في ظلّ قناعة أنّ هذا الحوار لن يقدّم ولن يؤخّر.

ولكن ما انطبق على الحكومة والحوار لا يفترض أن ينسحب على الجلسة التشريعية لغياب الحيثيات التي تستدعي عدم المشاركة، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسَه: هل يجوز لقوّة أساسية أن تبقى خارج كلّ الأطر السياسية؟

فلكلّ هذه الاعتبارات وغيرها تشكِّل مشاركة «القوات» في الجلسة التشريعية خطوة مهمة وضرورية، وهذه المشاركة لن تمنع من مواصلة رفعها قضية قانون الانتخاب كعنوان من العناوين النضالية الوطنية الأساسية.