عندما دعاه مارك زوكربيرج لتناول العشاء في العام الماضي، افترض ديفيد ماركوس أن ذلك كان لمناقشة شراكة تجارية محتملة. لكن المؤسس والرئيس التنفيذي لفيسبوك “كان في باله أمر آخر”.
الملياردير كان هناك لتقديم فرصة لماركوس لقيادة فريق كان بمنزلة جزء صغير جداً من حجم الجيش المكوّن من 15 ألف موظف يقودهم بوصفه رئيسا لشركة باي بال، وإبدال المُسمّى الوظيفي، رئيس، بمُسمّى وظيفي أقل هو نائب الرئيس لمنتجات الرسائل. ولم يستغرق وقتاً طويلاً ليقول نعم.
لم يكن الأمر يتعلق بتخفيض المرتبة الوظيفية. لقد تم إغراء ماركوس بما يعتبره “فرصة لا تأتي إلى مرة واحدة كل جيل” لتحويل أداة الماسنجر في فيسبوك إلى “منصة جديدة حجمها مليارات الأشخاص”. وبعد 15 شهرا من تولّيه المنصب، حقق جزءا من هذا الرقم الضخم في وادي السليكون.
الآن باعتباره مُنتجا مُستقلا، توسع الماسنجر من 300 مليون إلى 700 مليون مستخدم نشط شهرياً ولم يعُد مجرد خدمة استبدال الرسائل النصية التي تُساعد فيسبوك على منع المستخدمين من الذهاب إلى تطبيقات الدردشة المنافسة.
اشتمل توسّعه على إطلاق خدمة تهدف إلى تحسين قدرة متاجر التجزئة وشركات أخرى على التفاعل مع الزبائن عبر تطبيق الماسنجر. في آب (أغسطس)، أطلق تجربة برنامج M، وهو مُساعد افتراضي يجمع بين الذكاء البشري والاصطناعي لخدمة المستخدمين.
يقول ماركوس، وهو يجلس تحت مُلصق لمُجسّم برجر غاضب – رمز تعبيري، أو رمز، يُمكن إرساله على الماسنجر – في غرفة المؤتمرات الخاصة به في المقر الرئيسي لفيسبوك في مينلو بارك، إن طبيعة وظيفته الحالية مُختلفة تماماً عن دوره السابق.
“ليس سراً أنه عندما كنت أُدير شركة باي بال، كنت أتولى إدارة تحوّل ثقافي عميق وكبير جداً، وعلى نطاق أكثر من 15 ألف شخص، ليس من السهل إنجاز ذلك كل يوم. لذلك فأنت تقضي 90 في المائة من طاقتك ووقتك فقط في محاولة تغيير الثقافة”.
في باي بال، وبّخ ذات مرة موظفين لعدم تحميل التطبيق الخاص بالشركة غلطة أقل احتمالاً أن تحدث في “عائلة” فيسبوك المُتنامية، حيث إن العاملين يتبنّون بحماس الشبكة الاجتماعية باعتبارها وسيلة للحياة.
لديه رمز تعبير مُفضّل – النينجا – غالباً ما يُرسله إلى فريق عمله عندما يؤدي عملا جيدا، وغالباً ما يُشاهد بقميص عليه شعار الماسنجر. اليوم، هو في قميص أزرق شاحب، وبنطال جينز داكن وحذاء يبدو باهظ الثمن.
هو حريص على العودة إلى جذوره صاحب مشاريع، ويقول إن تجربة منتج جديد مع فريق عمل بارع مكون من 200 شخص يبدو “أمراً طبيعياً”، وإن يتمتع بدعم من موارد واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم.
يقول: “هنا أقضي 90 في المائة من وقتي ليس بالتركيز على كيف سننجز الأشياء التي نحتاج إلى إنجازها، لكن على ما هي أفضل الأشياء التي يُمكن أن نطور بها المنتج ونخلق المزيد من التجارب للناس”.
“الفرحة” هي كلمة تلقى رواجاً في وادي السليكون تقريباً بقدر “التعطيل”، لكن برنامج المساعد الافتراضي M لديه إمكانات لافتة للنظر. فقط بضع مئات من سكان منطقة خليج سان فرانسيسكو يقومون بتجربته، لطلب شاحنة لجر سيارة مُعطّلة، مثلاّ، أو للبحث عن خيارات رعاية الأطفال. لكن بعض خبراء الصناعة أشادوا به باعتباره بديلا محتملا لمحرّكات البحث.
يقول ماركوس قبل التصريح إن الشركة تملك بالفعل “طموحات كبيرة”: “من المدهش كيف يُمكن للناس خارج شركات التكنولوجيا تسمية تلك الأشياء بطريقة أكبر مما نراها”.
بالنسبة للوقت الحالي، التحدّي الذي يواجه هذا البرنامج هو إتقان “نهج جديد كلياً” للذكاء الاصطناعي. على عكس التطبيقات المنافسة، سيري وكورتانا، فإن برنامج M يستخدم خوارزمية وفريق عمل من أشخاص على حد سواء لمعالجة الطلبات. بدلاً من مجرد العثور على المعلومات، يُمكنه اتخاذ إجراء: ترتيب الحجوزات في مطعم، مثلا.
إذا كانت الآلة غير متأكدة ما إذا كانت قادرة على إتمام المهمة وحدها، فإنها تحولها إلى أحد البشر. في الوقت نفسه، الخوارزمية تتعلّم مما يفعله البشر وتُصبح أكثر ذكاءً يوما عن يوم.
ماركوس يحب استخدام برنامج M لإرسال هدية شكر مثل الزهور. ويرفض أي فكرة أن أداة الذكاء الاصطناعي ستتفوق على مساعديه البشر بسرعة: “أنا أعتقد أن مشاركة البشر ستكون لفترة طويلة جداً حتى على المدى البعيد جداً”.
لكنه يتسم بالحذر ويقول: “لا نزال في المراحل المبكرة جداً”، لكنه يبقى واثقاً أن ما يحاولون تحقيقه مفيد أكثر بكثير من برنامج سيري في أبل، أو جوجل الآن، أو كورتانا من مايكروسوفت. ويزعم أن هذه المُساعِدات التي تعمل بالصوت “ليست مفيدة جداً، لكنها قابلة للتوسّع”، في حين أن برنامج M ” مفيد للغاية، لكنه ليس قابلا للتوسّع. التحدّي هو جعل برنامج M كلا الأمرين”.
الذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى بيع وشراء ساعات سواتش، وهو أول عمل قام به ماركوس عندما كان مُراهقاً يعيش في سويسرا. معظم زملائه السابقين يعملون في المجال المالي، لكنه تبع طريقا ليس مألوفا تماما في سويسرا: تعلّم البرمجة الأساسية وهو في عمر الثامنة، وترك الجامعة وأطلق أول شركة تكنولوجيا له. وانتهى به الأمر إلى التصويت الاستثنائي عبر الرسائل النصية لبرامج التلفزيون، بما في ذلك نوفيل ستار في فرنسا وبوب أيدول في المملكة المتحدة.
يقول ماركوس بلغته الإنجليزية المتأثرة بالأمريكيين، لقد تبيّن أن الانتقال إلى وادي السليكون في عام 2008 هو القرار الصحيح. “دائماً ما كنت أشعر أنك إذا أردتَ أن يكون لك تأثير ونجاح، يجب أن تأتي إلى هنا”، قبل أن يُضيف أنه باستثناء المملكة المتحدة وبرلين، من الصعب تطوير شركة تكنولوجيا في أوروبا، مع القليل من رأس المال المُغامر، والعديد من اللغات والبيروقراطية التي لا يستهان بها.
ويتمنى أن تتمكن أوروبا من الترحيب بمزيد من الابتكارات في مجال التكنولوجيا بدلاً من اعتماد النهج الحمائي واستحداث التشريعات المُعقدة التي تتغيّر عبر الحدود. ويقول إن الوضع الحالي “هو في الواقع إقناع أصحاب المشاريع الأوروبيين المحليين بالقدوم إلى هنا، وهو أمر مؤسف للغاية”.
مع ذلك، ماركوس ليس مُشجّعاً غير خجل لوادي السليكون. فهو يشعر بالقلق من احتمال أن تكون هناك “فقاعة صغيرة” في تمويل الشركات الخاصة في مرحلة متأخرة ويُحذّر من أن التقييمات، التي تتصدّر عناوين الصحف الرئيسية ليست بالضرورة شفافة بقدر ما يمكن أن تكون في الأسواق العامة. “أنا أعتقد أن الأسواق العامة سليمة للغاية. وأعتقد أن التقييمات لبعض من الشركات الخاصة في مرحلة متأخرة إشكالية نوعاً ما”.
فيسبوك محبوب بشكل كبير من قِبل وول ستريت: ارتفعت الأسهم بنسبة تزيد على 150 في المائة منذ إدراج أسهمه في عام 2012 ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة 38 في المائة هذا العام لتُصبح 17.2 مليار دولار.
وسيقدم ماسنجر فيسبوك مصدرا جديدا للدخل حين يبدأ في جني المال، على الأرجح من خلال استخدام الماسنجر للشركات، لتحصيل رسوم من شركات التجزئة لمعاودة الاتصال بالزبائن السابقين وإعلامهم بالعروض الترويجية، أو الاقتراحات حول المنتجات التي يمكن أن يكونوا قد استهلكوها.
الطريقة التي سيجني الماسنجر من خلالها المال تعطي قدوة أنموذجية لخدمة التراسل الأخرى المملوكة لفيسبوك، وهي واتس آب، التي اشترتها الشركة في السنة الماضية مقابل 22 مليار دولار، وهي تدار بصورة مستقلة من قبل يان كوم وبريان أكتون، اللذين أسسا الشركة، من مكتب في ماونتن فيو المجاورة.